العدد 45 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمان افتتاح الدورة البرلمانية العادية الثانية يوم 5 تشرين الأول الماضي، استقطب قدراً من الاهتمام أعلى من المألوف في الصحافة المحلية، بسبب حالة الفوضى في الوضع الداخلي لمجلس النواب وكتله، وانعكاسات ذلك على انتخابات المكتب واللجان وعلى عمل المجلس. ينتخب مجلس النواب في بداية كل دورة عادية مكتب المجلس الذي يتكون من الرئيس ونائبيه والمساعدين. كما ينتخب أعضاء لجانه الدائمة، وعددها 14 لجنة، وتنتخب كل لجنة رئيساً لها ومقرراً. تحالف كتلة التيار الوطني التي يتزعمها الرئيس القديم الجديد لمجلس النواب عبد الهادي المجالي مع كتلة الإخاء الوطني «الشبابية»، واتفاقهما على تقاسم مناصب المكتب الدائم ورئاسات ومقرري لجان المجلس، أثار الكثير من الانتقادات من داخل المجلس ومن خارجه على ما اعتبر استئثارا من جانب هاتين الكتلتين بجميع المناصب في المجلس. هذا يفسر كيف نجح النائب الإسلامي عبد الحميد ذنيبات في اختراق قائمة مرشحي التحالف بحصوله، ليس فقط على أصوات الأغلبية الساحقة من النواب خارج التحالف، بل وبحصوله أيضاً على أصوات من داخل التحالف، ما مكنه من الفوز بمنصب المساعد الثاني بـ 48 صوتاً، وهو المشهد نفسه الذي حصل مع خليل عطية حين ترشح لمنصب النائب الأول لرئيس المجلس، لكن مع وجود فارق مهم من الأصوات أبعده عن الفوز (42 صوتاً مقابل 62 صوتاً للفائز). عبد الهادي المجالي احتفظ بمنصبه رئيساً لمجلس النواب للمرة التاسعة منذ عام 1998، بحصوله على 79 صوتاً مقابل 22 صوتا لمنافسه محمد الكوز (أبو الرائد) من الكتلة الوطنية (جديدة)، التي جاء ستة من أعضائها التسعة من كتلة التيار الوطني. وفيما حصل عبدالله الجازي من التيار الوطني على منصب النائب الأول بأغلبية 62 صوتاً، احتفظ تيسير شديفات من كتلة الإخاء بمنصب النائب الثاني بأغلبية 66 صوتاً، واحتل نصار القيسي، من الإخاء أيضاً، منصب المساعد الأول باغلبية 58 صوتاً. أما في الدورة العادية الأولى للمجلس، فقد تم تشكيل المكتب الدائم ولجان المجلس الأربع عشرة بإشراك جميع الكتل والمستقلين. فعلى صعيد المكتب الدائم احتل ممدوح العبادي (مستقل)، منصب النائب الأول لرئيس المجلس، فيما احتل نائبان مستقلان رئاسة اثنتين من أهم لجان المجلس، حيث اختير عبد الكريم الدغمي رئيساً للجنة القانونية، وخليل عطية رئيساً للجنة المالية والاقتصادية، كما رأس توفيق كريشان الذي شكّل كتلة الوفاق الوطني، اللجنة الإدارية في المجلس، وتقاسمت كتلتا التيار الوطني والإخاء باقي مناصب المكتب الدائم ورئاسات اللجان الأخرى. كتلتا التيار الوطني والإخاء الوطني، كانتا قد تقدمتا من خلال 16 من أعضائهما بمذكرة، في نهاية الدورة الاستثنائية الأولى، طالبت بتعديل بعض مواد النظام الداخلي لمجلس النواب، واقترحت المذكرة أن يتم تشكيل لجان المجلس الدائمة بالتمثيل النسبي. مذكرة أخرى وقعها 13 نائباً معظمهم مستقلون ومنهم أعضاء في كتلة الإخاء الوطني، لم يكتفوا باقتراح تشكيل اللجان الدائمة بالتمثيل النسبي، بل اقترحوا أيضاً أن يتم تشكيل المكتب الدائم بالتمثيل النسبي أيضاً. «التمثيل النسبي» بقي حبراً على ورق بانتظار أن ينظر فيه عندما يحين موعد مناقشة تعديل النظام الداخلي، ولم يجد طريقه إلى اتفاق كتلتي التيار الوطني والإخاء والوطني. الخاسر الأكبر هو «المصداقية»، إذ لم يكن هناك ما يحول دون تشكيل المكتب الدائم ولجان المجلس بروحية التمثيل النسبي حتى قبل إقرار هذا المبدأ رسمياً (إذا لم يتم التراجع عنه). ولكن، سواء تم تشكيل المكتب الدائم ولجان المجلس بروحية التمثيل النسبي أم بعقلية الاستئثار، فليس هناك من فرق يذكر راهناً بالنظر إلى البنية «غير السياسية» للمجلس النيابي، والطبيعة الهلامية للكتل النيابية. صحيح أن كتلة التيار الوطني تمتلك قدرة تصويتية تمكنها من حسم أي قرار أو تشريع بالاتجاه الذي تراه مناسباً، لكن هذه الكتلة لا تمتلك الحد الأدنى من التماسك السياسي، ما يجعلها كتلة حائرة، تتأثر بمواقف النائبين عبد الرؤوف الروابدة وعبد الكريم الدغمي لما لديهما من خبرة تشريعية وإدارية أكثر مما تبلور هي المواقف بنفسها. وباستثناء كتلة جبهة العمل الإسلامي التي جاء أعضاؤها إلى مجلس النواب ومعهم انتماءهم وبرنامجهم السياسي، فإن الآخرين تقدموا إلى الناخبين بصفاتهم الفردية، هذا هو الأساس الذي يفسر لماذا باءت كل محاولات مأسسة عمل مجلس النواب بالاستناد إلى الكتل النيابية بالفشل. فالتحركات والخلافات التي شهدتها الكتل النيابية على أبواب انتخابات مكتب المجلس ولجانه الدائمة، كانت كلها تدور في فلك العلاقات والمصالح الشخصية، وليس لها أية مضامين سياسية. ففي مجلس النواب الحالي، ليس هناك أغلبية وأقلية بالمفهوم السياسي المتعارف عليه، كما أن كتلة التيار الوطني، رغم أنها مثلت منذ بداية الدورة العادية الأولى وحتى عشية افتتاح الدورة العادية الثانية أكثر من نصف عدد النواب، فإنها ليست أغلبية سياسية بل مجرد أغلبية عددية. النواب الأفراد لديهم ملامح سياسية أكثر وضوحاً من ملامح كتلهم أو حتى من ملامح المجلس النيابي نفسه. والسبب أن النواب يعوّمون خياراتهم السياسية، فلا يعودون يتصرفون بوحي منها، بل بوحي من التطلعات الشخصية، وهي تطلعات قد تستهدف الحصول على موافقة وزراء على مطالب خدمية أو خاصة لبعض أبناء دوائرهم المقربين، أو قد تستهدف الحصول على رضا رئيس مجلس النواب للاستفادة من فرص المشاركة في الوفود الخارجية، أو من دعمه لمطالب خدمية معينة. وهناك أيضاً الطامحون للحصول على مقعد وزاري ولو بعد حين. لكن إذا كان ذلك يفسر لجوء بعض النواب الجدد إلى تعويم خياراتهم السياسية طمعاً بالحصول على مطالب خدمية معينة أو حتى بالحصول على منصب وزاري، فإن هذا لا يفسر تماماً سلوك النواب أصحاب الخبرة الطويلة في المجلس والعمل العام أمثال: عبد الرؤوف الروابدة وعبد الكريم الدغمي وسعد هايل سرور وممدوح العبادي وبسام حدادين، الذين لديهم رؤاهم التي ترشحهم لا لمجرد تشكيل كتلة نيابية بل لتشكيل جماعة سياسية. ويختلف هؤلاء عن رئيس المجلس عبد الهادي المجالي في أن الأخير ثابر على العمل الكتلوي حتى بدون أساس سياسي، إلى درجة يمكن الاعتقاد معه أن نجاحه في استقطاب كتلة ضخمة مثل كتلة التيار الوطني، شكل عاملاً محبطاً للنواب المخضرمين، فلم يعملوا على إعادة إحياء كتلهم في المجلس الرابع عشر. فعبد الرؤوف الروابدة كان يرأس «الكتلة الوطنية الديمقراطية»، ومعه فيها من النواب الحاليون: عبد الكريم الدغمي، نواف معلى، ناريمان الروسان، وإبراهيم عطيوي. وممدوح العبادي كان يرأس «كتلة التجمع الديمقراطي»، ومعه فيها من النواب الحاليون: بسام حدادين ومحمد أبو هديب. بهذا تنطح آخرون لمهمة تشكيل كتل نيابية، فالنائب توفيق كريشان شكّل كتلة الوفاق الوطني من 12 عضواً، لكنها انهارت قبل انتهاء الدورة البرلمانية العادية الأولى، فيما توافقت مجموعة من النواب الشباب على تشكيل كتلة الإخاء الوطني (21 نائباً) التي يتم اختيار الناطقين باسمها بالتناوب. وقادت خلافات في كتلة التيار الوطني، لم يتم الإفصاح عن مضمونها، إلى مغادرة ستة من الأعضاء ولجوئهم مع ثلاثة آخرين إلى تشكيل الكتلة الوطنية. |
|
|||||||||||||