السجل - خاص

يكتسب الجسدُ في لوحات التشكيلي الشاب بدر محاسنة ومنحوتاته لونَ المعدن، لذلك يبدو متأثراً بعوامل التعرية من كشط وتآكل وصدأ، والتي تغيّب التفاصيل والجزئيات، فلا يظهر من التشكيل النهائي للعمل إلا الهيكل المجرد للجسد البشري.

يدمج الفنان في تشكيل الجسد قطعَ آلات أو مواد صناعية تتمثل، بشكل كبير، في مادتَي "الفيبركلاس" و«البوليستر» اللتين تمنحان السطح لمعاناً وأبعاداً تتعدد وفقها أوجه قراءة العمل الفني وتلقيه.

هذا الدمج بين مواد متعددة وأشكال مختلفة ينتزع الجسدَ من سياقه الجمالي ليحمّله رموزاً ودلالات مجردة تتجلّى في تلك العلامات التي تتطاير في فضاء اللوحة وتنتشر على جسد المنحوتات، بما يحرّض المتلقي ويستثير الأسئلة الكامنة فيه: أجسادٌ هذه أم آلات؟!

يهجس الشكل المجرد للجسد الذي يوظفه محاسنة برؤية فنية جديدة في معرضه المقام على جاليري زارة، بالهروب بحثاً عن منافذ للتخلص من ازدواجية يعيشها، ناجمة عن توقه لحريةٍ تنبع من الطبيعة الإنسانية من جهة، والعبودية الرمزية لقيم الاستهلاك في عالم الصناعة والتكنولوجيا من جهة أخرى، بما يوحي بواقع إنساني عام يسوده الإحباط والخوف من تغوّل الآلة.

تتجلّى الطبيعة المعقدة للعلاقة التي تجمع بين الآلة والجسد الإنساني في أعمال محاسنة بأشكال مختلفة. وهي تبدو أحياناً مبنية على الصراع، إلا أنه صراع أنداد لا تستمر الحياة إلا به، وهذا ما يتضح في تلك الأعمال التي يحتل المزيج الإنساني والآلي مركزها، في إشارة إلى مركزية الكون/ الحياة، حيث تبدأ الألوان بالحركة عبر السطح الفني بما يوحي بديناميكة وحياة تنمو (البعد الإنساني المتمثل بالحرية والانطلاق)، لكن انحصار الحركة ضمن نطاق محدد بحيز العمل (جمود الآلة) يعطي انطباعاً بالانغلاق، بحيث تعود الفكرة من المركز الذي انطلقت منه وبشكل دوراني لا نهائي.

تطرح الأعمال من خلال تنوع سطوحها بين النعومة والخشونة، جدليةَ الظاهر والباطن/ العمق والسطح.. وهي جدلية شكلية تمثل ملمحاً روحياً لحركة الذات في الزمان والمكان، كما تؤسس تضادّاً وجودياً يحكم مصير الإنسان. فتلك الأجساد التي تنتصب بقوة وتتطلع بثقة لما هو قادم، تختلف في رؤيتها وتفكيرها عن تلك المنكّسة رؤوسها أو المنحنية.. وبذلك ينشئ محاسنة لغته الخاصة التي ترتبط بذات الفنان وتعبّر عن صراع الإنسان مع التحولات التي تطال العالم من حوله، وقدرته على تجاوز هذه التحولات، أو تقبُّلها، أو رفضها، أو تطويعها.

وُلد محاسنة في العام 1977 في بلدة كفرخل شمالي جرش، درس الحقوق في جامعة اليرموك، وتخرج فيها العام 2002، أقام ثلاثة معارض شخصية، وشارك في معارض جماعية داخل الأردن وخارجه.