العدد 46 - اقتصادي | ||||||||||||||
تثير أزمة السيولة العالمية التي يمر بها الاقتصاد الأميركي مخاوف من انتقال العدوى إلى الجهاز المصرفي المحلي، وذلك على رغم السياسات الرقابية الإصلاحية التي طبقها البنك المركزي خلال الأعوام الماضية. التوجس من انتقال الحالة محلياً مرده الزيادة الكبيرة في حجم التسهيلات العقارية التي قدمتها البنوك، والتي تتزامن مع تخوفات من حدوث أزمة سيولة محلية يدلل عليها تزايد قيمة الشيكات المرتجعة التي بلغت قيمتها خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي نحو 1.311 بليون دينار وشكلت نسبتها 4.7 في المئة من إجمالي الشيكات المتداولة. كما سلكت قيمة الشيكات المرتجعة منحى تصاعدياً في السنوات الست الماضية، إذ ناهزت نسبتها 2.6 في المئة في العام 2002، ثم ارتفعت النسبة إلى 3.5 في المئة في العام 2003، وبعدها تراجعت إلى 2.7 في المئة في العام الذي تلاه، وبعد ذلك ارتفعت النسبة إلى 2.85 في المئة في العام 2005، ثم إلى 3 في المئة في العام 2006، وأخيراً إلى 4.6 في المئة في العام الماضي. وتدل المؤشرات الحالية على خطورة تضخم المحفظة العقارية، والتي تمثل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر جراء تداعيات الأزمة المالية التي ألمت باقتصاد الولايات المتحدة. كما تؤشر قيمة التسهيلات الممنوحة من قبل القطاع المصرفي على حساسية الوضع في هذه المرحلة، لا سيما أن قيمة الرصيد القائم لإجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل البنوك المرخصة ارتفعت إلى 13.3 بليون دينار، مع نهاية الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، مسجلا نسبة ارتفاع مقدارها 17.6 في المئة عن مستواه المسجل في نهاية العام الماضي. وبلغ حجم التسهيلات، حتى نهاية العام الماضي نحو 11.3 بليون دينار، وبلغت منح البنوك قرابة 2 بليون دينار للجهات المقترضة في سبعة أشهر، ما زاد التسهيلات إلى 13.3 بليون دينار حتى نهاية تموز/يوليو الماضي. بلغ رصيد إجمالي الودائع لدى البنوك المرخصة في نهاية شهر تموز/ يوليو من العام الحالي ما مقداره 17.85 بليون دينار، بارتفاع نسبته 11.7 في المئة عن مستواه المسجل نهاية العام الماضي. وجاء الارتفاع في الرصيد الإجمالي للودائع خلال الفترة المنقضية من العام الجاري نتيجة ارتفاع كل من ودائع القطاع الخاص، مقيمة بمقدار 1.60 بليون دينار و12.8 في المئة، وودائع القطاع العام (الحكومة المركزية والمؤسسات العامة) بمقدار 163.6 مليون دينار 12.6 في المئة، وودائع القطاع الخاص غير المقيمة بمقدار 96 مليون دينار 4.6 في المئة، وودائع المؤسسات المالية غير المصرفية بمقدار 3.1 مليون دينار، وذلك مقارنة بمستوياته في نهاية العام 2007. المهم في موضوع التسهيلات التى قدمتها البنوك لقطاع العقار والانشاءات، أنها كانت الأكثر استفادة من فورة السيولة التى اجتاحت المنطقة العربية بعد تضاعف مداخيل النفط فى السنوات الماضية. لكن أزمة الائتمان انعكست على اقتصاديات دول الخليج الغنية بالنفط بتقلص التمويل لقطاع مصرفي خليجي يتضح يوما بعد يوم تزايد حجم تضرره. والاقتصاد الأردني الصغير ليس بعيدا عن حالة انكماش السيولة الحاد للبنوك المصرفية الخليجية التى خسرت الاحتياطيات المالية التى بنتها سنوات الطفرة النفطية، والتي بدأت انعكاساتها الأولى في رفع كلف الائتمان. بشكل عام يبدو أن المتخصصين أكثر تحسباً لما يجري في العالم، إذ يروي مصرفي أن إدارة أحد البنوك قبلت بإيداع مبلغ مالي لمدة 77 يوما بفوائد مرتفعة، ما يدلل على تخوف من حدوث أزمة سيولة لا تبدو آثارها بسيطة على الاقتصاد. ويدعم فكرة وقوع أزمة سيولة محلية مشكلة شركات البورصات العالمية، التي سحبت أموالاً من جيوب المواطنين تقارب قيمتها نصف بليون دينار، ما تزال مجهولة المصير. ويبدي المصرفي المخضرم الذي طلب عدم نشر اسمه، مخاوفه من تأثير أي تراجع في قيم الأصول العقارية بشكل حاد فى الأردن، لا سيما أن حصة تسهيلات القطاع العقاري تفوق بليوني دينار من إجمالي تسهيلات المصارف التى تتجاوز 13 بليون دينار مضافاً إليها قروض الشقق والأراضي. ومن الناحية الأخرى، يتوقع أن يقل إقبال المستثمرين الخليجيين بعد الأزمة التي يعانونها ومنها نتيجة الأزمة العالمية على الاستثمار في الأردن، ما يقلص فرص المملكة من استقطاب سيولة في الفترة الحالية، وهذا بدوره، سوف يكون له أثر سلبي في توفر النقد من ناحية، لكنه يدعم سياسات كبح التضخم الذي بلغ خلال الشهر الماضي ما نسبته 19، 3 في المئة، وهي نسبة تساوي معدله العام 1989 من ناحية أخرى. كما أننا نرى أن بنوكاً محلية بدأت تواجه الأزمة بوضع شروط إقراض أكثر صرامة، تدفع المستثمر إلى زيادة ما كان يدفعه من رأسمال سيكون أثرها فادحاً. تجنب هذا السيناريو السيء يدعو البنوك إلى الاندفاع نحو الاندماج، وهو إجراء وقفت أسماء عائلات كبيرة في وجهه حجر عثرة، رغم معرفة القائمين على القطاع بأهمية الاتحاد لمواجهة القادم الصعب. كما يتطلب أيضاً تقليص الإنفاق الحكومي غير المبرر، لا سيما الجاري منه، أو ما يدرج منه تحت بند الرأسمالي رغم انه إنفاق جار بكل ما تحمله الكلمة من معنى. |
|
|||||||||||||