العدد 45 - أردني | ||||||||||||||
السّجل ـ خاص حلول أربعة رؤساء تحرير على قيادة صحيفة "الغد" خلال السنوات الأربع من عمر الصحيفة، يستوقف المعنيين بالطور الأخير من مسيرة الصحافة الأردنية. استقالة رئيس التحرير، جورج حواتمة، بدت مفاجئة. فمنذ أسابيع سرى في الوسط الصحفي خبر انتهاء عقده مع نهاية العام الجاري، خلافاً لانطباع ساد بأن "الصحيفة تشهد مرحلة من الاستقرار و"تعظيم الإنجازات" مع رئيس التحرير الثالث. وجاءت المفاجأة الثانية باستقالة حواتمة قبل عطلة عيد الفطر، وقبل ثلاثة أشهر على انتهاء العام وعقد العمل. مصادر في "الغد" ذكرت أن مرحلة حواتمة القصيرة جداً، شهدت ارتفاعاً في المبيعات والاشتراكات بنسبة 17 بالمئة، و4 بالمئة في حجم الإعلان. وتميزت بتجديد في تحريرها على الصفحات الأولى والأخيرة وصفحتي المقالات وفي ملحقي "سوق ومال" و"حياتنـا". مؤشرات الأداء خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري، أثارت توقعات بأن الصحيفة الفتية في سبيلها الى الاستقرار على المستوى القيادي، غير أن التطورات ذهبت في اتجاه آخر. كانت "الغد" حققت حضوراً لافتاً منذ صدورها، جاء مسبوقاً بحملة ترويجية مكثفة وبتجهيز المبنى والمطابع والمكاتب في شارع مكة، واختيار فريق التحرير والإدارة والفنيين قبل نحو عشرة شهور من الصدور، وتعزز هذا الحضور بكفاءة تسويقية عالية تجلت في النمو المطرد لحجم الاشتراكات (نحو 35 ألف اشتراك حالياً). وقد أفاد مالكو الصحيفة من خبراتهم التسويقية في نشر وتوزيع صحيفة "الوسيط" الإعلانية، وهي أكثر الصحف رواجاً بين مثيلاتها. و"الغد" التي تصدرها "الشركة الأردنية المتحدة للصحافة والنشر" مملوكة من ناشرها محمد عليان، بعد خروج شركاء آخرين منهم مجموعة خالد شاهين. صحفيون في "الغد"، أشاروا لتعرض حواتمة لضغوط تم بموجبها وقف زاوية باسل الرفايعة على يسار الصفحة الثالثة، وكان يوقعها في البدء باسم "مراقب" ثم باسمه بعد انتقاله من فريق تحرير "الغد" الى دولة الإمارات حيث يعمل منذ نحو عامين مديراً لتحرير صحيفة "الإمارات اليوم". أما إيقاف زاوية رندا حبيب على يمين الصفحة الثالثة أيضاً، فقد أثار صداعاً لرئيس التحرير. وحبيب صحفية متمرسة ومديرة للمكتب الإقليمي لوكالة الصحافة الفرنسية في عمان، وذاعت شهرتها أساساً في إعداد وتحرير التقارير الإخبارية، وتحقيق سبق على سائر المصادر الإعلامية.. مصادر في "الغد" ذكرت لـ"ے" أن بعض الأخبار التي نشرت في زاوية "زواريب" التي كان حواتمة يشرف شخصياً عليها، لم تلق ارتياحاً لدى جهات مسؤولة، ومنها خبر عن سفر عدد من المسؤولين للخارج في وقت واحد، رغم أن صحفاً محلية نشرت في أوقات سابقة ملاحظات من هذا القبيل مرت دون ضجيج. يشير صحفيون قريبون من الصحيفة، لظروف أدت الى انتهاء مبكر لعقد حواتمة، منها ما بدا في الأشهر الأخيرة من تضييق الحدود ووقف الفصل بين الإدارة والتحرير، خلافاً لنهج استقرت عليه الصحيفة منذ صدورها قبل أربع سنوات. فقد تولى رئيس مجلس الإدارة الناشر محمد عليان، رئاسة هيئة التحرير الى جانب رئيس التحرير الجديد الزميل موسى برهومة. موقع هيئة التحرير مستحدث وغير معمول به في الصحافة اليومية، باستثناء تجربة شهدتها "الرأي" في أواسط التسعينيات حيث تولى رئيس مجلس الإدارة محمود الكايد موقع رئيس هيئة التحرير، الى جانب رئيس التحرير المسؤول سليمان القضاة، ورئيس التحرير آنذاك عبدالوهاب الزغيلات. وكان الكايد قد أشغل في سنوات سابقة رئاسة تحرير الصحيفة. الناشر عليان الذي درس الإدارة في المملكة المتحدة، يتمتع بالدينامية والطموح، وسبق أن عمل في ظل والده رجل الأعمال المعروف خالد عليان، وقد عمد الى إنشاء تلفزيون «إي تي في»، قبل عامين. اكتملت مراحل إنجاز المشروع، إلا أن القناة لم يؤذن لها بالبث في حينه وبعد بث تجريبي استمر لأسابيع، وذلك تحت وطأة ممانعات إدارية واعتراضات فنية من "هيئة المرئي والمسموع"، ما حمل مالكها على بيعها لـ"شركة العجائب" التي باعتها بدورها الى المركز العربي (عدنان وطلال العواملة). الباحث بسام عليان، يرى أن توجه محمد عليان لرئاسة هيئة التحرير «يعكس رغبة في التعويض عن خسارته منبر إي تي في»، ويلاحظ ان "إسناد رئاسة التحرير لبرهومة يوفر فرصة أكبر للتفاهم مع ناشرها، كون برهومة واكب إصدار الصحيفة منذ البدء".لكن الباحث يرى أن" متابعات الصحيفة المحلية كانت أقوى في بداياتها". فيما يرى وليد السبول(رجل أعمال) أنه ليس من المناسب "الجمع بين الملكية، وإدارة التحرير". "الغد" الصحيفة اليومية الخامسة زمنياً في الصدور، لا تتبنى خطاً أيديولوجياً صارماً أو منحى سياسياً مبرمجاً، وتتمسك بالمقتضيات المهنية ورفع مستوى الصناعة الإعلامية. امتازت الصحيفة بورقها الأبيض وصورها الكبيرة الملونة (صورة واحدة فقط على الصفحة الأولى) وبإصدار ثلاثة ملاحق يومية. رُميت الصحيفة مع مباشرتها الصدور بأن تمويلها خارجي: كويتي. وذهب البعض الى أنها صدرت كجزء من تمويل أميركي لمنابر إعلامية عربية، ومن حملة دبلوماسية عامة في إطار "مكافحة الإرهاب". الاتهامات لم تعمر طويلاً، فالقانون يحظر ملكية المؤسسات الصحفية لغير الأردنيين، والتمويل لم يشكل عقبة كأداء أمام "مجموعة عليان" التي تمتلك عدداً من الوكالات التجارية، و"الوسيط" الإعلانية التي تحل بعد "الرأي" في نجاحها المالي. خط الصحيفة تعددي وتنويري (صفحتا أفكار وقضايا). وتأخذ جزئياً بنهج صحافة استقصائية.وتقل فيها أعمدة الكتاب اليومية. ولوحظ استقطابها لكتاب ذوي خلفيات إسلامية : إبراهيم الغرايبة، ياسر أبو هلالة، سميح المعايطة، ومحمد أبورمان. رئيس "مركز البديل للدراسات" موسى المعايطة، يرى أن الغد "احتلت موقعاً متميزاً في الصحافة اليومية وتضم كتاباً ينجزون تحليلات جيدة". يلاحظ المعايطة "عدم استقرار في رئاسة تحرير الصحيفة، وذلك ليس في مصلحة الصحيفة، فالاستقرار يسهم في بلورة سياسة معينة ومتابعتها" ويلاحظ رئيس حزب اليسار الديمقراطي"السابق! "أن الصحيفة "بحاجة لسقف أعلى كي تتطور بوتائر أسرع". اعتمدت الصحيفة لدى صدورها على كوادر شابة أو ذات خبرة من الصحف المحلية، برواتب بلغت، على الأقل، ضعف الرواتب المعتمدة في الصحف. بين المؤسسين عماد الحمود أول رئيس تحرير للصحفية وقد نهض بعبء إصدارها وبلورة هويتها، وموسى برهومة رئيس التحرير الحالي الذي لم يلبث أن غادرها في السنة الأولى، وعاد مع رئيس تحريرها الثاني أيمن الصفدي مديراً تنفيذياً للتحرير. تسنم برهومة (42 عاماً، شاعر، يعد رسالة دكتوراه في الفلسفة) الموقع القيادي "يدشن" بانتقال جيل شاب موهوب، ومتمرس ومن موقع ثقافي، الى قيادة العمل الصحفي. ** حواتمة يغادر "الغد" فوجئ كثيرون بخروج رئيس التحرير "المخضرم" جورج حواتمة من صحيفة "الغــد"، بعد عشرة أشهر من إدارته دفة تحريرها. وقد تكشّف أن القرار لم يكن وليد ساعته، إذ كان يعشعش منذ الأشهر الأولى في ذهن الرجل الذي تنقّّل في رئاسة التحرير بين ثلاث صحف يومية، وساهم في بناء قواعد "ے" الأسبوعية، وواكب انطلاقتها صيف العام الماضي. ما الذي دفع الصحفي الذي يوصف في الوسط الإعلامي بـ"التنويري"، إلى اختصار التجربة الجديدة، هو الذي قضى ربع قرن في مهنة المتاعب، بدأها في "جوردان تايمز" خلال مرحلة الأحكام العرفية؟ وهل اصطدم "شيخ الصحفيين"، الذي خرّجت مدرسته أسماء لامعة في سماء الإعلام المحلي والدولي، بأمر واقع مختلف، أم كان ما حدث امتداداً لمشهد إعلامي مغلّف بعدم يقين، وانحيازات لمراكز قوى وسطوة رأس المال؟. حواتمة يفضّل عدم البوح بشؤون الإدارة. لكن ما يرشح هنا وهناك يشي بأن فكرة عدم تجديد عقده بدأت تتبلور في ربيع العام الجاري، على خلفية قرار إداري قضى بتوقيف الصحفي باسل رفايعة عن الكتابة في الصحيفة. في مقالته الوداعية التي نشرتها "الغد" في "ذيل" صفحتها الأخيرة، أسفل مقالة لناشر الصحيفة ومديرها العام محمد عليان، غمز حواتمة تلميحاً من قنوات عدّة تقاطعت لتفسد مناخ الإعلام وتبعده عن مساره الحِرفي المفترض أن يكون موضوعياً. لكنّه أحجم عن توجيه سهام النقد، واكتفى بالإشارة إلى حزمة عوامل تؤثر في خيارات رئيس تحرير أي صحيفة. و"الغـد"، التي تسعى للتفرد في أجواء غير مريحة، كما يقول عاملون فيها، لا تنجح دائماً في الابتعاد عن دائرة تأثير العوامل الخارجية. وقفت تلك المؤثرات، يُضاف إليها مناخ صناعة الإعلام عموماً، في طريق محاولات حواتمة لتطوير وسيلة إعلام حرْفية ورشيقة على قواعد مهنية ومعايير دولية. إذ اصطدم ببون شاسع بين النظرية والتطبيق. بهذا، جاءت الرغبة في مغادرة الموقع من رئيس التحرير نفسه، والتي التقت مع توجه الإدارة بعدم تجديد العقد، بعد أن عاد حواتمة من إجازة مطولّة في الولايات المتحدة. خلال وجوده في "الغـد"، أشرف حواتمة – مسلحاً بخبرته الطويلة – على تطوير أبواب الصحيفة ومضامينها، كما حفّز من موقعه "جناح" الإعلان - وهو عامل أساسي في استدامة تحليق أي مطبوعة. في عهده تناغمت مسنّنات فريق التحرير، ما أضفى جوّاً أسرياً على كوادر الصحيفة. بدأ حواتمة مشواره مع "الغـد" بقليل من التفاؤل، حسبما كشف في مقالته التي غلّفها بـجرعة دبلوماسية عالية. وها هو يخرج من موقعه "أكثر واقعية ونضجاً" –والتعبير له-، وفي ذلك تأشير على حجم التأثير الذي يتعرض له أي رئيس التحرير. يغادر حواتمة موقعه، لكنّه لا يهجر قلمه "الأخضر" الذي لازمه مذ كان على مقاعد الدراسة ينهل من صحف لندن ويراكم شغفاً سيلاحقه في حلّه وترحاله. فهو يؤكد أنه سيواصل الكتابة في الشأن الإعلامي العربي، وفي كل ما يهم المواطن في هذا المجال ("إذا الله أحيانا"، كما يحب أن يردد). ويضيف: "لن ينقص اهتمامي بالإعلام وقضاياه، إنما سيتضاعف". كذلك سيخصّص وقته لإنجاز موسوعة إعلامية إلكترونية تفاعلية كان شرع في بناء مداميكها قبل عشر سنوات. يترك حواتمة بصمته في رسم سياسات التحرير الصحفية، لكن الصحفي لا يعرف الاستقالة. فالصحافة حالة إبداع ونهج حياة. هذه النقلة تذكّر بمقولة "مافيش فايدة.. غطيّني يا صفية". |
|
|||||||||||||