العدد 46 - أردني
 

رامي خليل خريسات*

مر كثير من الأردنيين في بحبوحة من العيش، ومارسوا نمطاً استهلاكياً لم يعهدوه نتيجة للدفعات التي كانوا يقبضونها كل شهر من الشركات المتاجرة بالبورصات العالمية، فانعكس ذلك على فئة من المحظوظين الحريصين على القبض الشهري. أما الفئة الأقل حظاً، والتي طمعت في أرباح أكثر من خلال إبقاء المبالغ المستحقة لهم لدى تلك الشركات، فتلك ستعاني أكثر في محاولاتها استعادة أموالها المستثمرة.

وعودة إلى تلك الفئة التي مارست نمطاً استهلاكياً لم تعهده من قبل، فقد ارتقت معيشتها مؤقتاً، وتجلى ذلك فيما رواه لي أحد الأصدقاء التجار، حول تزايد مشترياتهم من محلات السوبر ماركت بدفع نقدي بلغت نسبته 95%، وقلت الإستدانه بعد أن كانت تشكل 50% من المبيعات.

الآن، سيعود الجميع إلى نمط الحياة السابق، بعد تبخر المدخرات والتحسر على تسييل الموجودات الفردية من ذهب وأراض، والتي تلاشت طمعاً في الربح الوفير، في غياب بيانات دقيقه عن أعداد الأردنيين المتضررين والأحجام الحقيقيه للمبالغ المستثمرة، حيث أرى أن الأعداد قد تكون أكثر أهميه من المبالغ لأن مبلغ 1000 دينار عند الفقير لا تقل أهميه عن 10 آلاف عند متوسط الحال، وهكذا، فكل بحسب مقدرته.

النتيجة الأخرى، أنه، وبعد انحسار هذه الموجه التي خلقت تضخماً زائفاً في بعض جوانبه، فان الأرقام المعلنة المقبلة سوف تكون أقرب إلى الحقيقة، حيث ساهم انتفاخ جيوب البعض في تشويه الأرقام الحقيقية، من خلال إنفاق طاريء غير مستمر أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

أما على صعيد البورصات العالمية، فالمريح في وضع الاقتصاد الكلي وفقاً للبيانات المنشورة من البنك المركزي، تؤكد ملاءمة نسبه القروض المحلية إلى الودائع، ما يدرأ أي أزمة في السيولة المحلية ويحمي بنوكنا الوطنية من تداعيات عانتها بعض البنوك الخليجية، ما دفع مصرف الإمارات المركزي لضخ 50 بليون درهم لبث الطمأنينة في قلب المجتمع المالي بعد أزمة البورصات العالمية، لذلك يبقى من الأهمية بمكان إشهار هذه الطمأنينة من قبل البنك المركزي الأردني ومن القائمين على بنوكنا الوطنية، مع الإفصاح عن أي تعاملات مشتركه مع البنوك الأميركيه المتعثرة وعلى رأسها ليمان برذر، ليبدأ الاقتصاد في تجاوز أزمتي شركات البورصات الزائفة وتداعيات البورصات العالمية التي هوت سحيقاً في الآونة الاخيرة.

الخلاصة من مجريات الأحداث الاخيرة، هي أهميه توفير قنوات استثمارية لصغار المدخرين ضئيلة المخاطر، سهلة يفهمها العموم، لأنهم في حقيقة الأمر لا يستفيدون من البنوك، لصغر ودائعهم، ولا من قنوات الاستثمار المتاحة الأخرى، ويحتاجون للأخذ بأيديهم نحو مسيرة الادخار الوطني من خلال برنامج للصكوك الوطنية، كما في دوله الإمارات، حين وفرت هذه الصكوك بوصفها أداة ادخارية مجديه ذات عوائد شهريه مناسبة، لها سحوبات وفائزون بجوائز مالية شهرية تشبه اليانصيب الخيري الأردني، مع فارق أنها تتناسب مع الشريعة الاسلامية وتخضع لهيئة رقابه شرعية، تلائم شريحة عريضة من الأردنيين الراغبين بالاستثمار الحلال، وتستطيع الحكومة استخدام حصيلتها المالية في إنشاء مشاريع تنموية في المناطق النائية خارج العاصمة، و في المحافظات التي ثبتت معاناتها من احتيال القائمين على شركات البورصات الوهمية أكثر من عمان الواعية.

إن إصدار الصكوك الإسلامية مشروع يستحق دراسة البنك المركزي، ليقدم جواباً شافياً للمجتمع المالي الذي يتساءل عن أسباب غياب الصكوك الاسلاميه من خطط البنك المركزي، في حين أن دول الخليج أصبحت سباقه عالمياً، وتنافس ماليزيا الدوله الأولى في هذا المجال.

*مستشار ومحلل اقتصادي

البورصات العالمية والمحلية:أزمة داخل أزمة
 
09-Oct-2008
 
العدد 46