العدد 46 - ثقافي
 

محمد شما

في عمّان، وتحديداً في وسط البلد وجبل الحسين، تنتشر محلات متخصصة ببيع البراويز والمرايا، إضافة للّوحات التي تُركن في العادة على الجدران، أو تُصفّ عند مدخل المحل فوق بعضها بعضاً، تنتظر من يشتريها، أو على الأقلّ مَن يقلّبها «وجهاً وقفا» من باب «الفضول».

«هناك اهتمام بهذه اللوحات، لكنه متفاوت بحسب الذائقة الفنية للزبون»، يقول صاحب أحد محلات بيع اللوحات.

بمواجهة ذلك، هناك لوحات تُعرض في الغاليريهات وتوضع عليها أسعار «خيالية»، وربما يأتي مسؤول أو ثري ويشتري لوحة أو أكثر منها دعماً للرسام، أو «تشجيعاً للحراك الفني»، فيما يمكن الحصول على مثيلاتها من السوق بأسعار متواضعة.

ارتفاع السعر وانحسار العرض في مواقع ذات صبغة «نخبوية»، من الأسباب التي تجعل اللوحة تقبع في مكانها معلّقةً على الجدران لفترة طويلة، قبل أن تُرحّل إلى مرسم صاحبها أو تُنقَل للمستودع، ليفضي بها الأمر في النهاية إلى محل مختص ببيعها.

الذي لا يستطيع اقتناء اللوحات الفنية خلال فترة عرضها في غاليري، لارتفاع أسعارها، أصبح بإمكانه الحصول على مبتغاه من السوق، بسعر لا يتجاوز عشرة دنانير في أحيان كثيرة مقابل اللوحة الواحدة، ويصل السعر إلى خمسين ديناراً في حال كانت اللوحة ملفتة للنظر أو كبيرة الحجم. سعر اللوحة عموماً تحدده جمالية اللوحة وجهد صاحبها المبذول فيها.

محمد عاصم العطار، صاحب محل لوحات فنية بوسط البلد، يقول: «الإقبال كثيف هذه الأيام على اللوحات التجريدية». ويضيف متحدثاً عن الأسعار: «لكل رسام أسلوبه ومكانته؛ وفقاً لهذا يتحدد سعر اللوحة. والأسعار معتدلة عموماً في المحلات الواقعة في وسط البلد».

أكبر لوحة في المحل، يبيعها العطار بمبلغ 50 ديناراً، و«أرخص» لوحة يصل سعرها إلى دينارين أو ثلاثة. وتشتمل اللوحات على مناظر طبيعية وآيات قرآنية وأحرف عربية وبورتريهات، إضافة إلى لوحات لمستشرقين، مستنسخة على القماش.

يتعامل العطار مع مجموعة كبيرة من الرسامين: «منهم رسامون معروفون في العراق. وهم أكثر إبداعاً من نظرائهم الأردنيين، لأن تذوق الأخيرين للفن ضعيف مقارنةً مع العراقيين الذين قطعوا أشواطاً بالفن». ويضيف: «هناك زبائن يأتون ويطلبون لوحات رسامين بعينهم ذوي باع طويل بالفن، وهناك من يطلب لوحات رسامين جدد».

يزداد الإقبال على شراء اللوحات في موسم الصيف. وغالباً ما يترافق ذلك مع رحيل العائلة إلى بيت آخر، إذ يتم شراء عدد من اللوحات لتزيين الجدران بها. «في موسم الشتاء نقوم بتحضير لوحات للصيف المقبل»، يقول العطار الذي يرى أن المواطن الأردني لا يتمتع بـ«ثقافة فنية كافية». ويوضح: «الكثير منهم يأتي ويقول: عندي طقم كَنَب أخضر، وأريد لوحة مناسبة من حيث اللون، بصرف النظر عن موضوعها. آخرون يبحثون عن لوحات الآيات القرآنية، كي تحفظ البيتَ، لكن على أن تكون مناسبة للون الأثاث».

جلال العدوي، الذي ورث مهنة بيع اللوحات عن أبيه، يقول: «نعتمد على الرسام العراقي بشكل أساسي لتوفير احتياجاتنا من اللوحات». ويضيف:«أبيع لوحات من جميع الأصناف: رسم زيتي، طبيعية، تجريدية».

يتحدث العدوي عن أسعار اللوحات في محله: «أغلى لوحة لديّ لا يتجاوز سعرها السبعين ديناراً، وأرخص لوحة سعرها خمس دنانير».

رفيق السعدي، رسام عراقي، يتحدث عن لوحاته التي يبيعها لأحد المحلات: «أعتمد في لوحاتي على رسم الحروف، لأن تخصصي في الغرافيك وليس التشكيل. أحب توظيف فن العمارة الإسلامية مع الخط العربي، ومع المنمنمات البدوية والعربية والفضيات والألوان الدافئة».

يُرجع السعدي «اضطرار» رسامين لبيع لوحاتهم بأثمان قليلة، للظروف الاقتصادية الصعبة: «الرسام مجبَر على التورط في الجانب التجاري، لكسب عيشه». ويضيف: «هناك رسامون يمتهنون الرسم لتزويد المحلات في السوق وفقاً لحسابات التجارة، وهناك آخرون ينجز الواحد منهم أربع أو خمس لوحات في السنة، ويعرضهن في أحد الغاليريهات. وبالنهاية كلّه فن».

فنٌّ للتجارة، وفنٌّ لمتعة النظر. طريقتان يتنازع عليهما رسامون. الأولى لتحصيل لقمة العيش، والثانية للتعبير عن الذات. ويبقى السؤال: متى يمكن التوفيق بينهما، ليكسب الرسام من فنه دون أن يجد نفسه تاجراً تخضع لوحاته لمنطق الربح والخسارة!

لوحات للتجارة.. وأخرى لمتعة النظر
 
09-Oct-2008
 
العدد 46