العدد 46 - كتاب
 

من الملائم استعراض وتحليل أهم الأرقام المالية، أو أرقام الموازنة الفعلية أو القريبة من الفعلية خلال النصف الأول من 2008، ومقارنتها بأرقام البنود نفسها كما كانت عليه في نهاية السنة الماضية، وكما كانت عليه أيضاً خلال النصف الأول من السنة الماضية لتحديد الاتجاهات وفهمها، ولمعرفة ما إذا كانت الأوضاع المالية العامة تسير في الاتجاه الصحيح أم لا، في الإنفاق و الإيرادات، ومع تقريب المبالغ إلى أقرب مليون والنسب إلى أقرب واحد كلما كان ذلك مطلوباً.

فالنفقات الكلية الفعلية ارتفعت خلال النصف الأول من هذا العام إلى 2932 مليون دينار مقابل 1828 مليون دينار في الفترة نفسها من العام 2007، وبزيادة 604 ملايين وبنسبة ارتفاع 33 في المئة، وهي نسبة مرتفعة تدعو للتحسب رغم أن جانباً منها يتصل بالتضخم وزيادة الرواتب وفوائد المديونية والدعم، أي بنفقات جارية زادت بمبلغ 540 مليون وبنسبة 89 في المئة، من الزيادة الكلية.

الملاحظ أيضاً أنه، ورغم انتقادات وشكاوى بتلكؤ في إنفاق مخصصات الإنفاق الرأسمالي، فإن قيمة هذا الإنفاق ارتفعت بمبلغ 64 مليون دينار عما كانت عليه في النصف الأول من 2007، مع الإشارة مرة أخرى إلى حقيقة أن نسبة ملموسة من هذه النفقات ليست رأسمالية بالتعريف العامي للمصاريف الرأسمالية التي تزيد من القدرة الإنتاجية والثروة الوطنية، والعديد من بنودها أقرب إلى النفقة الجارية.

وتركزت الزيادة الجارية في الإنفاق العسكري، وفي رواتب العاملين في الجهاز المدني، ومخصصات المتقاعدين العسكريين والمدنيين، ما رفع من الفوائد على مديونية الأردن الداخلية من 71 مليون في نصف عام 2007 إلى 118 مليون في النصف الأول من 2008، وبارتفاع 47 مليون دينار، وبنسبة 66 في المئة، ما يشير إلى زيادة كبيرة في رقم المديونية وعبء خدماتها.

وفي المقابل، كان الارتفاع أو التحسن في قيمة الإيرادات الكلية أقل في مدى قيمته، إذ تحققت إيرادات كلية في النصف الأول من هذا العام بقيمة 2394 مليون دينار مقابل 1935 مليونا في الفترة نفسها من العام 2007، وبزيادة 459 مليون وبنسبة ارتفاع 24 في المئة، وهي كما يلاحظ أقل من الزيادة الإجمالية في الإنفاق، وبخاصة في النصف الأول من 2008.

الارتفاع في قيمة الإيرادات الكلية في النصف الأول من العام 2008، يفقد جانباً ملموساً من أهميته لأن الزيادة فيها تركزت في قفزة في رقم المنح والمساعدات الخارجية من 78 مليون في النصف الأول من العام 2007، إلى 260 مليون، أي بزيادة تجاوزت 3 أضعاف، وبما يحد من نهج وضرورة «الاعتماد على الذات».

أما الإيرادات المحلية، فقد ارتفعت بمبلغ 277 مليون دينار، وبنسبة 15 في المئة، ولكن يحد من أهمية هذه الزيادة أو ما يجعلها تتسم بالخطورة، أن معظم هذه الزيادة تركزت في إيرادات التحصيلات الضريبية وبقيمة 198 مليون دينار بنسبة 71 في المئة.

لا ينحصر الجانب السلبي في ارتفاع التحصيلات الضريبية فقط، بل في مدى توزيعها بين تحصيلات «ضريبة المبيعات» السيئة وتحصيلات ضريبة الدخل الأكثر عدالة اجتماعياً، فالأولى حظيت بزيادة 153 مليون دينار، أي بنسبة 77 في المئة من التحصيلات الضريبية الكلية، فيما بلغت 64 مليون تحصيلات ضريبة الدخل، أي بنسبة 32 في المئة.

وبدلاً من تحقق ارتفاع في تحصيلات الضرائب والرسوم الجمركية في موازاة القفزات الكبيرة في الاستيراد، فإنها تراجعت بقيمة 23 مليون دينار، والسبب واضح ويرجع إلى النهج الصندوقي، ونهج منظمة التجارة العالمية، في الطلب من الدول النامية فتح أسواقها وتسهيل الاستيراد من خلال تبني تنفيذ تخفيضات متتابعة في السقوف العليا للرسم الجمركي، بحيث انخفضت إلى أكثر من النصف وإلى 20 في المئة فقط، والمؤسف أن يحدث ذلك رغم أهمية هذه الرسوم في توفير حماية نسبية للصناعة والزراعة والخدمات إلى جانب أهميتها كمصدر إيرادات رئيس لموازنة الخزينة.

انطلاقاً مما تقدم، فإننا نصل إلى استنتاج تدعمه الأرقام والوقائع، بأن صورة المالية العامة الفعلية في النصف الأول من 2008، اتجهت إلى مزيد من التراجع، وانعكس كل ذلك في تحقق عجز فعلي فيها بقيمة 38 مليون دينار مع المساعدات، مقابل وفر بمبلغ 107 ملايين في الفترة المقابلة من 2007، ويرتفع العجز في 2008، مع استثناء المساعدات إلى 298 مليون دينار، مقابل وفر مالي مقداره 29 مليون دينار في الفترة المقابلة.

ولأن الإنفاق يتسارع في العادة في النصف الثاني، أكثر كثيراً من تسارع زيادة الإيرادات حصيلة ضريبة الدخل التي تكاد تنعدم في النصف الأول، فإننا لا نتجاوز الحقيقة عندما نتوقع تداعيات أسوأ في النصف الثاني وخلال كامل 2008.

أحمد النمري: اتجاهات الموازنة في نصف عام
 
09-Oct-2008
 
العدد 46