العدد 7 - ثقافي | ||||||||||||||
لقد قمت بارتياد الكثير من الفعاليّات الفنيّة في الفترة القصيرة الماضية، قد يكون اهتمامي بها ازداد منذ عدت أكتب عن الفن والثقافة في المدينة مع “السّجل” منذ عددها الأوّل. ذهبت إلى لقاء جمع أدونيس والفنان البصري العراقي حيدر والجمهور في دارة الفنون، وحضرت افتتاح معرض عن رسومات رامبرانت في المتحف الوطني، ومعرض عمر البلبيسي في غاليري زارة ومعرض محمد أبوعزيز والإيطاليّة بيبي في دار الأندى. وكلا المعرضين قدّما أعمالا موضوعها الخطّ، وتعرّفت إلى المقيمة في مكان الفنانة البصريّة الصربيّة مايا ماديتش، وحضرت العرض الموسيقي القادم من برلين سيمينولوجي في مركز الحسين الثقافي، ومسرحيّة “كنز” للأطفال ومخرجتها سمر دودين في المركز الثقافي الملكي، وحضرت اجتماعاً عن مصير هنجار شركة الكهرباء القديمة في رأس العين في أمانة عمان الكبرى، وشاهدت فيلم بي موفي (فيلم النحل) في سينما سنتشري. هذا عدا عن الأفلام التي حضرتها على قنوات الأقمار الصناعيّة وأقراص الـ DVD المنسوخة والأصليّة. وقرأت عدداً من الروايات. وتصفحت عدداً من المجلاّت. وقلّبت بعض الجرائد. كما أنّي استمعت إلى الموسيقى التي تلعبها بعض محطّات الراديو وأخرى اخترت أن ألعبها أو تلك التي وصلتني مع فيديو مصاحب عبر الإنترنت على يو تيوب وغيره. لماذا كلّ هذا الفن وكل هذه الثقافة، ولست أكثر ارتياداً للمحافل الفنيّة والثقافيّة بل إنّي لأقترب في ذلك من المخلصين والمتفانين الذين يحضرون عرضاً وافتتاحاً ومحاضرة في اليوم الواحد يوما تلو يوم. أسأل نفسي هذا السؤال دائما. لماذا الفن؟ قد نجد إجابات عن هذا السؤال في رواية نقرؤها، أو فيلم نشاهده أو عرض سيمينولوجي الموسيقيّ مثلا، أو في مسرحيّة “كنز”، أو مشروع أدونيس في التجربة التشكيليّة. تتألّف فرقة سيمينولوجي من سيمين سمواتي لاعبة الصوت وفرقتها من عازفي البيانو بينيديكت جاهنل والباس رالف سكوارتز والدرمز كيتان باتي. أربعة موسيقيين يجمعون عدّة ثقافات ولغات وخلفيّات موسيقيّة تأتي معا في أداء جازيّ مثير وصوت فارسيّ ساحر. العرض حلو، يدغدغ القلب ويفتّح المنافس على موسيقى تبعث شعورا دافئا بالحنين لزمن عتيق حدّثنا الخيّام به عن العشق والحياة والله والموت. ننتقل مع صوت سيمين التي تربّت في بلدة صغيرة في ألمانيا لأبوين مهاجرين من إيران ومع ما رأته وتعلّمته وشعرته وتتمناه وكأننا نعيش معها فنذهب إلى يوميّات طفلة سمراء في بلدة شقراء ومراهقة تبتعد عن طعم الزعفران بحثا عن طعم يمنحها شعورا بالانتماء، ثمّ امرأة تجد لنفسها هويّة حيويّة جامعة وحميمة. تبني لنا جسرا موسيقيّا فنمشي إليها ونرى العالم من عينيها. تروي مسرحيّة “كنز” قصّة رحلة طفلة بحثا عن عشبة طبيّة موجودة في الجبل لتنقذ بصر جدّتها. هي مسرحيّة للأطفال ورأيتهم منغمسين في أحداث المسرحيّة، يستمعون للحوارات بين الشخصيّات وقد حشتها المخرجة سمر دودين بالعبر والدروس عن الصداقة والثقة والمشاركة والحب والقيم الاستهلاكيّة والعلاقات الاستغلاليّة وغيرها. يعود هؤلاء الأطفال ومعهم هدايا صغيرة من المعرفة والتعلّم، فيشتركون بها مع أصدقائم وإخوتهم ويتناقشون بها مع أهلهم وتثير لديهم الأسئلة. أمّا أنا، فأكثر ما أثارني في المسرحيّة هي الأزياء، ملابس شخصيّات القصّة المصنوعة من طبقات من الأقمشة القطنيّة والمخمليّة والحريريّة. تذكّرني بمشروعي الأزلي لتعلّم الخياطة والتجريب في تصميم الأزياء. تفحّصت كلّ تفصيلة، ثنية وزرّ وحقيبة. فيصبح الفستان هو بطل الرواية الذي ذهب في رحلة إلى الجبل بحثا عن العشبة. وأبحر أنا في خيالي وإذ لديّ مشغل وتحيط بي الأقمشة من كلّ الألوان والملمس، وأصنع ملابس لكلّ الناس بعيدا عن قيود الموضة والقياس متحررة من أمراض الخجل من الجسد والعيب. أمّا محمّد أبو عزيز وبيبي الإيطاليّة وعمر البلبيسي فقدّموا في أعمالهم تشكيلات فنيّة للخطوط في نمط يحاكي الفن الكلاسيكي الحداثي حيث تمتزج عناصر تقليديّة في إطار حديث، تتجرّد الأحرف من معناها وتغدو ثنايا وزوايا ومساحات لونيّة. لعلّ هذه الأعمال تعكس واقعاً من مجتمعاتنا التي عادت إلى التراث/التاريخ هوية لذاتها أمام التيار العولمي الجارف وإجابات لأسئلة تطرحها فيما تشعر به على أنّه فراغ سياسيّ واجتماعي. تعامل كلّ فنان مع هذه العناصر بطريقته الخاصّة ويراها كلّ مشاهد من عيونه أو عيونها الخاصّة فتتغربل في منخل التجارب والمشاعر الشخصيّة والتاريخ والمعرفة الفرديّين فتصبح بدورها أعمالاً فنيّة أكثر خصوصيّة وكأنّ عددها لا نهائيّ اعتماداً على عدد المشاهدين. ليست كلّ أشكال التعبير الفني والثقافي متميّزة أو جيّدة، لكنّها في تصويرها لحال ما أو ظرف معين أو نقلها لشعور أو صورة أو تجسيدها لحقبة أو أسطورة تجد لها صدى لدى هذا المتفرّج أو ذاك فيصبح عملا شخصيا جدا في تلك اللحظة وحميم وبالتالي عميق. تجد المرأة التي ترى ذاتها في شخصيّة ما، تجد بعدا جديدا لذاتها وتصبح لها قيمة أكبر من حدود كينونتها بل تتجاوزها للمسرح أو لشاشة السينما وتصبح عامّة وجماعيّة. قد تمتلئ عينا رجل بالدمع لأنّه وجد من يفهمه ويفهم تجربته في نصّ مسرحيّ أو جواب يردّ به محاضر على سائله. عدا عن أهميّة الفن لذاته، وهي أهميّة جدليّة أبدا، فالفن استمراريّة لنا، ويغذّي حاجتنا للخلود ورغبتنا باعتلاء منصّة المسرح ولو للحظة تاريخيّة صغيرة. بالفن تصبح حياتنا أوسع وتمتد إلى آفاق عديدة ومتنوّعة يتحرر فيها الجسد من قيوده وتفلت التابوهات من سجونها وتطلق المخيّلات عنانها. |
|
|||||||||||||