العدد 1 - أردني
 

مطلع الألفية الثالثة شهد تحولاً تصاعدياً في مستوى تعليم المنتسبين إلى حركات تكفيرية وجهادية، إذ حفّزت الانتفاضة الفلسطينية الثانية- التي انطلقت في خريف العام 2000 ولاحقاً الاحتلال الأميركي للعراق في ربيع عام 2003 أفواجاً من الشباب المتعلم من المغرب وحتى كردستان على الانخراط في صفوف التنظيمات الراديكالية المسلحة، حسبما لاحظ محامون ومتخصصون في شؤون الحركات الإسلامية.

بين الواقعتين، جاءت «غزوة» نيويورك وواشنطن في 11/9 /2001 على يد 19 إسلامياً متعلماً، بعضهم مختص في حقل الطيران.

ينسحب هذا التشخيص على الأردن، اذ نظرت محكمة أمن الدولة في 240 قضية أمنية متصلة بالإرهاب خلال السنوات العشر الماضية. ولاحظ محامون تحولا متصاعداً في مستويات تعليم المشتبه بهم، المتهمين والمدانين مقارنة مع أوائل المنتسبين إلى خلايا متطرفة مطلع العقد الماضي.

تكشّفت هذه الاستنتاجات بعد تسليط الأضواء في بريطانيا على قضية محمد العشّا، وهو طبيب أردني يتمتع بدرجة ذكاء IQ عالية، وحائز على شهادات عليا بامتياز. أوقفت السلطات هناك العشّا في تموز/ يوليو الماضي بتهم تتصل بالإرهاب.

من المفارقة أن بعض الذين ينتمون إلى هذه التيارات يجندّون في الاغتراب، لا سيما في الولايات المتحدة أو أوروبا. من بين هؤلاء الأردني رائد البنا، الذي نسبت إليه عملية تفجير في الحلّة أودت بحياة أكثر من 100 شخص منتصف عام 2005.

كان البنّا، بحسب عائلته وأصدقائه، يعيش حياة طبيعية في كاليفورنيا، حيث عمل في هيئة الأمم المتحدة «قسم استقبال اللاجئين السياسيين العراقيين إلى الولايات المتحدة».

تحوّل البنا، خريج كلية الحقوق، إلى التديّن الشديد بعد أحداث 11/9 ودرج على ارتياد المساجد في كاليفورنيا قبل أن يعود إلى بلاده.

منذ مطلع العام الحالي فككّت السلطات 13 قضيّة، بحسب سجلات أمن الدولة ومحامين.

محامون متخصصون في الدفاع عن أعضاء محتملين في تلك الخلايا أكدوا أنها اتجهت في السنوات الأربع الماضية لتجنيد شباب متعلم في أعمال عسكرية ومدنية.

سميح خريس، يقول إنه رصد في السنوات الأخيرة تزايداً في «عدد المتعلمين لا سيما في قضايا الإلتحاق بالمقاتلين في العراق». قبل احتلال العراق، كان مستوى تعليم غالبية المنضوين تحت الحركات الأصولية دون شهادة الثانوية العامة». الكثير من مواقع الحركات «الإسلامية الجهادية» تنشر إعلانات إلكترونية في منتديات الدردشة لتشغيل مهندسي كمبيوتر وفنيين للمشاركة فيما يوصف «بالجهاد الإلكتروني». في أول قضية من نوعها، حكم على مراد خالد العصيد في صيف 2006 بالسجن عامين ونصف مخفضة من خمس سنوات، على خلفية إشادته بتفجيرات عمّان في الرسالة الإلكترونية إلى دائرة المخابرات العامة. في تلك الرسالة هدّد العصيد، وهو سوري الجنسية، بتنفيذ تفجيرات مماثلة إن لم يطلق سراح العراقية ساجدة الريشاوي- التي أدينت بالإعدام لاشتراكها في تفجير ثلاثة فنادق عمانية في خريف 2005.

أحد المحامين أوضح أن رموزاً في الحركات التكفيرية يرون في المتعلمين «هدفاً سهلاً لغسل الدماغ وإقناعهم بحجّة فتاوي ابن تيمية». في السابق، يستذكر المحامي ذاته، كانت هذه الجماعات تختار أعضاءها «من فئات أقل تعليماً وثقافة أو عن يعانون من اضطهاد سياسي أو فكري أو من الطبقات المجتمعية الفقيرة مادياً».

المتشدد الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتل بغارة أميركية وإسناد استخباراتي أردني شمال بغداد منتصف العام الماضي، كان من بين محدودي الثقافة والعلم حين تشرب أفكاراً جهادية داخل السجون الأردنية على يد المرشد الروحي للتيار السلفي عصام البرقاوي الملقب بأبي محمد المقدسي.

واليوم، تستهدف قيادات الجماعات الإسلامية المتشددة «طلبة جامعيين وأصحاب المهن». الباحث في الشأن الإسلامي، إبراهيم غرايبة، يرى أن قضايا مثل توقيف محمد العشا، المتهم بالإشتراك في محاولة تفجير مطار غلاسكو، «لم تسترع اهتمام أي من مراكز الدراسات بالنقد والتحليل».

الاحتلال نقطة تحول

يعتبر غرايبة أن الاحتلال الأميركي للعراق «ساعد على توسيع فئة المنتسبين للجماعات لتشمل جامعيين لا سيما بعد أن التحق أبناء (مؤسسي) الجماعات الإسلامية بالجامعات».

غرايبة يرى أيضاً «أن ظاهرة الإقبال على التدين التي أخذت تنتشر أيضاً بصورة ملحوظة، ربما سيكون لها نصيب في انتشار ظاهرة الإقبال على الحركات الإسلامية والانجذاب لهذا التيار، وبخاصة عند الذين يشعرون بالتهميش والاضطهاد والجماعات التي لا تحظى بقوتها السياسية».

فالزرقاوي، برأي غرايبة، «يمثل الشريحة التقليدية للجماعات المتشددة. فهو من الشباب غير المتعلم. ويؤكد ان معظم المنتسبين لهذه الجماعات هم من أصحاب السوابق الذين يفعلون ذلك تعزيزاً لثقتهم بأنفسهم وإرضاءً لها، واعتقاداً منهم بتحسين تاريخهم الشخصي".

يوضح غرايبة أن الجماعات المتشددة ما تزال محصورة باهتمام الصحافة والسياسة والأمن في حين لم يقم أي مركز دراسات بإجراء «دراسات حول المستوى التعليمي أو الثقافي.»

مهندسون

على مدى العقد الماضي، رصدت «السِّجل» خمس قضايا، على الأقل، كان متهمون بها يحملون شهادة جامعية مثل تنظيم «الإصلاح والتحدي» 1998 الذي اتهم أعضاؤه بتفجير سيارة مسؤول أمني، وأخرى إسرائيلية وسور المدرسة الأميركية. بعد خمس سنوات من فتح ملف تلك القضية، برأت أمن الدولة ساحتهم لعدم كفاية الأدلة.

مثلها قضية المهندس أسامة أبو هزيم، المحكوم بالسجن عشر سنوات مع الأشغال مخفضة من الإعدام على خلفية الالتحاق بمقاتلين في العراق. كان أبو هزيم اعتقل بتاريخ 2005/2/18 ثم أحيل إلى محكمة أمن الدولة.

المهندسان عبدالرحيم إبراهيم الحاج يوسف ومحمود محمد أبو عابد يندرجان ضمن تصنيف المتعلمين. الأول أعتقل في 2005/2/20 وأحيل إلى أمن الدولة التي برأته بعد ثمانية أشهر. أما الثاني فحكم بالسجن ثلاث سنوات في خريف العام 2005. من أبرز القضايا المحلية المتصلة بالإرهاب اتهام 28 إسلامياً بالانتساب إلى تنظيم القاعدة فيما عُرف بقضية «الألفية». وكذلك قضية عزمي الجيوسي (نجّار) الذي أدين بالتخطيط للقيام بهجوم كيميائي على دائرة المخابرات العامة في ربيع 2004.

بوادر التحول

أول قـــضّية اتهم في سياقها متعلمون كانت عام 1996، حين أحيل إلى أمن الدولة جامعيون ومثقفـــون بتهم تتــصل بالإرهاب.

من بين المتهمـــين آنذاك عكرمة غرايبة الحاصل على بكالوريوس في الهندسة المعمارية، علي الفقير الحائز على درجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي، وكذلك يوسف الربابعة، دكتوراه في النحو العربي.

تأثر هؤلاء المتعلمون بالاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في غمرة الانتفاضة الثانية. ففي حيثيات القضية لم يكن المتهمون من أصحاب الفكر التكفيري او الجهادي.

أفرج عن هؤلاء الشباب في إطار عفو ملكي عام سنة 1999.

د. ربابعة يستذكر كيف تأثر «الشباب بالأحداث السياسية. وما يجري على الساحتين الفلسطينية ولاحقاً العراقية». يرى ربابعة أن المنتسبين إلى خلايا متطرفة باتوا من أصحاب الشهادات الجامعية بخلاف البدايات قبل عقدين حين كان الأوائل غير متعلمين. بعد ظهور تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن واحتلال العراق أخذ المتعلمون ينتمون إلى جماعات جهادية.

في السابق، كانت غالبية كوادر التنظيمات المتطرفة من فقراء المناطق المسحوقة- لا سيما مخيمات اللاجئين، على ما يضيف ربابعة.

من جانبه يرى الباحث في الشأن الإسلامي محمد أبو رمّان أن «هناك تحولاً كبيراً في قضايا أمن الدولة منذ التسعينات. فهنالك خط بياني صاعد لعدد من القضايا التي ينتمي اليها أعضاء التيار السلفي الجهادي.» يوضح أبو رمان أن مستوى تعليم وثقافة المنتسبين إلى تلك الخلايا «كان ضعيفاً جداً». حتى إنهم لا يقرأون كثيرا، غير متعلمين إنما يركزون على قراءة بعض الكتب الدينية التي تعزز أيديولوجيتهم الدينية مثل: كتاب «ظلال القرآن» و«معالم في الطريق» لسيد قطب وكتب أبو محمد المقدسي».

الفترة الأخيرة شهدت «تحولاً في مستوى التعليم وتحديداً بعد احتلال العراق، وتأثر كثيــــر من الشباب بأبي مصعب الزرقاوي، الذي كــــان له دور كبير في العراق يتابع كثير من الشباب أخـــباره على الإنترنت». أولئك الشــباب، يضــــيف أبو رمان، كانوا «ناشطين عبر الإنترنت الذي يشكل لهم أفقاً جديــداً للتعلم منه، فظهرت أمام مــحكمة أمن الدولة أول قضية جهاد إلكتروني» وأدين فيها في أيار 2005 مراد خالد العصيدة المتهم بارسال رســــالة تهديد عبر الموقع الإلكتروني لدائرة المخابــــرات العــــامة على الإنترنت «بقصـــد الإخلال بالنظام العام وتعريض أمن المجـــتمع وســــلامته للخطر».

وحكمت أمن الدولة على العصيدة 19 عاماً بالسجن خمس سنوات وخفضت للحبس سنتين ونصف السنة.

يعتبر أبو رمان أن قضية العشا مسألة «استثنائية لا ترتبط بالسياق الثقافي للحركة الجهادية في الأردن إنما ترتبط بتجربته في بريطانيا» معتبراً «أننا لا نستطيع أن نحكم عليه في الوقت الحالي».

يؤكد محامون أن «ثقافة التطرف والتكفير» نشأت أصلاً داخل مركز إصلاح وتأهيل سواقة منذ بدايات العقد الماضي، وتحديداً خلال سجن المرشد الروحي للجماعات السلفية أبو محمد المقدسي. كان للمقدسي دور كبير «تحول الزرقاوي من متهم على قضايا مختلفة لا علاقة لها بالإرهاب الى زعيم لتنظيم القاعدة في العراق».

لم يكن الزرقاوي الوحيد الذي تأثر بالفكر المتطرف داخل مهاجع الإسلاميين في السواقة، بل كل من تقرب منهم أصبح منهم، وذلك عبر استغلال أوضاع المساجين نفسياً، ومحاولة غسل دماغهم بأن الدولة تضطهدهم وتظلمهم، بحسب تحليلات المحامين.

أوراق اعتماد التكفيريين من الأمية إلى الشهادات الجامعية العليا – ليندا معايعة
 
08-Nov-2007
 
العدد 1