العدد 47 - أردني
 

حسين أبو رمّان

هناك خلاف دائم حول تعريف التطبيع. وكثير من الجدل حول هذا الموضوع سببه الرئيسي الفكرة المبسطة الشائعة بأنه إذا صنف نشاط أو فعل ما من اي طرف بأنه تطبيع، فإنه يجوز رفضه أو مقاومته.

التطبيع ينطوي في كل الأحوال على إقامة علاقة عادية مع إسرائيل أو إسرائيليين لأغراض وظيفية أو مادية أو سياسية أو غير ذلك. لكن الصحيح أيضاً أنه لا يمكن التعامل مع كل الأنشطة التطبيعية على قدم المساواة، وأبرز مثال على ذلك وضع الموظف الحكومي الذي يفاوض الإسرائيلي بحكم واجبات الوظيفة.

الأنشطة التطبيعية تصنف إلى فئات متعددة. فهناك مطبعون سعوا لاستغلال المعاهدة لتحقيق مكاسب مالية من خلال الإسرائيليين، أو من خلال جهات أخرى مكافأة على دورهم في الترويج "المبتذل" للسلام. وهناك رجال أعمال ومهنيون وعمال، اكتشفوا أنه باتت أمامهم أسواق وفرص جديدة، فتصرفوا بوحي من مصالحهم بمعزل عن حسابات الربح والخسارة من زاوية المصالح الوطنية أو القومية. وهناك موظفون تفرض عليهم واجبات الوظيفة الالتقاء بالإسرائيليين والتفاوض معهم وحتى إقامة علاقات معهم ..

إلى جانب ذلك هناك أنشطة تقع في منطقة رمادية، يصنفها بعضهم بالتطبيع فيما لا يراها آخرون كذلك، كما هو حال المقابلات الإعلامية مع مسؤولين إسرائيليين، واللقاءات ذات الطابع السياسي مع مناصرين للحقوق الفلسطينية، وزيارة العرب للأراضي الفلسطينية المحتلة.

حركة مقاومة التطبيع اندفعت في البدايات، إلى اعتبار أنها معنية بمقاومة كل أشكال الصلة مع الإسرائيليين ،بما في ذلك عندما يتعلق الأمر باستضافة شخصيات أدبية أو سياسية من عرب 48 من وزن الشاعر سميح القاسم أو عضو الكنيست السابق عزمي بشارة، ما قادها إلى الشطط، وتنفير قطاعات من المواطنين من الانخراط في أنشطة مقاومة التطبيع. لكن هذه الحركة أدركت في نهاية المطاف بأنها ينبغي أن تكون أكثر واقعية.

بالمقابل هناك مسؤولون حكوميون لا يفرقون بين حق المواطنين في معارضة المعاهدة ومقاومة التطبيع، مثل حقهم في إعلان معارضتهم لأي سياسة أو تشريع ، وبين وجوب أن لا يخرج هؤلاء في أدائهم عن احترام القوانين المرعية. فصدور قانون التصديق على المعاهدة بين إسرائيل والأردن ملزم للدولة، لكنه لا يفرض على المواطن القبول بالمعاهدة أو أن يطبّع مع إسرائيل.

الحكومات تتجاهل عادة أنه يمكن توظيف وجود معارضة، او حركة مقاومة تطبيع ناشطة، لتحقيق مكاسب في أية مفاوضات مع إسرائيل. كذلك فإن بعض الأطراف السياسية تتعامل مع مقاومة التطبيع كقضية عقائدية مجردة، وليس باعتبارها مدخلاً لتوليد مزيد من الضغط على إسرائيل للاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته القابلة للحياة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس.

أبرز إنجازات حركة مقاومة التطبيع، رفع التكلفة المعنوية وأحياناً المادية لأشكال من التعامل مع الإسرائيليين داخل الأردن، مثل إفشال معرض الصناعات الإسرائيلية في مرج الحمام العام 1997، وفرض العزلة على السفارة الإسرائيلية في عمّان.

يشيد أحد البيانات الموقعة باسم "اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع" بتصدي جماهير الشعب الأردني في مختلف مواقعها، لمشاريع تطبيعية وإفشالها والمطالبة المستمرة بإلغاء المعاهدة، وطرد السفير، ومقاطعة العدو والمتعاونين معه، بحيث "أصبح سفير العدو محاصراً في سفارته".

قد يبدو طريفاً القول إن أكبر حليف لحركة مقاومة التطبيع هو إسرائيل، لكن هذه حقيقة موضوعية. فإسرائيل بإدارة الظهر لمتطلبات السلام مع الفلسطينيين، ومواصلة حربها وغطرستها ضد شعب فلسطين وأرضه ومقدساته، تعزز مناخات مقاومة التطبيع. ويندرج في هذا الإطار أيضاً محاولة اغتيال خالد مشعل على أرض الأردن، وكل التصريحات والمواقف الاستفزازية التي تروج للوطن البديل.

السفارة الإسرائيلية: 14 عاماً من العزلة
 
16-Oct-2008
 
العدد 47