العدد 45 - أردني
 

حسين أبو رمّان

رغم وجود إجماع وطني على خطورة الفساد ومكافحته، خطاب رسمي مناهض للفساد بشتى صوره، تقدم ملموس في تحسين البيئة التشريعية لنظام النزاهة الوطني، ما زال الأردن، في قناعة مواطنيه، بسبب كل مظاهر الفساد المالي والإداري، وقصص الإثراء غير المشروع التي يعرفونها، يعاني من تبعات الفساد، ويشعر بالقلق نتيجة غياب إنجازات ذات شأن في مكافحة الفساد الكبير.

بحسب تقرير "منظمة الشفافية الدولية" لعام 2008، سجّل "مؤشر مدركات الفساد" في الأردن 5.1 نقطة، من أصل سلّم نقاط المؤشر الذي يمتد من صفر إلى 10.

بهذا، شهد الأردن تحسناً في نتيجته التي ارتفعت من 4.7 العام 2007 إلى 5.1 العام 2008. وفي صورة موازية، تقدمت مرتبة الأردن بين 180 دولة مشمولة بهذا المؤشر، من 53 إلى 47 العام بين العام الماضي والعام الجاري.

يقيس "مؤشر مدركات الفساد" الصادر عن المنظمة الدولية، مستويات الفساد في القطاع العام في بلد معين. ويعتمد هذا المؤشر المركب، كما تشير أدبيات المنظمة، على الدراسات الاستقصائية المتخصصة والمسوحات التجارية. وتعني النتيجة صفر، في مؤشر مدركات الفساد" "فاسداً جداً"، فيما تعني النتيجة 10 "نظيفاً جداً".

ولعل من المهم التوضيح بأن مؤشر مدركات الفساد لا يدّعي بأنه مقياس لحالة الفساد القائمة، بل تشير النقاط التي ينالها بلد ما إلى درجة الفساد في القطاع العام كما يتصورها رجال الأعمال والمحللون المحليون. ويستخدم لهذا الغرض عدد من المسوحات التي يتم من خلالها تقييم أداء البلد المعني. ويبلغ عدد هذه المسوحات 13 مسحاً ودراسة تقييمية متخصصة ينبغي استخدام ثلاث منها، على الأقل، في كل بلد يندرج ضمن مؤشر مدركات الفساد.

رئيس هيئة مكافحة الفساد، عبد الشخانبة، عزا، في تصريح له، التقدم الذي أحرز هذا العام إلى الجهود التي يبذلها الأردن في مجال مكافحة الفساد والوقاية منه. وذكّر الشخانبة بمنظومة النزاهة الوطنية التي تشمل: قانون هيئة مكافحة الفساد، قانون حق الحصول على المعلومات، قانون مكافحة غسل الأموال، قانون ديوان المظالم، وقانون إشهار الذمة المالية.

وكما أكد الشخانبة، فإن "تحسن ترتيب الأردن في تقارير الشفافية الدولية يعتبر تحدياً للهيئة وللأجهزة الحكومية الأخرى التي تسخر جل جهدها لمكافحة الفساد". وما يؤكد ذلك أن التحسن في النتيجة التي سجلها الأردن العام 2008، مقارنة مع العام 2007، تدور في فلك البيئة التشريعية، وما زال يتعين على الأردن أن يثبت قدرة عملية أعلى على الوقاية من الفساد والإطاحة بصروحه.

علاوة على ذلك، تعكس النتيجة التي حققها الأردن العام 2008 في مواجهة الفساد، تحسناً نسبياً مقارنة مع العام 2007، الذي مثّلت نتيجته نكسة لأداء الأردن، لكن نتيجة 2008 تبقى أدنى من النتائج التي كان الأردن حققها في السنوات الثلاث التي سبقت (2004- 2006)، إذ سجلت نقاط مؤشر مدركات الفساد خلالها أرقاماً تتراوح بين 5.3 في عامي 2004 و2006، و5.7 في العام 2005.

ورد الأردن في مؤشر مدركات الفساد للمرة الأولى العام 1996، حينما كان مجموع الدول التي شملها المؤشر 54 دولة، وشكّل مع مصر البلدين العربيين الوحيدين اللذين وردا آنذاك في المؤشر، وأصبح الأردن يرد بانتظام في هذا المؤشر منذ العام 1998.

الأردن احتل على الصعيد العربي المرتبة الخامسة من بين 19 دولة مشمولة بالمؤشر، لكنه يحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية غير الخليجية. ولئن كان الأردن، بما لديه من فساد مالي وإداري يحتل هذه المرتبة، فهذا مؤشر على الحالة البائسة في البلدان العربية المعنية. وكما يبين جدول مؤشر مدركات الفساد في البلدان العربية لعام 2008، فإن جميع الدول العربية التي تلي الأردن وعددها 14 دولة، سجلت نقاطاً تقل عن 5.

وكان الأردن سجل واحدة من النتائج المتدنية في المؤشر العام الماضي بإحرازه 4.7 نقطة والمرتبة الدولية رقم 53، ما أثار ردود فعل سلبية على تلك النتيجة. ففي حين أبدى رئيس هيئة مكافحة الفساد، عبد الشخانبة، استغرابه من تلك النتيجة، وأكد أن الإجراءات التي اتبعها الأردن كان "يجب أن تظهر تقدماً في مجال مكافحة الفساد لا تراجعاً فيه"، سجّل باسم سكجها، رئيس منتدى الشفافية الأردني، احتجاجاً على تقرير المنظمة الدولية، و"أعلن انسحابه من تمثيل منظمة الشفافية الدولية في الأردن قبل صدور التقرير بأسبوع"، موحياً بأن التقرير مسيّس.

غير أن النائب ممدوح العبادي فسر تلك النتيجة، آنذاك، بعدم مباشرة هيئة مكافحة الفساد بعد لعملها، واستبعد أن يكون التقرير مسيساً، مؤكداً وجوب أن تؤخذ الأمور بجدية، وقال: "حان الوقت لندق ناقوس الخطر لكي نحارب الفساد جذرياً". وذهب الخبير الاقتصادي مازن مرجي في الاتجاه نفسه، مشيراً إلى أنه على الرغم من القيام بعمليات إصلاح إيجابية مثل تأسيس هيئة مكافحة الفساد، فإن "واقع الحال يؤكد أن الفساد مستشر بدرجة أعمق مما كان عليه سابقاً".

لكن سكّجها الذي ما زال يرأس منتدى الشفافية الأردني، ويحتفظ بعلاقات "رسمية" مع منظمة الشفافية الدولية بعد خلافه معها العام الماضي، يعتقد بحسب ما صرّح به لـ "ے" أن نتيجة الأردن لعام 2008 والتي تعتمد على معطيات وقعت في العام الماضي "غير واقعية وغير منطقية"، مستنداً في ذلك إلى أن مقياس حرية الرأي والتعبير سجل تراجعاً العام الماضي، وإلى أن القوانين التي أقرت لم تأخذ بعد فرصتها في التطبيق بشكل كامل.

ويلخّص سكّجها تقييمة للنقاط 5.1 التي سجلها الأردن هذا العام بأنه مبالغ بها إيجابياً، مثلما كانت النقاط 4.7 التي سجلها العام الماضي مبالغ بها سلبياً. ويعزو سكّجها ذلك إلى أن "منهجية منظمة الشفافية الدولية انتقائية وغير موضوعية".

يظهر الجدول الخاص بمؤشر مدركات الفساد في الأردن للأعوام 1996- 2008، أن النتيجة التي سجّلها الأردن العام 2007 بهبوط نقاط المؤشر إلى 4.7، تؤكد أن المسار الصاعد في مكافحة الفساد منذ العام 2004، عندما أخذ الأردن يسجل نقاطاً تتجاوز حاجز الوسط، أي تتجاوز 5 من 10 نقاط، ليس مستقراً ومعرضاً للانتكاس. ويمكن ملاحظة أن مرتبة الأردن الدولية العام 2007، هو الأسوأ منذ بداية إدراج الأردن على مؤشر مدركات الفساد العام 1996. ومع أنه من المتوقع أن يسجل مؤشر مدركات الفساد العام القادم تحسناً إضافياً، في ضوء إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وإلغاء عطاء العقبة وقبله عطاء سكن كريم لعيش كريم، فإن الأردن بحاجة إلى أن يبدي إرادة سياسية أكثر حزماً في إغلاق منافذ الفساد الكبير وملاحقة مرتكبيه.

سكّجها يعتبر نتيجة الأردن هذا العام مبالغا بها، ومنهجية منظمة الشفافية الدولية انتقائية

الأردن أمام تحدي إثبات مصداقيته في مكافحة الفساد
 
25-Sep-2008
 
العدد 45