العدد 46 - ثقافي
 

مراجعة: محمود منشيبوري*

حقوق الإنسان في العالم العربي:

أصوات مستقلة

حقوق الإنسان في العالم العربي:

أصوات مستقلة

يجادل مؤلفو هذا الكتاب في أن مدى الصلة بين حقوق الإنسان والعالم العربي، يقرره سياق سياسي وسوسيو اقتصادي متغير. سياق لا يقرره مسبقاً أي سياق ثقافي يفترض فيه الثبات.

يشتمل الكتاب على أربعة أقسام متداخلة؛ يمهد القسم الأول ببحث القضايا النظرية والعملية لعلاقة حقوق الإنسان بالإسلام. ويصر أنطوني تشايز على أن الإسلام "ليس مسؤولاً عن خرق الحقوق، ولا عن الأساس المحوري لتقدم هذه الحقوق" (ص 21).

الإسلاموية، بوصفها أيديولوجيا قومية دينية، كما يرى تشايز، كان لها أثر في حقوق الإنسان في العالم الإسلامي (ص 24). وهو ينطلق من نقطة جوهرية ترى أن حركات الإصلاح الديني الإسلامية منحت المرأة المسلمة الحديثة أدوات جديدة ،لتمكينها وتقدمها في بلدان عربية مثل الأردن والكويت وتونس، مثلاً. ويلاحظ أن البنى السياسية تفسر معظم حوادث خرق حقوق الإنسان في العالم العربي، وأن المسؤولين العرب هم الذين يؤججون النوازع الدينية والسياسية. غير أن من المهم إدراك أن هؤلاء القادة كانوا الأقل إخلاصاً لقواعد الإسلام الأخلاقية الأساسية. وعلى الدرجة نفسها من الأهمية الإشارةُ إلى حقيقة أن المنظمات الجماهيرية الإسلامية أقامت شبكة واسعة النطاق للرفاء الاجتماعي لتلبية احتياجات الجماهير الاقتصادية والاجتماعية، في مقابل فشل الحكومات في القيام بذلك.

من خلال شرح للظروف المحيطة بتأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، يجادل بهي الدين حسن في أن "المنظمة" من شأنها أن تقوض المبادئ التي قامت عليها، وكذلك التأثير في نزاهتها إذا ما رفضت الدفاع عن حقوق الإنسان الخاصة بالإسلاميين (ص 44). موقف "المنظمة" بين مجموعات حقوق الإنسان المصرية، عزز من قدرة خطاب حقوق الإنسان على الاستمرار، عبر محافظتها على خط فاصل بين ضحايا خروقات حقوق الإنسان وبين توجهاتهم الأيديولوجية والسياسية والدينية (ص 48).

في القسم الثاني، يبحث عمرو حمزاوي في الخطاب الثقافي المعاصر في العالم العربي من خلال وضعه في سياق العولمة. فالأفكار الأساسية – مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والعقلانية – تكتسب أرضية مركزية في الخطابات ذات التوجهات الإصلاحية والإسلامية، ومن شأن مثل هذه الإمكانية أن تفسح مجالاً يتعايش فيه التغير الثقافي والاستمرارية مع خطوات التقدم الإيجابي الكونية، مثل الحفاظ على حقوق الإنسان وتنميتها (ص 63). ويطبق نيل هيكس "النموذج التصاعدي" لرايس وروب وسيكينك حول اجتماعية الإنسان، لإيضاح محدودية هذه النظرية. فهو يثبت أن دفع الحكومات للسير في مجال حقوق الإنسان قد أغلق الحيز المنطقي لانتقالها، وقوض المعارضة المحلية وأوقف انتشار خطاب حقوق الإنسان في مصر (ص 86). فالدولة تبقى ساكنة، ثم تنخرط في جدل محلي حول حقوق الإنسان وفق شروطها، وليس وفق شروط المنظمات غير الحكومية أو التأثيرات الانتقالية. ويتابع هيكس أن الدولة المصرية تصر على أن هموم حقوق الإنسان لن تتجاوز المصالح الاستراتيجية القائمة لحلفاء البلاد الغربيين الأساسية (ص 88). وهكذا فإن على الناشطين المحليين والدوليين أن يوفروا الأفضل بين الفرص المحدودة، للتعاون مع الحكومة في مجال حقوق الإنسان.

تقوم مقالة فالنتاين مُقدم على إثبات أن الصعوبة الأكبر التي تواجه الناشطين في مجال حقوق المرأة يكمن في التوتر القائم بين هوية وطنية منبثقة من حضارة وثقافة إسلاميتين، والدعوة إلى حقوق سياسية ومدنية جاءت بوحي من المجتمعات والتقاليد الغربية. ومن هنا فإن المنظمات النسائية تحتاج إلى وضع إطار للاعتراف بالهويات، ووضع الأسس الخاصة بحقوق متساوية للجميع بطريقة تأخذ في الحسبان التاريخ والفهم الثقافي والمعايير الكونية (ص 104).

القسم الثالث يعالج التحديات الراهنة التي تواجه حركات حقوق الإنسان العربية المعاصرة. وتتميز مقالة هاني مجلي بدرجة عالية من التشكيك في حركات حقوق الإنسان المحلية في العالم العربي، فهو يجادل في أن هذه الحركات كانت تنحو أكثر فأكثر إلى القيام بأنشطة على مستوى عالمي، ولكنها لم تقرب منظماتها من مناطق نشاطها في الوطن (ص 110). ويضع نيكولا برات حدوداً للعمل الناجح الذي يقوم به الناشطون في مجال حقوق الإنسان في مصر. أما المنظمات الغربية غير الحكومية وارتباطها بالمجتمع المدني المصري فتبقى إشكالية، فمن الجوهري، كما يجادل برات، أن يحاول "الناشطون في مجال حقوق الإنسان قلب المعارضات الثنائية التي تعطي معنى للنقاش الجاري حول التمويل الأجنبي، أكثر من إعادة تشكيل هذه المعارضات أو من تجنبها" (ص 125). ويشرح إياد السراج الخط المعياري في فلسطين، القائل إن حقوق الإنسان أدوات غربية تُستخدم في صورة خاصة من جانب الولايات المتحدة للسيطرة على الفلسطينيين والعرب، فالصلة الأميركية كثيراً ما تُستخدم لتجاهل القانون واحترام حقوق الإنسان (ص 133).

يتناول القسم الأخير بعض حالات الدراسة، فدراسة شيلا كارابيكو عن الأفكار اليمنية حول حقوق الإنسان تشرح كيف طفت مفاهيم حقوق الإنسان فيما كان المثقفون والمشرعون ونخب سياسية وثقافية أخرى يتحدّون الطغيان والقمع في صورة كبيرة من خلال الإشارة إلى قيم مجتمعية ودينية أصلية، فقد أصبحت هذه المفاهيم متجذرة في نسيج الثقافة السياسية اليمنية وتعاليمها (ص 137). وبالتدريج، بدأ كثير من اليمنيين في البحث عن إرثهم الثقافي الخاص في المجالات القانونية والأخلاقية لتقديم دعم منطقي للمفاهيم العالمية لحقوق الإنسان. وبالنتيجة، برز انخراط عربي واضح بحقوق الإنسان في اليمن.

تبرز الأقسام التالية التي وضعها تامر مصطفى (مصر) وسوزان والتز ولندسي بنستيد (المغرب) تبايناً مثيراً للاهتمام بين التجربتين، فمصطفى يقدم شرحاً مفصلاً حول الكيفية التي وفرت بها المحكمة الدستورية العليا المصرية طرقاً مهمة للناشطين لتحدي الدولة، وكيف توافرت لجماعات حقوق الإنسان وأحزاب المعارضة مهارات متزايدة في استخدام المؤسسات القضائية في تحدي النظام بنجاح (ص 172). ويعترف مصطفى بفشل الآليات القضائية في الوقوف في وجه المجتمع المدني المتخلف، والحاجة إلى مساعدة شعبية لمعالجة قضايا حقوق الإنسان. ويجادل والتز وبنستيد في أن حركة حقوق الإنسان في المغرب أحرزت تقدماً ملحوظاً، إذ إن الضغوط المحلية والدولية – من خلال جهود حلفاء ومنظمات غير حكومية ومنظمات دولية –أطلقت عملية تدويل معيارية بين جماعات حقوق الإنسان المغربية (ص 194). وتعد القرارات التشريعية الأخيرة الخاصة بالإرهاب والسلطات الاستثنائية خطوات مميزة في مجال الحدود التي يجب توافرها لتشكيل تهديد خطير للسلطات الملكية، أو للنخب البيروقراطية التقليدية في البلاد.

في مقالته الختامية، يعيد عمرو حمزاوي تأكيد النموذج المعياري للكتاب، من خلال تسليط الضوء على العوامل والقوى الأكثر انخراطاً في صورة مباشرة في مناقشات حقوق الإنسان (ص 197). وللموازنة، فإن الكتاب يتضمن دعوة للانغماس في الوضع المعقد لحقوق الإنسان في العالم العربي، وارتياد آفاق تتحدى الفهم السهل والفرضيات المبسطة حول هذه المنطقة من العالم. ويمثل هذا الكتاب مساهمة مهمة في الأدبيات الخاصة بحقوق الإنسان في مجتمعات غير غربية، ويوفر مرجعاً مفيداً جداً لكل المهتمين بفهم الظروف الخاصة بحقوق الإنسان في العالم العربي. ولا شك في أن المختصين والموجهين الباحثين عن ارتياد قضايا الثقافة والسلطة وحقوق الإنسان، سوف يفيدون فائدة كبيرة من هذا الكتاب.

*قسم العلاقات الدولية. جامعة سان فرانسيسكو. سان فرانسيسكو. كاليفورنيا.

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

دعوة للانغماس في الوضع المعقد لحقوق الإنسان
 
09-Oct-2008
 
العدد 46