العدد 45 - أردني | ||||||||||||||
محمود الريماوي عشية عيد الفطر تنفس شطر واسع من الرأي العام الصعداء، مع وقوع تغييرات هامة طالت الموقع الرئيسي في الديوان الملكي هو رئاسة الديوان. الشعور بالارتياح ليس مرده بالضرورة ودائماً نقمة على مسؤول سابق، بل نزع الذرائع أمام توقف عجلة الإصلاح، وحيال موجة استقطابات إعلامية سلبية حملت رأس البلاد على عدم حضور إفطار نظمته نقابة الصحفيين، قبل أيام من وقوع التغييرات. أسهم في إشاعة الارتياح أيضاً القرار الحكومي بإجراء "تخفيض" ثالث على أسعار المحروقات، التي شهدت تضاعفاً في أسعارها خلال السنوات الخمس الماضية، وبما منح صدقية للحكومة في ربط أسعار المحروقات بالسعر العالمي للنفط. وقد تتالت بعدئذ تطورات مريحة، منها، على الخصوص، تعيين ناصر اللوزي، الشخصية الوفاقية والدينامية في موقع رئيس ديوان «بيت الأردنيين جميعاً»، والذي تلقى تكليفاً ملكياً بمواصلة "نهج التطوير والتحديث". وقبل ذلك كانت الحكومة قد حزمت أمرها، بالتعامل مع ملف البورصات الأجنبية التي استنزفت مدخرات آلاف الأردنيين وبعضهم وقع في المحذور غافلاً غير متبصر، وحيث أفاد بعض القائمين على الوساطة مع تلك البورصات عبر الإنترنت، من قصور الرقابة على نشاطاتهم، مع أنها ليست جميعها غير مشروعة أو خارج القانون. علماً بأن الحاجة تبقى لتقديم إضاءات حكومية حول الإجراءات الراهنة والمستقبلية وتحديد المسؤوليات، وذلك لإزالة الاحتقان لدى متعاملين في مختلف أنحاء المملكة، بما في ذلك الطفيلة، والمزار الجنوبي، وقرى عديدة في الشمال. يضاف لما تقدم طي ملف رئاسة جامعة البلقاء التطبيقية أكبر الجامعات الحكومية، بما أثار شعوراً بالاطمئنان على حسن سير العدالة، بعدما لحق بالتعليم العالي ما لحقه من تقولات، وعقب صخب في التأويلات حول مسار تلك القضية وطبيعة الإجراءات المتخذة منذ بدء "تفجر" تلك القضية. على هامش ذلك طويت انتخابات رئاسة مجلس النواب، بما يفترض معه تمكين ممثلي الشعب، من معاودة الانشغال بقضايا تتعدى توزيع المواقع تحت القبة. بهذا فإن الجو المشحون الذي اتسمت به الحياة العامة خلال أشهر الصيف، بدأ في الانقشاع النسبي مع نسمات الأسبوع الأول من فصل الخريف وتساقط غيث أوله قطرُ. ومع مشاعر الارتياح والتقاط الأنفاس، يتطلع المعنيون بالشأن العام أن يشكل "استحقاق" التعديل الحكومي المرتقب والأول على حكومة الذهبي، مناسبة لإدخال تعديلات في النهج، تتعدى تغيير الأشخاص وذلك باتجاه مزيد من الشفافية وتنشيط الأداء الحكومي في سائر الميادين، كما أشار اليها خطاب العرش في افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان. فمكافحة الفقر التي حققت بعض النتائج مهددة بموجة الغلاء المستشرية، فضلاً عن بؤر الفقر المدقع التي تنجح الصحافة، كما حدث في رمضان الفائت، بالكشف عن المزيد منها. والبطالة تنتظر مشاريع وبرامج واقعية لاستيعاب آلاف من الخريجين، وتطوير القضاء يتطلب تعزيز الفصل بين السلطات وتصيير هذا الفصل واقعاً ملموساً غير قابل لتجاوزه أو الالتفاف عليه.وحرية الإعلام يسندها قانون متطور للمطبوعات وسوية مهنية أعلى بعيداً عن التدخلات والتسيب في المهنة. هذه المطالب قديمة وقد تحقق جزء منها، وما زال غير المنجز ينتظر التنفيذ بإرادة حكومية عازمة وحازمة وبدور رقابي لمجلس النواب، وبمشاركة سياسية مفتوحة، وبخاصة بعد أن زالت المبررات الحكومية من ازدحام "الساحة" بالأحزاب. لقد استقرت في الأشهر الأخيرة مقولة الولاية الدستورية للسلطة التنفيذية، وذلك تطور إيجابي بالغ الأهمية لتوطيد أركان البناء الديمقراطي والدستوري، حتى لو وصفت الحكومات بأنها "غير منتخبة" فالأصل أن تستقر المبادىء الناظمة، ويستمر الحراك من أجل التطوير ضمن أقنية سليمة، بما في ذلك السعي المشروع لحكومات منتخبة تقابلها معارضة لم يحالفها الحظ في الانتخابات، ويفترض هنا أن تتمتع كل سلطة بمسؤولياتها ومهامها وفقاً لأحكام الدستور، وأن لا يتخذ مبدأ التكامل وهو صحيح بالطبع ومطلوب، طابع تداخل المسؤوليات وتنازع الصلاحيات. ولعل هذا، في نهاية المطاف، مغزى الإصلاح السياسي الذي يجري التداول بشأنه منذ العام 1993 والذي يتيح تنظيم الحياة العامة في مسارب مفتوحة ويطلق طاقات المجتمع تحت مظلة قوانين متطورة ودافعية أقوى. ولا يجدي هنا تحميل الحكومات كل الأوزار. أليس أمراً لافتاً أن لا يبادر أعضاء مجلس النواب لمقترح قانون انتخاب جديد، يستجيب لحق التمثيل السياسي للمكونات المختلفة، ويضمن التواصل مع الحكومة والمشاركة فيها، الى جانب مسؤوليات الرقابة والتشريع المنوطة بالمجلس النيابي؟. عزوف ممثلي الشعب عن مثل هذه المبادرات، وضعف تواصلهم مع الرأي العام، أسهم في نشر ثقافة عدمية، تجنح الى اللامبالاة وتبشر باليأس من صلاح الأحوال، رغم كل ما يسمعه السامع من تشكل الكتل النيابية وانتقال نواب من هذه الكتلة الى تلك، ومن تدبيج بيانات نيابية أو إعلان مواقف تلهج بالإصلاح. بينما يبرز في الأثناء تحدي الإصلاح الاقتصادي، الذي قد لا يجد جوابا شافياً و"نهائياً" له بمعزل عن تنمية شاملة وسوق واسعة نشطة تمتاز بالانتاج وسيادة روح المبادرة واحترام العمل الجماعي، لا بالتسابق على إنشاء المرافق الخدمية الفارهة (فنادق، وعقارات، ومولات، ومطاعم). وذلك حتى لا تلتهم موجات الغلاء المتعاقبة التي تبدو حتى الآن خارج السيطرة، زيادات الرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور، بما قد يشكل حلقة مفرغة ونفخاً في قربة مثقوبة،، وبخاصة مع شيوع الحمى الاستهلاكية وانتشار ثقافة التطلع للإثراء السريع، وقد كشف الإقبال المفاجىء والكثيف في مجتمعات ريفية فضلاً عن المدن على التعامل مع بورصات أجنبية، عن المدى الذي بلغته التحولات الاجتماعية بعدما أصبح مستقراً في الأذهان أن العمل ليس السبيل الأصلح لتحسين الأحوال!. وهي رسالة فادحة تتلقاها الأجيال الجديدة التي تعقد عليها الآمال في نهضة الوطن. ولا شك أن الحكومة كل حكومة تظل مدعوة، لضرب المثل ومنح القدوة للجمهور بالتخفف من مظاهر الترف والبذخ، ومنح الامتيازات لكبار المسؤولين من مستشارين وخبراء وقيادات في مؤسسات حكومية ومن هم في حُكمهم من.. النواب، حيث باتت النيابة طريقاً للوجاهة المالية والمعنوية معاً. وهو ما يولد انقطاعاً واقعياً ونفسياً بين أركان السلطتين التشريعية، والتنفيذية عن عامة الناس، الذين يطحنهم القلق من تدبير قوت يومهم وتنشئة أبنائهم في ظل هذه الظروف تنشئة سليمة. وبما يجعل كل إخفاق في الإصلاح الاقتصادي،عقبة في طريق الإصلاح السياسي وإيمان الناس بضرورته وإمكانية تحققه. |
|
|||||||||||||