العدد 45 - ثقافي
 

مراجعة: مارتن بنتون*

حدود فلسطين

الحديثة، 1840-1947

تأليف: غيدعون بايجر

الناشر: روتليدج كيرزون، لندن/نيويورك

سنة النشر: 2004

عدد الصفحات: 266

رغم ما يوحي إليه العنوان من اتساع في التغطية، إلا أن الكتاب يركز بشكل أساسي على ظهور حدود جديدة خلال الحرب العالمية الأولى وبُعيدها. وعليه، فإن من المفهوم أن يركز الكاتب على فترة زمنية تقل عن القرن. فتحديد المناطق وترسيم الحدود السياسية أمر في غاية التعقيد، وقراءة المؤلف الشاملة في سجلات الأرشيف خلال السنوات الحاسمة ما بين 1916 و1923 تصف بشيء من التفصيل كيفية تأثير هذه العمليات في صنع فلسطين الحديثة.

يبدأ بايجر بتحليل للحدود الجنوبية لفلسطين. ويعيد تاريخ ترسيمها إلى محاولات فصل مصر عن الإدارة العثمانية، أولاً على يد محمد علي السلطان العثماني الإصلاحي الطموح، ولاحقاً على يد المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر. إلا أن المفاوضات العملية حول الموقع الدقيق للخط الحدودي برزت إلى الواجهة في مؤتمر باريس للسلام في 1919، عندما عَلِق المسؤولون البريطانيون بين الرغبة المستمرة لتوسيع حدود مصر إلى أبعد ما يمكن باتجاه الشرق من قناة السويس ذات الموقع الاستراتيجي، وبين دعمهم للتوسع الجنوبي لإدارتهم الجديدة ومركزها القدس. في كلتا الحالتين، «رأى البريطانيون أن عملية تحديد الخطوط الحدودية مسألة داخلية بين وزارة الخارجية والإدارة البريطانية في مصر، والتي ستعطيهم حرية التصرف كما يحلو لهم» (ص 84). يصف بايجر هذه المفاوضات بأنها «بريطانية داخلية صرفة» (ص 95). وهكذا، تُركت القبائل البدوية التي سكنت المنطقة لتتكيّف أنماط ترحالها مع الوضع الجديد. حتى زعماء الصهيونية، ورغم علاقاتهم الوثيقة بالبريطانيين، لم يؤخَذوا في الحسبان.

عملية وضع الحدود الشمالية لفلسطين كانت أكثر تعقيداً. فمن ناحية، اضطر البريطانيون إلى الدخول في مفاوضات ثنائية مع الحكومة الفرنسية في ما يتعلق بالمناطق التي خصصت سابقاً لهذه الغاية بموجب اتفاقية سايكس بيكو في العام 1916. ومن ناحية أخرى، لأن الخط الحدودي كان لا بد أن يمر في منطقة أكثر ازدحاماً بالسكان ، فإن سكان هذه المنطقة كانوا سيواجهون بالضرورة مشاق عظيمة واجهت المشاركين في النقاشات التي عادت مرة أخرى داخل دائرة أصغر من المسؤولين الذين لم يكونوا قد زاروا المنطقة قط، واعتمدوا على أطالس تاريخية غير دقيقة، بخاصة في ما يتعلق بالسكان الذين سيعيشون داخل الحدود.

العوامل الحاسمة في تحديد التغييرات النهائية لاتفاقية 1916 قامت أساساً على أفكار توراتية-تاريخية عن كيان فلسطيني يمتد «من دان إلى بئر السبع»، كما قامت على الواقع الإداري الأكثر تسطيحاً الذي خلقه الاحتلال العسكري الذي كرسه الجنرال أللنبي خلال الحرب. بحسب المؤلف، قامت الأقسام الإدارية التابعة لـ ألنبي «بتغيير وجه الواقع في المنطقة» (ص 105)، رغم التزامها الواسع بالوحدات السياسية التي كانت أيام العثمانيين. الجدل الاقتصادي الذي جرى داخل المنظمة الصهيونية لصالح فلسطين تتمتع بحدود شمالية أوسع -وعين المنظمة على نهر الليطاني- لم يشكل أكثر من مجرد «خلفية» لمطالب كانت تطفو هنا وهناك، فيما «كانت الحكومة البريطانية تشكل أفكارها الخاصة» (ص 112). المطلّة، إلى الشمال من دان، كانت المستوطنة اليهودية الوحيدة التي يمكن أن يُقال إنها ساهمت وبقوة في تحديد الموقع النهائي للحدود. في نهاية الأمر، فإن هذه المستوطنة وأكثر من عشر قرى فلسطينية تناثرت على طول الحد الذي فُرض بقوة، حيث قسّمت هذه الأراضي بين الدولتين المستحدثتين فلسطين ولبنان.

آخر الحدود الفلسطينية التي تم ترسيمها في تلك الفترة كانت الحدود الشرقية على طول خط نهر الأردن. وكما هي الحال في الحدود الجنوبية، قام الساسة البريطانيون والقادة العسكريون باتخاذ كل القرارات الحاسمة. وفي هذه الحالة فإن أهمية التقسيمات الإدارية التي قام بها الجنرال أللنبي وقت الحرب تلقت دعماً محلياً بسبب الممارسات العثمانية السائدة، وخارجياً في لندن من خلال القرار السياسي السابق بتأسيس دولة عربية منفصلة شرق الأردن تكون تحت الوصاية البريطانية.

رغم أن بعض الزعماء الصهاينة مثل زئيف يابوتينسكي، رأى أن إخفاق المنظمة الصهيونية في توسيع رقعة فلسطين إلى الضفة الأخرى من نهر الأردن نوعٌ من الخيانة، إلا أن بايجر يلحظ أنه بمجرد قيام بريطانيا بترسيم الحدود «لم تتم إثارة أي مطالب صهيونية رسمية في ما يتعلق بموقع الحدود الشرقية» (ص 179).

الفصل الأخير الذي يسلط الضوء على عدد من خطط التقسيم التي وُضعت في الفترة من 1937 إلى 1947، يذكّر القارئ بأن الثقة البريطانية في حدود الوحدات الإقليمية التي صنعوها لم تدم طويلاً. لكن، وكما يلحظ المؤلف، فإن وضع الحدود الجديدة التي تم اكتسابها حددته المواقف العسكرية في العام 1947. وإذ نقبل تبرير المؤلف بعدم اتساع الكتاب للبحث في هذا الأمر، فإننا نتساءل عن السبب الذي دعاه لمناقشة خطط التقسيم بوصفها جزءاً من الكتاب.

ثمة مواطن ضعف أخرى في الكتاب تراوح بين تركيب الجملة ومستوى المفهوم، فقد وردت أخطاء مزعجة في تهجئة أسماء (لأشخاص بارزين من بينهم آرتشر كوست، المعروف بأفكاره عن تقسيم بلد ما إلى كانتونات على النموذج السويسري). كما أن الرسوم الإيضاحية في الكتاب جاءت مخيبة للأمال: مثل الصور الكبيرة لزعماء سياسيين والتي لا علاقة لها بالموضوع، كما أن الخرائط لم تكن واضحة أو مفيدة كما يتوقع القارئ. والكتاب الذي نُشر أصلا بالعبرية، يستهدف جمهوراً ينصبّ اهتمامه على تاريخ الصهيونية. فلا يرد شيء عن عرب فلسطين، وهو ما يبرره المؤلف بأن العرب «لم يكونوا طرفاً في عملية ترسيم حدود فلسطين» (ص 229)، لكن حقيقة أن المنظمة الصهيونية كان لها «نفوذ بسيط» في المسألة (ص 226) لم يمنعه من التحدث باستفاضة عن مواقفهم في كل موضع من الكتاب. ولكان مجدياً أكثر لو أن بايجر استفاض في ملاحظاته عن السكان المحليين الذين رأوا «الترسيم السياسي بمساعدة الخطوط الحدودية مفهوماً غريباً عليهم» (ص 229).

*أستاذ التاريخ، جامعة فيكتوريا، بريتيش كولومبيا، كندا

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

كيف رُسمت حدود فلسطين بعيداً عن أهلها!
 
25-Sep-2008
 
العدد 45