العدد 46 - كتاب | ||||||||||||||
الإعصار المالي الذي شهدته الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، لم يحظ إلا بأقل القليل من ردود الفعل العربية الرسمية، مع أن القاصي والداني يعرف مدى ارتباط اقتصاديات عربية، وخليجية بالذات بالسوق الأميركية، بما يتعلق بالاستثمارات أو الودائع أو امتلاك الأسهم. التهويل ليس مطلوباً ولا إشاعة التشاؤم، لكن الحد الأدنى من الشفافية مطلوب من أجل تعزيز الثقة، وإضاءة الطريق إلى المستقبل. التعتيم من شأنه زيادة حجم الأضرار، إذا كانت هناك أضرار. الأسواق المالية العربية "تجاوبت" مع الأزمة وشهدت تراجعاً. يقال إن عطلة العيد الطويلة التي امتدت لعشرة أيام في بعض دول الخليج، أسهمت في الحد من الخسارة وذلك مع إغلاق هذه الأسواق. مسؤولون أوروبيون بينهم فرنسيون، قالوا إن بلاهم لن تكون بمنجى من التأثر بهذا الإعصار، الذي طاول مصارف بريطانية ولم يحدث نتيجة ذلك لا هلع ولا اضطراب في مجرى الحياة العادية. لدى غالبية الدول العربية النفطية احتياطيات مالية كبيرة، زادت منها الطفرة النفطية الأخيرة، بما يجعل تلك الدول قابلة لامتصاص وتعويض أية خسائر في حال حدوثها، وبما لا يسوغ الاعتصام بالصمت حيال ما جرى وما يجري، وكأن أزمة لم تقع وصدمة لم تحدث. البادي أن سياسة التكتم انتقلت عدواها من حقل السياسة إلى ميدان الاقتصاد، والخشية أن يصبح التكتم هو القانون والقاعدة وما عداه استثناء. لقد هول البعض ما جرى، ودعا إلى "مبادرة عربية لإنقاذ اقتصاد الولايات المتحدة.." وليس لإنقاذ أو إنعاش الاقتصاد العربي. وهناك من دعا بالمناسبة إلى أن تغرق أميركا في أزمتها. مع أن ضعاف الحال مرشحون للتأثر بالأزمة أكثر من سواهم، وبينهم ملايين الأميركيين المسلمين ومن هم من أصل عربي، فالأغنياء يعرفون سبل النجاة، وإن تعرض هؤلاء لخسائر فسوف يبقى معظمهم في دائرة الأغنياء. علماً أن العالم بات مترابطاً، لدرجة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في غمرة الخلاف حول الملف النووي الإيراني، تنتظر إبرام صفقة قمح أميركي معها. في نهاية الأمر، فإن الأزمة تفرض تحديات ليست جديدة على صانعي القرارات العرب، فالأزمة المالية الأميركية بدت امتداداً لأزمة سياسية عاصفة في واشنطن تتعلق بخياراتها الاستراتيجية ومجمل أداء السياسة الخارجية. وإذا كان الأميركيون والمقصود الرأي العام بات أمام استحقاق مراجعة مسيرة الثماني سنوات العجفاء، فمن المنطقي والواجب في غمرة ذلك وضع سياسات تقوم، على الأقل، على وضع مسافة مع واشنطن وفك عرى "الاتحاد" معها! ودونما حاجة لاتخاذ قرارات راديكالية بل تحقيق توازن أكبر في العلاقات وتنويع في الاستثمار، والتسلح. فالعالم أكبر من أميركا الكبيرة.. علماً بأن العالم العربي فسيح مترامي الأطراف وأكبر من دول أخرى تتخذ سياسات دولية تتمتع بالاستقلالية والتوازن وتنتزع الاحترام. |
|
|||||||||||||