العدد 46 - اقليمي
 

معن البياري

بعد أكثر من عشرين شهراً على مغادرة رئيس بعثة جامعة الدول العربية السابق في العراق المغربي مختار لماني بغداد،وصل إليها في السادس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري خلفه هاني خلاف، بعد يوم من زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في زيارة هي الأولى من نوعها من 18 عاماً، أعلن خلالها عن موعد قريب لإعادة افتتاح سفارة بلاده في بغداد، وهو ما تأخر كثيراً، بعد خطف واغتيال السفير المصري في العاصمة العراقية في تموز/ يوليو 2005 إيهاب الشريف.

لا يبدو وجيهاً القول إن استئناف الجامعة حضورها هناك بعد الغياب الطويل، يعود إلى ما يشيع الحديث عنه حالياً بشأن تحسن الوضع الأمني وانخفاض مستوى العنف في البلد المحتل، ذلك أن رئيس البعثة السابق تواجد في العاصمة العراقية وكان العنف في مستواه العالي إياه، بل إن أحد الحراس المكلفين بحمايته قضى في هجوم مسلح، ولم يشر مختار لماني حين انسحابه من مهمته إلى أن المخاطر الأمنية كانت أسباب عزوفه الوحيدة عن الاستمرار في موقعه. تحدث في حينه، في كانون الثاني/يناير 2007، عن «استحالة إنجاز أي شيء جدّي وإيجابي، على طريق المصالحة الوطنية في العراق»، يمكن أن تقوم به بعثة جامعة الدول العربية على هذا الصعيد، وتحدث أيضاً عن «غياب أي رؤية عربية لمعالجة الوضع العراقي».

يؤتى هنا على إشارتي الدبلوماسي المغربي المذكورتين، وفي البال أن الرئيس الجديد لبعثة جامعة الدول العربية في العراق المصري هاني خلاف، كان صريحاً في قوله قبل أسابيع إن الجامعة لا تملك صلاحيات وآليات كافية للعمل في هذا البلد، وأن الولايات المتحدة وقوى إقليمية وأطرافاً عراقية، لا ترغب بدور قوي لها في العراق. ولدى مغادرته مطار القاهرة إلى بغداد الاثنين الماضي،صرح أنه سيتواصل مع مختلف مكونات الشعب العراقي، وسيعمل على تعزيز الدور العربي هناك.

شهدت الشهور الأخيرة كثافة ملحوظة في زيارات المسؤولين السياسيين العرب إلى بغداد، وإعلانهم عن فتح سفارات لبلادهم، وذلك ما قد يُيسر مهمة بعثة الجامعة ورئيسها الجديد، وقد كتب رئيسها السابق مختار لماني أنه شعر في أثناء سنة عمله أنّ لا شيء بوسعه تقديمه للعراقيين، وذلك في بيان صريح وجريء نشره في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2007، بعنوان «صفحات مؤلمة من تجربتي في العراق»، ومما جاء فيه مثلاً أن «النخبة السياسية العراقية تواصل سياسة الهروب إلى الأمام، وأن الغالبية العظمى منها لا تؤمن بشيء اسمه العراق».

وانتقد الدبلوماسي المغربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى بشدّة، واجتماعات الجامعة بشأن العراق، والتي كان يستدعى للمشاركة فيها، ويصفها بأنها كانت مسرحية إعلامية ذات طبيعة رتيبة ومملة، وبعيدة عن فهم الحقائق على الأرض. ولم تشعر الجامعة يوما من المفيد أن يخاطب لماني ـ على ما يقول ـ المجتمعين لينقل إليهم انطباعاته وتقاريره عن الحالة في العراق، ويضيف أن «الأكثر إثارة للألم، أن موسى كان يصر على أن يستضيف في تلك الاجتماعات صديقه السياسي السوداني مصطفى عثمان إسماعيل، بوصفه مبعوثه الخاص للعراق، وهو الذي لم تطأ قدماه هذا البلد».

من المفيد قراءة وثيقة مختار لماني في الوقت الذي يصل فيه خلفه إلى بغداد، وآمال واسعة تحوط الأخير، بأن ينشط الحضور العربي في العراق بعد اندفاعة سياسية واضحة تجاه هذا البلد، كان من مظاهرها زيارة الملك عبد الله الثاني بغداد في آب/أغسطس الماضي، وزيارة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، وإعلان دمشق، مثلاً، الشهر الماضي عن تسمية سفير لها في بغداد، وهو ما كانت بادرت إليه الإمارات والبحرين وغيرهما.

ويكون مناسباً أيضاً أن تكون التوقعات من أداء بعثة الجامعة في العراق متواضعة، ليس فقط للقناعات المتوطنة، والحقائق الميدانية القائمة في هذا البلد، ومن أبرزها أن الفاعل الأميركي هو صاحب الدور الأهم هناك، وأن التأثير الإيراني يزداد يوماً بعد يوم، وصار حاضراً ومؤثراً، بحيث بات العراق الورقة الرابحة بيد النظام الثيوقراطي لطهران، على ما كتب مختار لماني، وعلى ما باد هو للعيان.

ليست هاتان الحقيقتان وحدهما ما يدفع إلى تواضع التوقعات من الرئاسة الجديدة لبعثة الجامعة في بلاد الرافدين، رغم النيّات الطيبة والرغبة الصادقة لديها، بل هو حال العمل العربي المشترك، وعجز مؤسسة جامعة الدول العربية على إنقاذه، حيث الخلافات البينية، خصوصاً بين دول توصف بأنها محورية، تنبئ عن نفسها، وتؤشر إلى أسباب وجيهة لإخفاق غير مستبعد لأية جهود نحو فاعلية عربية مشتركة، تمثلها الجامعة في العراق.

لا يغيّب هذا الأمر أن جهوداً محمودة بذلتها الجامعة في الموضوع العراقي، فقد تبنت الجامعة في منتصف 2006 مبادرة الوفاق الوطني، بالاتفاق مع القادة العراقيين، واستضافت مؤتمراً واسعاً لعديد من هؤلاء من أجل هذا الهدف. واتضح لاحقاً أن المبادرة عبرت عن نيّات طيبة لدى الأمانة العامة للجامعة لا أكثر، وكان عمرو موسى بادر إلى زيارة العراق قبل أكثر من عامين وجال فيه، وزار كردستان، والتقى بمختلف الفاعليات القيادية، الحزبية والدينية والتكوينات المختلفة. وسبق تلك الزيارة أن وفداً مرموقاً من الجامعة قضى أياماً هناك، ترأسه مساعد الأمين العام أحمد بن حلي، ونشط بهمة واضحة في التواصل مع جميع التمثيلات السياسية والطائفية والعشائرية العراقية، وأعدّ تقريراً وصف بأنه وافٍ في توصيف المشهد السياسي والأمني المعقد. وبعيد مغادرة مختار لماني بغداد، قام وفد من الجامعة برئاسة بن حلي أيضاً بزيارة «استطلاعية» شاملة، التقى فيها معظم الأطراف العراقية المؤلفة للحكومة والبرلمان، و تلك التي خارج العمل السياسي، وكان يسعى لعقد مؤتمر للمصالحة العراقية في القاهرة، وهو ما لم يتم.

هي مهمة شديدة الصعوبة، إذاً، مُلقاة على الرئاسة الجديدة لبعثة جامعة الدول العربية في العراق: طموحات وآمال كثيرة كبيرة، ومعوقات (أو معيقات) أمامها أكثر من ظاهرة، وهي مهمة موصولة بجهود بادرت الجامعة إليها في السنوات الأربع الماضية، تمني بعض النجاح لها، هو ما يمكن اختتام التذكير بها هنا.

محاولة أخرى لعودة الجامعة العربية إلى العراق
 
09-Oct-2008
 
العدد 46