العدد 46 - ثقافي
 

علي بدر

من حمّى الجنس إلى العزلة الاجتماعية، من النزعات الوجودية إلى النزعات الأخلاقية، من غليان الطبقات الفقيرة إلى انحطاط الطبقة الوسطى.. إنه حامل إرث الرواية السيكولوجية المثقلة بحركات النفس، وقلق الروح، واكتشاف الذات، وجنون الجنس الأكثر شهوانية، وسياسة الاستهلاك الأكثر هيمنة في العالم الرأسمالي.. الرواية المثقلة بمشاهد العنف، وروح الوضاعة، وهيمنة الانهيار.

تلك هي موضوعات ألبرتو مورافيا (1907 – 1990)، الروائي الأبرز في الأدب الإيطالي الحديث، وفي الأدب العالمي أيضاً. فمن الشهوانية الأكثر ابتذالاً إلى رفعة الفن، جعل مورافيا أبطاله يرزحون تحت خيالات قلقة وراعدة، وكانت قدرته على تقديم صورة حية عن العالم الرأسمالي خلاّقة ومؤثرة: أسواق مغرقة ببضاعة الجنس، فنانون مختلّون، نساء مسنّات منشرحات، حفلات منوّمة ومجنونة، أجساد مهانة، رجال معزولون، وعالم واقعي يدفعه شيئاً فشيئاً ليكون في الواجهة.

عُرف مورافيا في أوروبا بعد صدور روايته "الموافق" المعادية للفاشية، والتي حُولت إلى فيلم سينمائي أخرجه بيرناردو بيرتوشيلي في العام 1970. كما تحولت "السأم"، وهي أهم روايات مورافيا وأكثرها شهرة، إلى فيلم سينمائي على يد المخرج الفرنسي، غودار.

ليست السينما وحدها التي جعلت شهرة مورافيا طاغية في أوروبا، وفي العالم عموماً. كان هناك أيضاً رواياته التي نُشرت على شكل حلقات مسلسلة في الصحافة، وكتبه السياسية، وكتاباته حول رحلاته، ورسائله، ومقالاته النقدية، ومواقفه العلنية المناهضة للحرب والرأسمالية والاستغلال والقمع والتهميش والعنصرية.

أُصيب مورافيا بمرض السل الرئوي الذي أقعده وهو في التاسعة، ما حال دون إكمال دراسته، هو المولود لعائلة يهودية من الطبقة المتوسطة. وأتاحت له سنوات المرض (عامان قضاهما في منزله، وثلاثة أعوام في مصحة تقع على أطراف روما) التفرغَ لقراءة الأدب والفلسفة والفكر. فقرأ بصورة عميقة روايات دستيوفسكي التي أثرت فيه تأثيراً بالغاً، بخاصة نزعة التحليل النفسي التي أتقنها في ما بعد، حتى أصبح مدرسة مستقلة فيها. وقرأ كتابات الإيطالي غولدوني الذي أثر في نسقه الإنشائي: النبض المتوتر، والكتابة البسيطة والسهلة والراقية في آن. وقرأ شكسبير الذي ألهمه البحث عن نزعة الشر في الإنسان. وأخذ النزعة الساخرة من مسرحيات موليير الشهيرة التي قرأها بشغف كامل. كما تعلم اللغتين الفرنسية والألمانية بصورة بارعة، وأخذ يكتب الشعر باللغات الثلاث: الإيطالية والفرنسية والألمانية.

في العام 1925 ترك ألبرتو مورافيا المصحّة، وانتقل للعيش مع عائلته في مدينة بريكسن، وفي أواخر العام 1929 نشر روايته الأولى "زمن اللامبالاة" التي كان لها تأثير بالغ في الأوساط الأدبية والثقافية الإيطالية في ذلك الوقت، إذ كانت أول رواية تعتمد التحليل الواقعي والسيكولوجي لانحطاط القيم الأخلاقية لمجتمع روما في عشرينيات القرن الفائت.

تسرد الرواية بصورة متوترة حياة عائلة من الطبقة الوسطى، تعيش في روما في ظل نظام سياسي ينحو شيئاً فشيئاً نحو الطغيان. يشاهد القارئ عبر حياة اثنين من أبناء المدينة نمو نزعة الشك والدمار والتخريب. وقد عُدَّت الرواية من جانب نقاد اليسار في ذلك الوقت تكهناً بمآل المجتمع الإيطالي وما ينتظره على يد الفاشية السياسية والاجتماعية من سقوط مريع وانهيار.

بعد ذلك بعام، تعرف مورافيا على الكاتب الإيطالي الشهير ألفارو كورادو، الذي عرّفه في ما بعد على ماسيمو بونتمبلي. وعُدَّ هذا التعارف الحدث الأكبر في حياة مورافيا ككاتب في إيطاليا. فمنذ ذلك الوقت ساعده هذان الكاتبان على العمل صحفياً في مجلة "900"، التي نشر فيها قصصه الأولى، مثل "اللصّ الفضولي" و"ظهور".

في العام 1986 اختير ألبرتو مورافيا نائباً في البرلمان الأوروبي عن الحزب الشيوعي الإيطاليِ. وفي 26 أيلول/سبتمبر 1990، وُجد ميتاً في حمّام شقّته. وفي العام نفسه كتب الكاتب الإيطالي الشهير لويجيو بومباني سيرة ألبرتو مورافيا الذاتية.

ألبرتو مورافيا حامل إرث الرواية السيكولوجية
 
09-Oct-2008
 
العدد 46