العدد 45 - حريات
 

نور العمد

شهد العام الجاري 2008 في أشهره الماضية حراكاً عمالياً ملحوظاً ورغم تواضع نتائج هذا الحراك من اعتصامات واحتجاجات،إلا أنها تواصلت وإن بوتيرة أضعف.

أكبر هذه الاعتصامات كان لعمال "البوتاس" و"الإسمنت" و«مصفاة البترول»، الذي نفذ في حزيران الماضي، وتمثلت مطالب المعتصمين برفع الحد الأدنى للأجور، لمواجهة الغلاء المعيشي الذي نهش جيوب الغالبية العظمى من العمال.

الاعتصامات لم تقتصر على العمال بل انتقلت إلى الوسط الإعلامي، عندما اعتصم موظفو قناة الـ atv في حزيران الماضي حيث أوقفت المحطة عن البث قبل سنتين، ووصل الأمر بالقائمين على المحطة باتخاذ إجراءات تعسفية بحق الموظفين، مما اضطرهم إلى تنفيذ جملة من الاعتصامات للحد من تلك الإجراءات.

في أثناء ذلك، كان عمال المياومة مستمرين في تنفيذ سلسلة اعتصامات، كان أبرزها نصبهم لخيمة احتجاجية وإضراب شامل عن الطعام استمر لمدة أسبوع في شهر اب الماضي، فيما نفذوا ما يقارب 21 اعتصاما آخر لكن دون جدوى، فمطلبهم بالتثبيت في الوزارات التي يعملون بها لم يتحقق، وقد تلقوا وعوداً من رئيس الوزراء نادر الذهبي بتحويلهم لفئة " الراتب المقطوع" على أسس الأقدمية، بعيداً عن الواسطة والمحسوبية.

في السياق ذاته، نفذت الحكومة جزءاً من وعدها حيث رفعت الحد الأدنى لرواتب عمال المياومة العاملين في الجهاز الحكومي إلى 170 ديناراً.

وشهد هذا العام إضرابات واعتصامات لسائقي الحافلات على الأجور وتعديل العدادات، بالإضافة الى عمال الكهرباء وعمال مياه العقبة والاتصالات والعاملين في الجامعة الاردنية وفي مستشفى الملك عبد الله المؤسس،احتجاجا على تعليمات أقرها مجلس إدارة المستشفى حول بنود مكافأة نهاية الخدمة للعاملين في آب الماضي.

وتكررت اعتصامات عمال المناطق الصناعية المؤهلة المختلفة من الجنسيات كافة، لأجل رفع أجورهم أو عدم اقتطاع جزء من أجورهم لأجل الطعام، لكنها سرعان ما كانت تنتهي إما بتنفيذ جزئي لمطالبهم أو تجاهلها عبر تهديدات بفصلهم وتسفيرهم خارج البلاد، وآخرها الاعتصام الذي بدأه أكثر من 1400 عامل في 31 آب الماضي احتجاجا على «انتهاك إدارة المصنع لحقوقهم»، في مصنع ميريديان للألبسة في مدينة الضليل الصناعية المؤهلة الذي يعمل لصالح شركات الألبسة الشهيرة «وال مارت»، و«هانز».

مؤسسات المجتمع المدني، وأحزاب، وحملة (لا) لرفع الأسعار اعتصمت مراراً لمواجهة ارتفاعات الأسعار في بداية العام الجاري، نقابيون، وأهالي أسرى أردنيين قد اعتصموا وطالبوا حينها بالإفراج عن أبنائهم القابعين في سجون الاحتلال، وغيرها من سجون العالم، واعتصامات حملة ذبحتونا احتجاجا على الرسوم الجامعية، وأتت هذه الاعتصامات، بحسب مسؤول اللجنة فاخر دعاس، كجزء من نشاطات الحملة الهادفة لتسليط الضوء على خطورة السياسات الهادفة إلى خصخصة الجامعات الرسمية، وكشف هذه السياسات أمام الرأي العام الأردني.

ما يسترعي الانتباه هو كثرة هذه الاعتصامات، رغم ضحالة نتائجها، فأسلوب الاعتصام واحد والشعارات والخطابات فيها واحدة ومكررة.

يجيز قانون العمل الأردني تنفيذ الإضرابات والاعتصامات، المادة 135 تنص انه لا يجوز للعامل أن يضرب دون إعطاء إشعار لصاحب العمل قبل مدة لا تقل عن أربعة عشر يوما من التاريخ المحدد للإضراب، وتتضاعف هذه المدة إذا كان العمل متعلقا بإحدى خدمات المصالح العامة.

ولكن هذا الحق يعتريه العديد من القيود منصوص عليها في القانون، بالإضافة إلى قوانين وتعليمات في نصوص أخرى.

فالمادة 136 تنص على «أنه إذا قام أي عامل بإضراب محظور بموجب هذا القانون، يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسين ديناراً عن اليوم الأول، وخمسة دنانير عن كل يوم يستمر فيه الإضراب. بعد ذلك يحرم من أجرة الأيام التي يضرب فيها».

فيما تنص المادة السابعة من قانون الاجتماعات العامة أن للحكام الإداريين الأمر بفض الاجتماع او تفريق المسيرة، إذا رأى الحكام أن مجريات أي منهما قد تؤدي إلى تعريض الأرواح او الممتلكات العامة للخطر.

قانون الاجتماعات العامة يحظر تنفيذ أي اعتصام إلا بموافقة محافظ العاصمة، الذي يملك بدوره أن يرفض أي اعتصام دون إبداء الأسباب.

نقيب العاملين في المصارف، حيدر رشيد يرى حسنات وسلبيات،في نتائج الاعتصامات التي نفذت على مدار الأعوام، فقد كانت برأيه مجدية وحققت نتائجها المطلوبة،رغم وصول المفاوضات بين النقابات وأصحاب العمل الى طريق مسدود، واستدرك قائلاً: «لا نتائج ايجابية في اغلب الأحيان، والسبب يعود إلى تعنت الجهات المسؤولة عن تحقيق مطالب العمال، إضافة الى أن العمال يمارسون الشكل نفسه من الاعتصامات الذي لا يفتح أي أفق لتحقيق المطالب التي يريدونها».

يعتبر رشيد أن الأنظمة والتشريعات، سواء كانت تشريعات مدنية تتعلق بقانون الاجتماعات العامة او القوانين المتعلقة بالأحزاب او منظمات المجتمع المدني لم تصل الى مستوى التطور المطلوب، ويشير الى أن «الأردن لم يوقع على أهم اتفاقية عالمية رقم 78 التي تمنح الحق للعمال الانتساب الى النقابات، ما يضعف الحركة النقابية ويقلص قاعدتها ويجعل كافة التحركات في القطاع العمالي غير قانونية فلا حق لهم بتشكيل نقابات، بالإضافة الى مخالفتهم للقوانين الأخرى كقانون الاجتماعات العامة».

نقيب نقابة أصحاب الغزل والنسيج فتح الله العمراني، يعتبر أن سر عدم نجاح اي اعتصام يعود الى اعتماد ثقافة العصا لا ثقافة الحوار، «القرار في النهاية يعود الى صاحب العمل، إضافة الى غياب المؤسسية لدى المؤسسات والاستنكاف عن بحث احتياجات العمال، ما يؤدي الى احتقانات» .

ويبين العمراني أن المناطق الصناعية المؤهلة شهدت منذ بداية العام الجاري 32 إضرابا عن العمل نفذها 11 ألف عامل، موضحاً أنه يترتب على الحكومة حل مشاكل العمال في القطاعات المختلفة، وأن لا تنتظر تدخل المقامات العليا لحل المشكلات حيث يلجأ غالبية المعتصمين بمناشدة الملك لحل قضاياهم.

فهمي الكتوت، كاتب اقتصادي ونقابي سابق، بين أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد يدفع العمال للمطالبة بحقوقهم،ويدفعهم للبحث عن أي وسيلة للخروج من الأزمة الاقتصادية، معتبراً أن من حق أي عامل الانضواء تحت النقابات العمالية للدفاع عن حقوقهم، «قوانين العمل الأردني ووضع الحركة النقابية الأردنية لا يسمحان بتحقيق مزايا، لذلك يتم اللجوء للتوقف عن العمل والاعتصام، فهناك الكثير من العمال لا يخضعون للنقابة بحكم القانون مثل عمال المياومة وعمال الزراعة».

ينتقد الكتوت إدخال الأردن سياسة الاقتصاد الحر وحرية التجارة ورأس المال، دون أن يرافقها تطور في التشريع والتنظيم النقابي.

من جانبه، بين رئيس اتحاد نقابات العمال مازن المعايطة أن سياسية الحوار والعلاقات الودية ما بين أصحاب العمل والعمال تضمن تحقيق أي مطلب، معتبراً أن النتائج التي تتمخض عند الجلوس على طاولة المفاوضات أنجع من الاعتصامات والإضرابات التي ينفذها العاملون، رغم أن قانون العمل والعمال يؤكد شرعية تنفيذ الإضراب والاعتصامات.

نزر يسير يتحقق وثقافة الحوار غائبة: حراك على مدار العام لتحقيق مطالب عمالية
 
25-Sep-2008
 
العدد 45