العدد 7 - احتباس حراري | ||||||||||||||
في نيسان الماضي أطلقت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، دعوتها الخاصة للاحتفال “بعيد الاستقلال الأميركي” Independence Day ولكن هذه المرة لم يكن الدافع هو الخلاص من المخلوقات الفضائية التي تغزو الأرض كما في الفيلم الشهير بل للخلاص من الاعتماد على النفط من الشرق الأوسط والعالم العربي. بيلوسي والديمقراطيون يضغطون على الإدارة الأميركية للحصول على طاقة جديدة، والرئيس بوش التقط الإشارة ورمى ورقته الخاصة. في زيارته الأخيرة إلى البرازيل بنى الرئيس الأميركي تحالفاً غريباً وغير متوقع مع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا حيث اتفق تاجر النفط من تكساس مع العامل البسيط من البرازيل على استيراد الولايات المتحدة للإيثانول (الكحول) من البرازيل كوقود للسيارات لتخفيف الاعتماد الأميركي على النفط الخارجي، وتركيز مواردها الذاتية على الاستهلاك الداخلي. هذا التحالف جاء نتيجة أن البرازيل تنتج حوالي %70 من مجمل الإيثانول في العالم والمستخدم وقوداً للسيارات أما مصدر هذه الطاقة فهو “الذرة” التي نأكلها من العربات المتنقلة بعد أن نشويها أو نقليها بالإضافة إلى قصب السكر. هذا في الولايات المتحدة أما في أوروبا، فإن معظم الأبحاث والتقارير الاستراتيجية المستقبلية تبدأ بجملة “من أجل تخفيف الاعتماد على نفط الشرق الأوسط مضطرب المصادر والتخفيف من انبعاثات الكربون فإن مجالات الطاقة الجديدة التي يجب العمل عليها تمثل أولوية استراتيجية” وهذا طبعاً يختلف عن الدراسات الاستراتيجية في العالم العربي والتي تبدأ عادة بجملة “بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وإنهيار جدار برلين...” فالدول الأوروبية تحس بخطورة الاعتماد على النفط العربي، وتحاول بجدية كبيرة تطوير قدرات التكنولوجيا النظيفة والجديدة ليس فقط لحماية البيئة ولا التخلص من إدمان النفط بل أيضا للسيطرة على الملكية الفكرية لتكنولوجيا الطاقة الحديثة. تهديدات للأمن الغذائي بالرغم من الحماسة الشديدة التي رافقت الإعلان قبل ثلاثة أشهر عن الاتفاق الأميركي-البرازيلي لتصدير الوقود الحيوي (الإيثانول) من الذرة والصويا كبديل محتمل للوقود الأحفوري، أو كمضاف إلى البنزين بديلاً للرصاص، فإن الكثير من المخاوف بدأت تظهر مؤخراً من الدول النامية والمنظمات التنموية والبيئية في أن تتسبب الزراعة المنتشرة لحقول الذرة والصويا لتزويد الدول الصناعية بالوقود الحيوي في تدهور المساحات المخصصة للزراعة الغذائية في الدول النامية وكذلك الارتفاع الكبير في أسعار هذه المحاصيل المزروعة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في السوق العالمي. ومع وجود حالات متزايدة من الجفاف وتكاثر السكان وضعف قدرة المساحات المخصصة للزراعة والغذاء في تزويد سكان الدول النامية باحتياجاتهم الغذائية، بات التخوف شديدا من انحسار المساحات المخصصة للغذاء مقابل انتشار المساحات المخصصة للتصدير. بالطبع لن يختفي النفط بين ليلة وضحاها والتوقعات تشير إلى استمرار هيمنة النفط على سوق الطاقة لمدة 50 سنة قادمة، ولكن المؤشرات توضح أن أنواع الطاقة الجديدة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الحيوية (مثل الإيثانول) بدأت تتضاعف سنوياً، وسوف تصل قريباً إلى مرحلة من الجدوى الاقتصادية تكون فيه منافسة للنفط في سعره الحالي أو في حال ارتفع السعر. هذا التطور في الإنتاج والاستهلاك يترافق مع احتكار التكنولوجيا من قبل الدول الصناعية الغربية. وفي تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطاقة قبل أشهر، تم التحذير من القضاء على الغابات وزيادة أسعار المواد الغذائية بسبب استغلال مساحات من الأراضي الزراعية لزراعة المواد المنتجة للوقود العضوي. وأوضح التقرير أيضاً أن الوقود العضوي مفيد للغاية عند استخدامه في التدفئة وانتاج الطاقة أكثر من استخدامه كوقود لوسائل النقل. وقال التقرير إن «الأبحاث الأخيرة أثبتت أن استخدام الوقود العضوي للتدفئة والطاقة بدلاً من وقود السيارات والاستخدامات الأخرى يعد الأفضل بالنسبة للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وكذلك الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري». ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد وضعتا مؤخراً خطة لاستغلال الوقود العضوي على نطاق واسع كمصدر للطاقة بالنسبة للسيارات، كما بدأت العديد من الشركات بالاستثمار في هذا القطاع بمبالغ رأسمالية عالية، ويتوقع لها أن تسيطر خلال سنوات قليلة على سوق الوقود الحيوي والملكية الفكرية لابتكاراته التكنولوجية. وقال التقرير الذي شارك في إعداده عدد من خبراء الطاقة والبيئة إن الوقود العضوي من الممكن أن يكون جيداً للغاية إذا تم التخطيط الجيد لكيفية استخدامه، ولكن في الوقت ذاته من الممكن أن تكون له عواقب وخيمة إذا كان هناك تسرع في إنتاج مثل هذا النوع من الوقود. وأضاف أن “تطوير الصناعات الخاصة بإنتاج الطاقة العضوية يمكن أن يوفر طاقة نظيفة تصدر عنها آثار جانبية محدودة يمكن أن يستفيد منها ملايين الأشخاص من المحرومين من مصادر الطاقة المختلفة”. وفي سياق متصل ومرتبط مع تزايد الاهتمام بسوق الإيثانول العالمي، فقد ارتفع سعر مكيال الذرة من دولارين، وهو السعر السائد منذ سنوات، إلى أكثر من أربعة دولارات، فيما تشير التوقعات إلى أن هذا السعر سيرتفع إلى مستويات أعلى خلال السنوات الخمس المقبلة، ودفعت زيادة المواد الغذائية بسبب ارتفاع سعر الذرة المكسيكيين إلى التظاهر احتجاجاً على ارتفاع أسعارها بعد أن اصبحت معظم كميات الذرة مخصصة للتصدير. ورغم أن ارتفاع أسعار الذرة يصب في مصلحة المزارعين، إلا أنه ألحق الضرر بالمستهلكين بسبب تضاعف أسعارها خلال العامين الماضيين مع استمرارها في الارتفاع هذا العام. كما توصلت دراسة قام بها كل من فورد رانج وبنجامين سيناور ونشرت في مجلة “الشؤون الخارجية” الأميركية المعروفة، أن التحول نحو إنتاج الإيثانول من منتجات زراعية مثل الذرة وقصب السكر يمكن أن يؤدي إلى تعميق أزمة الجوع في العالم، لأن كميات كبيرة من هذه المحاصيل ستوجه إلى صناعة الوقود الحيوي، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار هذه المنتجات ويجعلها خارج متناول أعداد كبيرة من الناس. ويرى الباحثان أن على الحكومات أن تتوقف عن تقديم الحوافز والإعفاءات الضريبية التي تقدمها لإنتاج الإيثانول حتى يمكنه المنافسة على أسس تجارية، واسترشدا بدراسات لخبراء من البنك الدولي أن استهلاك السعرات الحرارية للفقراء سيتراجع بنسبة نصف من 1 في المائة عندما يزيد السعر ولو بالنسبة 1 في المائة. وأضافا أن ارتفاع أسعار الطعام واستمرار الدعم المقدم من الحكومات، سيؤديان إلى اتجاه المزارعين إلى تحويل كميات كبيرة من إنتاج الذرة والحبوب الزيتية إلى الإيثانول وإنتاجه، وهو ما يمكن أن يؤثر، بصورة مباشرة، في إنتاج الذرة في الولايات المتحدة كطعام، لكن في بلد مثل البرازيل فإن قصب السكر سيكون هو المستهدف، وفي الدول الإفريقية محصول الكاسافا الذي يمثل الأساس لطعام الغالبية العظمى من السكان، وهو ما يرشح إلى زيادة عدد الجائعين بنحو 16 مليون نسمة مع زيادة لكل نقطة مئوية واحدة، أي أن 1.2 مليار شخص يمكن أن يكونوا في حالة جوع حقيقي عام 2025، وبزيادة 600 مليون نسمة عما كان مقدراً من قبل. ووفق الدراسة، فإن أسعار الذرة يمكن أن تزيد بنسبة 20 في المائة بنهاية العقد الأول من هذا القرن و41 في المائة في 2020، وهو ما يمكن أن يؤثر، بصورة مباشرة، في أسعار المواد الغذائية الأخرى مثل القمح والأرز، إذ سيصبح الخيار المتاح أمام المستهلـكين أقل بسبب تحول الإنتاج إلى صناعة الإيثانول. ومن الواضح في هذه الدراسات الحديثة أن الخيار نحو استخدام الوقود الحيوي لم يعد جذاباً كما كان في البداية، وأن الآثار الجانبية على الأمن الغذائي في الدول النامية باتت مثيرة للقلق مما يحتم مراجعة السياسات المتخذة في هذا القطاع. ولكن ما هو حتمي أن الدول الصناعية بدأت تخطط، بشكل واضح، للاستقلال عن النفط العربي في وقت ما، وأن الحاجة ماســة للدول العربية للاستثمار في بـدائل الطـاقة حتى لا تصبح رهينة لحقوق المـلكيـة الفكرية لكل تكنولوجيا الطاقة البديلة في المستقبل. |
|
|||||||||||||