العدد 45 - أردني
 

جمانة غنيمات

حاكت مطالبة أحد النواب الأردنيين بإعلان إحدى المحافظات منطقة «منكوبة»، جراء انهيار الشركات الأردنية العاملة في البورصات العالمية، واقع كثير من أبناء الأردن في مختلف المحافظات، الذين وقعوا «ضحايا» لهذه الشركات.

ويقدر حجم الاستثمار المالي في هذه الشركات بنحو 500 مليون دينار، تعود في أغلبها إلى مواطنين عاديين، رهنوا منازلهم ورواتبهم، أملا في توفير مصادر دخل تعولهم في توفير متطلبات المعيشة الصعبة.

النائب محمد زريقات طالب الحكومة الأردنية بإعلان محافظة جرش، التي يمثلها، منطقة منكوبة، على إثر خسارة المواطنين فيها والتي قدرت بنحو 112 مليون دولار. ولا تختلف جرش عن باقي المدن والقرى الأردنية التي تهافت فيها المواطنون على مكاتب شركات البورصات من أجل معرفة مصير مدخراتهم التي كانوا أودعوها لديهم لغايات الربح السريع.

وقال النائب، الذي يمثل المحافظة في البرلمان، إن «المواطنين قاموا بالاستغناء عن كثير من حاجياتهم وأدواتهم التي تدرّ عليهم أموالا قليلة وبيعها، ووضع الأموال في البورصة آملين في كسب أكبر لمجاراة المعيشة الصعبة التي يمرون بها». وبيّن في تصريحات صحفية، أن عدد المودعين في شركات البورصة من أهالي المحافظة بلغ 27600 مواطن.

منذ العام 2003، بدأت هذه الشركات في العمل، ولكنها انتشرت بشكل واسع خلال العام الماضي، ووصل عددها إلى أكثر من ألف شركة، ولم يكن هناك قانون خاص ينظم عمل شركات البورصة، إذ كان بمقدور أي شخص أن يسجل شركة مالية لدى وزارة الصناعة والتجارة دون أن تكون هناك أحكام خاصة أو ضمانات مالية.

شركات البورصة التي بدأت تستقبل الودائع المالية من المواطنين مقابل حصول المواطن على أرباح شهرية وبنسب عالية تصل إلى 25 في المئة من قيمة الوديعة شهري،ا استقطبت أعدادا كبيرة من المواطنين، بل إن الشركات قامت بفتح فروع لها في جميع مدن المملكة، حتى في البلدات الصغيرة.

ومنذ ذلك الحين أقبل المواطنون على إيداع أموالهم في الشركات بشكل كبير جدا، لدرجة أن المواطن الذي لا يمتلك مالا قام ببيع منزله أو أرضه، حتى أن بعضهم حصل على قروض بنكية من أجل إيداع القرض لدى شركات البورصات وسداد الدين من الأرباح التي سيحصل عليها من الشركة.

الحكومة وجدت نفسها أمام مأزق كبير وهو: كيف ستتعامل مع هذا الاستثمار غير الواضح؟ فقررت، بعد التشاور مع اللجنة المالية في مجلس النواب، وضع قانون مؤقت ينظم عمل هذا القطاع لحفظ أموال المودعين، ولكن بمجرد وضع القانون أعلنت غالبية شركات البورصات العالمية أنها قررت تصفية أعمالها، لتبدأ هذه الشركات في الانهيار معلنة عن أزمة اقتصادية جديدة في البلاد. الحكومة تؤكد أن الهدف من إصدار القانون هو ترخيص الشركات التي تتعامل في البورصات الأجنبية ويقبل عليها المواطنون لـ«فرض متطلبات» تضمن حقوق المواطنين، وتوعيتهم، في الوقت نفسه، من المخاطر التي ترافق التعامل مع البورصات الأجنبية.

من أبرز أسباب انهيار الشركات المتعاملة في البورصات الأجنبية، عدم وجود تشريع ينظم عملها أو يحفظ حقوق المودعين، لا سيما أن الحكومة قامت بإصدار تشريع ينظم عملها، وأعطت هذه الشركات مهلة لتصويب أوضاعها لغاية الشهر المقبل، ولكن التأخير في وضع التشريع ترك الباب مفتوحا لهذه الشركات لكي تستمر في ممارسات خاطئة، علاوة على أن هناك بعض الشركات لم يكن يعمل في البورصة أصلا، وإنما كانت تقوم بتدوير الأموال، الأمر الذي أدى إلى انهيارها بمجرد إصدار التشريع.

ويتجاوز اثر انهيار الشركات العاملة في البورصة المواطنين البسطاء ليمتد تأثيره السلبي على الاقتصاد بشكل عام، لأن الأموال المستثمرة فيها مجهولة المصير، إضافة إلى التأثيرات والتداعيات الاجتماعية الكبيرة التي سيخلفها الانهيار على المواطنين، إذ إن إمكانية إعادة الأموال للمودعين أصبحت مسألة صعبة بل إن التقديرات تشير إلى إمكانية إعادة جزء من الأموال فقط.

القانون الجديد فرض على الشركات العاملة في البورصات العالمية الحصول على ترخيص جديد، واشترط ألا يقل رأسمال الشركة عن 21 مليون دولار، ووضع كفالة بنكية باسم أمين عام مجلس تنظيم البورصات العالمية بنسبة 30 في المئة من رأسمال الشركة.

الحكومة، وفي خطوة احترازية، وبعد شكاوى من المودعين، قررت إحالة 28 من هذه الشركات إلى محكمة أمن الدولة بتهمة الاحتيال وإساءة الائتمان ومخالفة قانون البورصات العالمية الذي وضعته الحكومة مؤخرا لتنظيم عمل تلك الشركات.

وألقت السلطات الأمنية الأردنية القبض على أكثر من 37 شخصا من أصحاب شركات تتعامل مع البورصات العالمية، ووضع الحجز التحفظي على جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة ملكيتها لأشخاص يساهمون في الشركات.

وأصدرت محكمة أمن الدولة، وهي محكمة خاصة، قرارات الحجز التحفظي على 27 شخصا في قضايا البورصات العالمية. وخاطبت المحكمة هيئة الأوراق المالية، ومركز إيداع الأوراق المالية، ودائرة الأراضي والمساحة، ومؤسسة المناطق الحرة، والمنطقة الحرة في الزرقاء، وإدارة ترخيص السواقين والمركبات، وسلطة وادي الأردن، وسلطة العقبة الاقتصادية، لوضع إشارة الحجز التحفظي على أموال أشخاص كانوا يساهمون في شركات تتعامل في البورصات العالمية.

وتزامنت إجراءات أمن الدولة مع تواصل الأنباء في السوق عن تداعي شركات تتعامل في البورصات العالمية واحدة تلو الأخرى، وفرار أصحابها، في ظل عجزهم عن الوفاء بالتزامات شهرية دأبوا على توزيعها على المواطنين كأرباح، فيما أغلقت الشركات أبوابها أمام مواطنين مودعين فيها، فضّلوا استرجاع رؤوس أموالهم.

مراقب عام الشركات صبر الرواشدة قال: «إن عملية التصفية لتلك الشركة لا تتوافق وأحكام القانون، وعليه تم إحالتها إلى النائب العام. ويرى مراقبون أن محاولات الشركات اللجوء إلى التصفية نابع من عدم قدرتهم على تصويب أوضاعهم مع أحكام قانون تنظيم التداول في البورصات الأجنبية الذي صدر مؤخرا.

المواطنون الأردنيون مازالوا يترددون على مكاتب هذه الشركات، التي أغلقت غالبيتها، على أمل منهم باستعادة جزء من رأسمالهم الذي أودعوه لدى الشركات التي وعدتهم، بحسب العقود بأرباح شهرية.

مطالبة بإعلان جرش “منطقة منكوبة”: أزمة البورصات تفقر أسراً
 
25-Sep-2008
 
العدد 45