العدد 45 - أردني
 

محمد العرسان

لم يتمكن أبو أحمد السيلاوي، 41 عاما، من الوفاء بجميع مستلزمات العيد بعد أن خسر كل ما ادخره من عمله في "المنجرة" الخاصة به في إحدى شركات البورصة التي انهارت في مدينة اربد.

يروي أبو احمد، الذي يعيل أسرة من أربعة أطفال قصة تعامله مع الشركات التي تتاجر في البورصة الأجنبية قائلا: البداية كانت بعد أن شاهد الإرباح الخيالية التي يحققها أصدقاؤه من وراء الاستثمار في هذه الشركات ـ ما دفعه لاستثمار 10000 دينار، هي كل ما تمكن من جمعه من كد الأيام، كما يقول. ولم يتردد أبو أحمد في زيارة شركة "بني هاني" للاستثمارات المالية، وإيداع كامل المبلغ ليحصل في مقابل ذلك شهريا على مبلغ 800 دينار، لكن هذا الحال لم يدم طويلا، فبعد ثلاثة أشهر فوجيء أبو احمد بانهيار الشركة وإلقاء القبض على صاحبها وحجز أمواله. وهو اليوم، لا يعلم مصير "تحويشة العمر" سوى أنه قدم شكوى لدى وزارة الصناعة والتجارة لعله يحصل على ماله أو جزء منه، على الأقل.

أما محمد حسان، فقد امتزجت في قصته الطرافة بالمأساة، فقد حمل مبلغ 2000 دينار، "ليستثمرها" في شركة "الحواري للاستثمارات المالية"، لكن خطوته الاستثمارية باءت بالفشل، فقد خسر كامل المبلغ الذي لم يكن ملكه على أي حال، فهو كان قد استدانه لكي يخطب فتاة تشاركه حياته المستقبلية، لكن القصص "الخيالية" التي سمعها عن أرباح طائلة حققها المستثمرون في البورصات الأجنبية، أنعش في نفسه غريزة الجشع والطمع في ربح سهل، ما دفعه لاستثمار المبلغ في البورصة، على أمل الحصول على مبلغ إضافي يعينه على تكاليف الخطوبة، لكن تفجر قضية الشركات المتعاملة بالبورصات الأجنبية، وانهيار شركة الحواري التي وضع فيها المبلغ، وضع نهاية مأساوية للقصتين: قصة استثماره وقصة خطبته.

لكن بادرة أمل صغيرة راودته أخيرا في الحصول على جزء من المبلغ الذي وضعه على أي حال، فقد أعلنت شركة الحواري التي وضع فيها "استثماره" عن نيتها تسوية أوضاعها خلال ثلاثين يوما، وقال مدير عام الشركة محمد الحواري في تعقيبه على تجمهر مئات الأشخاص أمام شركته في وسط مدينة اربد، إنه لم يغادر البلاد، وهو يقوم حاليا بتسوية بعض القضايا التي أقامها على بعض الشركات التي تعمل تحت مسمى MARKET MAKER، والتي قامت بحجز ملايين الدنانير المتحققة للشركة.

اختلفت ردود الفعل على ما حدث في قضية البورصات الأجنبية، فمن المستثمرين من لاذ بالصمت وأنكفأ على نفسه يندب حظه، ومنهم من رفض حتى الحديث عما جرى له محملا نفسه مسؤولية خسارته، أو لائما أقاربه أو جيرانه أو أصدقاءه على هذه الخسارة. وهنالك من لم يستسلم لليأس فبادر إلى التجمهر أمام مقرات الشركات التي هجرها موظفوها. ولكن هنالك من أفقدته الخسارة رشده، فبدأ في توجيه الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال.

فقد رفع المواطن أيمن الخصاونة عريضه خطية وقع عليها عشرات من سكان المدينة لمحافظ إربد قبل أسابيع، يناشد فيها الحكومة "الحفاظ على أموالهم ومدخراتهم التي ذهبت في مهب الريح"، وحملت العريضة الحكومة مسؤولية السماح لهذه الشركات العمل دون متابعتها منذ البداية، كما حملوا الإعلام الرسمي وبعض الصحف الإعلانية مسؤولية الترويج لهذه الشركات، "الأمر الذي دفع سكان المدينة للاطمئنان والاستثمار فيها". كما قالت العريضة. ولم ينس الخصاونة أن يتهم الحكومة "بإفشال هذه الشركات في صورة متعمدة ولأسباب عديدة أهمها: عدم رغبة الحكومة في أن يعيش المواطن في بحبوحة مادية، والسبب الثاني هو محاباة الحكومة للبنوك التي شلت هذه الشركات عملها"، كما يقول.

الاقتصادي فهمي الكتوت، يحمل الحكومة المسؤولية، ولكن من وجهة نظر أخرى، فهو يؤكد "أن الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع الأسعار والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنتهجها الحكومة، أدت إلى زيادة الممارسات السلبية، بالإضافة إلى عدم وجود ثقافة استثمارية عند هذه الأوساط الشعبية البسيطة غير المتمكنة من العمل الاستثماري، ما جعلها تقوم بالاستثمار لتحقيق الربح المادي السريع". لذا فإنه لا يستغرب بروز مثل هذه المظاهر، طالما أن القوانين الأردنية قاصرة عن مواجهتها".

الخبير الاقتصادي مازن مرجي، من سكان المدينة، يضيء جانبا آخر من القضية هو تأثير هذه القضية على حركة الأسواق. يقول: "هذه الأزمة سحبت من الأسواق مبلغا يراوح بين 500 و 600 مليون دينار، وهو ما أدى إلى تأثر حركة الأسواق سلبا، رغم أن اغلب الأموال جاءت من خلال القروض والبنوك". وأوضح أن استمرار ارتفاع الأسعار في مختلف الجوانب أدى إلى تآكل القدرة الشرائية لدى المواطن.

ما قاله مرجي يمكن رؤية ترجمة له في الحركة التجارية في مدينة أربد التي يناهز عدد سكانها 650 الف نسمة، فهي تعاني من تداعيات أزمة البورصة.

وقد اشتكى عدد من تجار الملابس والحلويات في شارع السينما، أكثر شوارع إربد حراكا، من انخفاض في القوة الشرائية في المدينة قدره تجار في الشارع المذكور بنحو 40 في المئة.

ويرى تاجر المواد الغذائية مروان أبو الهيجاء (تاجر جملة)، أن "أزمة البورصة تسببت في ركود تجاري كبير في المدينة"، غير أنه قال "إن المكرمة الملكية للعسكريين بمقدار 200 دينار للفرد، ساهمت في إنعاش السوق، خصوصا أن نسبة كبيرة من سكان مدينة إربد والقرى التابعة لها هم من أبناء القوات المسلحة".

وعلى الرغم من أن الأرقام التي ضخت في شركات المتاجرة بالبورصة الأجنبية غير معروفة، فإن "مستثمرين" في هذا النوع من الشركات، يقدرون قيمة المبالغ التي أودعت في شركات البورصة في إربد، بلغت حوالي 250 مليون دينار، أي نصف عدد المبالغ "المستثمرة" في أنحاء المملكة كافة. وقد أكد هؤلاء أن "الرقم كان من الممكن أن يزيد، لولا إعلان الحكومة وقف الإيداع لحين تصويب الشركات كافة أمورها القانونية".

**

الشاعر والبورصة

لم يشفع لأيمن أنه شاعر، فالشعراء أيضا يخسرون أموالهم في البورصة، كما يقول. الفارق الوحيد بين أيمن والخاسرين الآخرين، هو أن زملاءه في الخسارة تجمعوا أمام مقرات الشركات المفلسة "مطالبين بحقوقهم"، أما أيمن فقد انطوى على نفسه وعكف على كتابة قصيدة يصف فيها أحواله بعد انهيار الشركة التي "استثمر" فيها كل مدخراته.

يا الله يا مشفي القلوب العليلات

ومعيد للعين الضريره بصرها

ارحم ضعيف ضاع منه ألوفات

وحاله كما عميان فاقد نضرها

قالو لنا "المصفوفه" تطعي الميات

والألف تاخذ ميه منأاثرها

ورهنت الدار ولميت كل الذهبات

ولأيد شوقي وديتهن في صررها

وعشنا شهور في سعاده ومسرات

حلمن سعيد وبعيد عنا طفرها

وشريت سياره من احدث الموديلات

وبقسطها ملزوم فاخر شهرها

وبكل اخر شهر اقبض الميات

كني وزير عايش في بطرها

ومال الزمان وآآآآآخ من هيك ميلات

من بعد عاليها سرنا بقعرها

وسرنا بكل السان فينا احكايات

وكل الجرايد ناشرتنا بخبرها

شي يقول افلس وشي بقول ايشاعات

وحالي كما ضميان ينطر مطرها

شوقي ورا القضبان سجنوه بسكات

ودموع عينه فوق خده حدرها

يالله عفوك الارامل ضعيفات

من غيرك الي جود باخر شهرها

وصلات ربي عد جزلات الابيات

على محمد نور عيني ونضرها

“مهر العروس وتحويشة المنجرة”: إربد: كل طرق الاستثمار في البورصات تؤدي إلى الخسارة
 
25-Sep-2008
 
العدد 45