العدد 45 - ثقافي | ||||||||||||||
نادر رنتيسي يتسم الحراك الثقافي في شهر رمضان بالميل إلى إقامة فعاليات يغلب عليها الطابع الترفيهي، وتجنب عقد الندوات والمؤتمرات، مع إبقاء هامش للأمسيات الأدبية. تستهدف إدارات هيئات ثقافية من هذا التحول، استحثاث جمهور الثقافة، القليل في كل الأحوال، وإبقاء حبل رفيع من التواصل معه. رئيس رابطة الكتاب الأردنيين سعود قبيلات يذهب إلى أن النشاط الثقافي في هذا الشهر يتميز بالكثرة، ممثلاً على ذلك بفعاليات ينظمها المركز الثقافي الملكي ورابطة الكتاب الأردنيين وبيت الشعر الذي اعتاد على إقامة أمسيات شعرية وفنية بعد منتصف رمضان. يرى قبيلات أن لتلك الفعاليات جمهورها الذي ينتظرها، ويفضّلها على سواها من طقوس رمضانية "مستحدثة"، مثل الشغف بمتابعة الدراما. بيد أن الروائي هاشم غرايبة يرى أن النشاطات الثقافية في رمضان لا تجد جمهوراً واسعاً، محيلاً ذلك إلى "طول النهار، وقصر فترة المساء التي تقام الفعاليات فيها في العادة". ويكشف أن أياً من الأنشطة الثقافية المقامة في هذا الشهر لم تستفزه، أو تدفعه للسفر من إربد إلى عمّان لمتابعتها. القاصة بسمة النسور رأت أن "ضعف الحضور" هو القاسم المشترك في الفعاليات الثقافية في هذا الشهر. وتعزو ذلك إلى "مزاج الناس الشغوف بالدراما في رمضان، الذي يكون متراخياً وأكثر ميلاً إلى الترفيه". النسور قالت إن "بيت تايكي" الذي تديره، آثر الابتعاد عن "زحمة" الفعاليات في رمضان، مشيرة إلى كثرة الواجبات الاجتماعية في هذا الشهر، وكسل الناس عموماً عن الخروج من بيوتهم. تتوقف النسور عند تجربة المركز الثقافي الملكي في شهر رمضان، التي تعدّها "متميزة" لجهة تنظيم أنشطة ثقافية وفنية متعددة، وعدم الاقتصار على "الجانب اللوجستي" الذي دأب على تقديمه على مدار العام عبر توفير قاعاته وصالاته لاحتضان فعاليات تتضمنها مؤسسات أخرى. إدارة المركز أعدت برنامجاً بعنوان "رمضانيات" يشتمل على 3 - 4 فعاليات يومياً، ما أدى إلى تشغيل مرافق المركز كافة. مدير المركز عبد الله أبو رمان قال إن الفعاليات المقدمة خلال الشهر تراعي تنوع أذواق الجمهور، وأشار إلى إقامة فعالية رئيسية يومياً: مسرحية، أو غنائية طربية، أو موسيقية تراثية، إلى جانب الأمسيات الشعرية. يرى أبو رمان في هذا التوجه محاولة لـ"محاكاة طقوس رمضانية قديمة"، مثل فكرة "الخيمة" التي تتضمن فقرات الحكواتي ومسحراتي، إلى جانب مسرح للأطفال. "توسيع قاعدة النخبة"، هذا ما يستهدفه المركز، عبر إشراك أكبر عدد من الجمهور في الفعاليات، بحسب أبو رمان الذي يشدد على أن المركز لا يقدم ترفيهاً خالصاً، وإنما "خدمة ثقافية مصحوبة بقدر من الترفيه". غير أن عزوف الجمهور عن متابعة الأنشطة الثقافية لا يبدو طارئاً، أو مقتصراً على شهر رمضان. الظاهرة، وفقاً لغرايبة، لا تقتصر على الفعاليات الجادة أو الرصينة، بل تنسحب على نشاطات فنية كالمسرح والعروض الغنائية. غرايبة يحيل ذلك إلى "تحولات كبرى في المجتمع" تستدعي التأمل أكثر من الاندماج والمشاركة التفاعلية. تضارب الفعاليات الثقافية، بحسب النسور، أحد العوامل التي تحدّ من حضور الجمهور أيضاً، إذ يقام كثير من تلك الفعاليات في توقيت واحد. تقترح النسور في سبيل "إنعاش جدران المؤسسات الثقافية" إنشاء هيئة عليا تتولى التنسيق بين الفعاليات ومحتواها بما يضمن امتياز كل منها بخصوصية ما. أبو رمان يرى أن المركز الثقافي الملكي يسير باتجاه أن يكون أحد الأذرع في تحريك النشاط الثقافي في الأردن، وأن يكون له دور أكبر من كونه مجرد "مسرح للفعاليات". هاجس استقطاب الجمهور بدا ملحّاً لدى رابطة الكتاب، إذ توّجت هذا التوجه أخيراً باستحداث نادٍ داخل مقرها الجديد الكائن في الشميساني. قبيلات أكد أن أحد أهم أهداف النادي أن لا تبقى الرابطة «نخبوية مقتصرة على شريحة معينة من المثقفين والكتّاب»، وشدد على ضرورة توسيع قاعدة مرتادي الرابطة لتشمل مختلف الأوساط الاجتماعية. نائب رئيس الرابطة زهير أبو شايب، أشار في حفل افتتاح النادي السبت الماضي 20 أيلول/سبتمبر الجاري، إلى رغبة إدارة الرابطة في «تحويل المقر من مكان معنوي إلى مكان حقيقي يلتقي الكتاب فيه ويتحاورون، وأن يفيض حوارهم خارج المكان ليؤثر في الحياة اليومية للمدينة». توريط الجمهور بالثقافة «مصيدة معلنة»، يقول أبو شايب، كاشفاً أنه «ستتم مداهمة جمهور النادي أحياناً بقراءات شعرية وقصصية وفقرات موسيقية وغنائية ومداخلات فكرية». غرايبة يعرب عن أمله أن يحقق النادي أهدافه المعلنة، ويلفت إلى أن المشهد الثقافي في العموم، دائماً ما يرتبط بمقهى أو نادٍ، وأن بين المثقفين وهذه الأماكن «حبلاً سرياً». النادي، كما يرى غرايبة، سيعزز علاقة أعضاء الرابطة بعضهم ببعض، ويزيد من رواد الرابطة من غير الكتّاب والمثقفين. |
|
|||||||||||||