العدد 46 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

في الوقت الذي تعتزم فيه الحكومة زيادة الاقتراض من السوق المحلية، نزعت بنوك إلى رفع أسعار الفائدة على القروض السكنية، في خطوة مثيرة للجدل أجهضت توقعات بانخفاض أسعار الفوائد لحاقا بمنحى البنك الفدرالي الأميركي الهبوطي منذ أشهر.

ويبدو أن البنوك المحلية، بخاصة الصغيرة منها، تميل إلى إقراض الحكومة أكثر من القطاع الأهلي والخاص للاستفادة من تعليمات المركزي التي لا تفرض عليها إيداع مخصصات إجبارية لدى البنك المركزي نفسه.

وتراوح نسبة المخصص الإجباري ما بين 8 و9 في المئة من إجمالي الودائع والقروض بحسب معايير بازل 2.

توجه البنوك لزيادة أسعار الفائدة يخالف القاعدة النقدية القائلة إن ارتفاع السيولة لدى البنوك يدفعها لتخفيض معدلات الفائدة.

ويمكن تفسير مسلك البنوك بسعيها إلى تقليص حجم القروض الممنوحة للأفراد من أجل زيادة فرصتها في تقديم هذه القروض للحكومة.

وبالمتوسط يرتفع الهامش بين الفوائد على القروض والودائع لتراوح بين 4.5 و5.5 في المئة، إذ تصل نسبة الفائدة على القروض إلى 9 في المئة، مقارنة بمعدل 4 في المئة على الإيداع.

الاقتصاديون ينقسمون حول أسعار الفوائد التي تفرضها البنوك على التسهيلات الائتمانية الممنوحة منها، إذ يؤكد القسم الأول أنها مرتفعة، فيما يرى آخرون أنها متواضعة.

 بالمقابل يؤكد الاقتصاديون انخفاض الفائدة على الودائع، ما يوسع الهامش بين أسعار الفوائد على القروض والودائع.

  وتختلف التقديرات حول الأرباح التي تجنيها البنوك العاملة في المملكة من الفرق الناتج عن أسعار الفوائد على القروض من جهة وأسعار الفوائد على الودائع من جهة أخرى.

وتؤكد وجهة النظر الأولى أن" البنوك لا تحقق أرباحا من الفرق ما بين الفوائد على التسهيلات والودائع". ويعتمد أصحاب وجهة النظر هذه على أن البنوك تتكبد كلفاً مرتفعة وبالتالي تغطي هذه الكلف عبر الفائدة المرتفعة على الإقراض.

 يشار إلى أن مقدار الهامش يصل إلى نحو 5.5 في المتوسط ما بين أسعار الفوائد على التسهيلات وأسعار الفائدة على الودائع. 

ويتراوح الوسط المرجح لأسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية للبنوك المرخصة ما بين 8.94 في المئة و9.95 في المئة، أما الوسط المرجح لأسعار الفائدة على الودائع لدى البنوك المرخصة فيراوح من 0.87 في المئة و5.44 في المئة.

 ويقول الصيرفي محمد صبري الديسي إن مجمل البنوك غير مستفيدة من الفوائد التي تفرضها على التسهيلات الائتمانية. ويرجع الديسي ذلك إلى ارتفاع كلف الأموال في مجملها خلال العام الواحد، في الوقت الذي يجب النظر فيه بعمق إلى أسعار الكلف المترتبة على البنوك قبل إصدار حكم يؤكد الربحية العالية لها.

 ويتفق الخبير الاقتصادي، يوسف منصور مع الديسي حول ضعف الأرباح التي تحققها البنوك من الفرق بين الفوائد على التسهيلات والودائع. ويشير إلى إن كلا من عوامل - نسبة الاحتياطي الذي يطالب به المركزي كوديعة لديه من البنوك من دون فائدة، ومخاطر الإقراض والكلفة التشغيلية للقروض، كلها عوامل تبرر ارتفاع الهامش بين الفائدة على الودائع وعلى التسهيلات.

كما جرت العادة خلال السنوات الماضية، على أن تلحق أسعار الفوائد محليا مثيلاتها على الدولار عالميا. لكن البنك المركزي أبقى على أسعار الفوائد مرتفعة هذه المرة، الأمر الذي يفسره المحللون بسعيه إلى ضبط معدلات التضخم المرتفعة خلال العام الحالي، والتي يتوقع أن تتجاوز 9 في المئة.

لكن مسؤولاً في أحد البنوك المحلية يقول إن زيادة الطلب على القروض ساهم في رفع أسعار الفوائد، كذلك طال ارتفاع تكلفة جميع أسعار السلع والخدمات معدلات أسعار الفائدة.

ويتحمل عملاء المصارف جزءا من المسؤولية بالإبقاء على أسعار فوائد مرتفعة بسبب إقبالهم على الاقتراض وعدم مراجعة عقود القروض التي تتضمن مادة تسمح للبنك برفع أسعار الفائدة عما كان متفقا عليه بين البنك والعميل لدى الحصول على القرض.

الإجراءات البنكية المتبعة عند رفع أسعار الفوائد لا تقتصر على القروض التي تأتي بعد الزيادة، بل تشمل القروض التي حصل عليها الزبائن قبل رفع الأسعار، وسعي البنوك لتحقيق المزيد من الأرباح بأثر رجعي وعلى حساب المواطن.

لذا تستمر مطالبات اقتصاديين ومتعاملين مع المصارف، للبنك المركزي بالتدخل لتخفيض الهامش بين أسعار الفائدة الدائنة التي تمنحها البنوك على الودائع وأسعار الفائدة المدينة على القروض المصرفية، التي باتت تشكل عبئا كبيرا على المواطنين وتترك آثارا سلبية على الاقتصاد، إذ إن الهامش بين أسعار الفوائد الدائنة والمدينة يتسع ويثقل كاهل المقترضين ويحقق أرباحا كبيرة للبنوك في الوقت ذاته.

وارتفع الوسط المرجح لأسعار الفائدة الدائنة سبع نقاط العام الحالي عن أسعاره لعام 2006، ليبلغ 94ر9 في المئة، في حين زادت أسعار الفائدة على الودائع 9 نقاط فقط ليبلغ 49ر5 في المئة بدلا من 4ر5 في المئة.

أما الفرق بين الفائدتين فمرتفع جدا ويصل 45 ر4 في المئة، فيما ترتفع النسبة التي تربحها البنوك في المتوسط، إذ تفرض فائدة أعلى على بعض المدينين ورسوماً إضافية وعمولات.

بشكل عام ينبغي أن تكون نسبة هامش الربح بين الفائدتين 2 في المئة لا أكثر، لا سيما أن هذا المعدل معقول ويحقق أرباحا للبنوك ويخدم المواطن بالحصول على قرض بأسعار فائدة يستطيع سدادها، كما أنها تمنح المودعين في البنوك أسعار فائدة مقبولة على ودائعهم.

فتخفيض أسعار الفوائد على الاقتراض يعد جزءا من مسؤولية المصارف الاجتماعية التي ينبغي ألا ينحصر هدفها في تحقيق الأرباح، بل يتجاوز ذلك لحفظ التوازن في السوق.

 غير أن وزير المالية الأسبق سليمان الحافظ يخالف منصور والديسي الرأي، فهو يرى أن "من الواضح أن ثمة فرقا بين الفائدة المدينة والفائدة الدائنة، وهذا ما يساعد البنوك على تحقيق أرباح كبيرة".

 لكن الحافظ أشار إلى ضرورة استخراج المعدل المثقل للفائدة الدائنة لكل نوع من أنواع الودائع حتى يتم التوصل إلى المعدل الحقيقي الذي تدفعه البنوك للمودعين.

 وأكمل الحافظ "يجب معرفة المعدل المثقل للقرض الممنوحة للمدينين حتى يتم التوصل للكلفة الحقيقية للإقراض".

 وأكد الحافظ أنه كلما زاد هامش ربح البنوك صعب الحكم على قدرة البنوك الإدارية في جني أرباح تشغيلية مبنية على الكفاءة.

وقال الحافظ: "كلما زاد الهامش بين كلفة الإيداع وإيراد فوائد القروض انخفضت القدرة الإدارية المثلى لتحقيق أرباح مبنية على الكفاءة".

ويعد القطاع الصناعي واحدا من أكثر القطاعات تأثرا بارتفاع أسعار الفوائد على القروض الممنوحة لا سيما المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة.

 وقال رئيس غرفة صناعة الزرقاء محمد التل: "لا بد من خفض أسعار الفائدة على القروض اللازمة لإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبار هذا الإجراء واحدا من أهم الإجراءات التي ستزيد دوران عجلة الاقتصاد الوطني".

 ودعا التل مؤسسات التمويل وعلى رأسها البنوك لتوفير التمويل اللازم بفوائد مخففة لمساعدة الأفراد لإنشاء مشاريع إنتاجية صغيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية، لا سيما وأن هذا النوع من المشاريع لا يشتمل على مخاطرة كبيرة، بل يضمن زيادة الإنتاج، وفقا لتعبيره.

ارتفاع هامش أسعار الفائدة يضعف فرص النمو الاقتصادي
 
09-Oct-2008
 
العدد 46