العدد 45 - اعلامي
 

«لا يقوم الإعلام بدوره كما يجب في مراقبة أداء مجلس النواب» بهذه الكلمات أجاب نائب نقيب الصحفيين ومحرر الشؤون البرلمانية في (بترا)، حكمت المومني ،عما إذا كان يرى أن الإعلام لعب دوراً رقابياً على أداء مجلس النواب الخامس عشر حتى الآن أم لا؟.

يخالف المومني في وجهة نظره تلك زميله من «الرَّأيْ» ومحرر الشؤون البرلمانية فيها راكان السعايدة، الذي يعتقد أن الإعلام لعب دوراً خلال السنوات الخمس الماضية في «تعزيز أدائه الرقابي على مجلس النواب».

يستدل السعايدة على ما ذهب إليه بالقول: «العلاقة بين النواب والإعلام خلال السنوات الأخيرة كانت متوترة للغاية وعكست مدى سخط نواب على تغطية الإعلاميين لأعمالهم».

تعني رقابة الإعلام كتابة الخبر ومتابعته والقيام بالتحقيقات الاستقصائية والحيادية في الطرح ومتابعة ردود النواب وقراءه خطاباتهم في الثقة أو الموازنة ومدى انسجامها مع الممارسات اليومية للنائب.

تفتقد «اليوميات» بتفاوت للتحليلات المعمقة للخطابات النيابية سواء في الثقة أو الموازنة، إذ إن الطريقة التي يتم فيها تغطية الموازنة العامة للدولة تغيب عنها الحرفية الصحفية وأبسط قواعد المهنية.

تقوم الصحف بنقل ملخصات عن كلمات النواب مع مقدمة لا تتعدى الـ700 إلى 900 كلمة، وتخصيص صفحتين إلى ثلاث صفحات في الصحيفة يومياً للخطابات.

قد لا يتحمل صحفيو اليوميات مسؤولية ذلك وإنما السياسة التحريرية للصحف ومحاولات الاسترضاء النيابية والضغوط التي تتعرض لها الإدارات من أجل إبراز كلمة لنائب معين ووضع صورة لآخر. كلها عوامل تحد من حرية الصحفي وحركته.

يهدف الإعلام عبر تغطيته لجلسات البرلمان، مثلاً، إلى إبراز دور أعضاء مجلس النواب في التشريع والرقابة والمساهمة في تحديد أولويات الإنفاق العام والدفع باتجاه التنمية السياسية ومتابعة السياسات الاقتصادية ومحاربة الفساد، وفي الوقت نفسه يساعد على تفعيل دور المواطن من خلال نشر الوعي فيما يجري وتقويم أداء مجلس النواب ورفع مستوى المشاركة الشعبية في صناعة القرارات والتوصيات بإبراز اتجاهات الرأي العام.

كما يعكس الإعلام في رقابته على عمل البرلمان، المستوى الذي بلغته حرية الرأي والتعبير، ومستوى تطور المجتمع سياسياً، ويعد ذلك، مقياساً للمستوى الذي بلغته مسارات التحول الديمقراطي في الدولة والمجتمع على حد سواء، وعلامة على قدرة المجتمع بمؤسساته المدنية المتعددة، والدولة بأجهزتها وإداراتها المختلفة، على توفير أدوات المحاسبة والمساءلة، ووسيلة مهمة لتداول الحوار بين مختلف الاتجاهات والأطياف والتيارات السياسية والاجتماعية والفكرية.

يقول المومني إن رأيه في تقصير الإعلام تشكل بسبب عدم قيام الصحفيين والصحف بإعداد أي تقارير استقصائية عن النواب وابتعادهم عن الدخول بتفاصيل القضايا الجوهرية للمجلس من حيث المتابعة والتحليل والتعقيب والاستقصاء.

لا ينكر أن الإعلام يؤدي حالياً دوراً مقبولاً في الرقابة على مجلس النواب، بيد أنه يستدرك بالقول: «هذا الدور ليس بالشكل المأمول والرقابة على أداء النواب يجب أن تتعزز بشكل كبير».

يعتقد المومني أن دور الصحفي يتعدى كتابة الخبر أو تغطية المناسبة الى الرقابة الموضوعية الشاملة والكفيلة بالتمييز بين النائب الجيد أو غير الجيد من حيث الأداء التشريعي والرقابي.

يرى نائب نقيب الصحفيين أن الصحف تكتفي بإطلاق الشرارات ولا تقوم بمتابعة أثرها، من هنا أصبحت الصحف تلك ناقلاً في الغالب للخبر وليس متابعة له، ما يقوض الدور الرقابي للإعلام على مجلس النواب

السعايدة الذي خالف المومني الرأي يعتقد أن ما قامت به الصحف «جيد» رغم الضغوط التي تعرضت لها وسائل الإعلام خلال الفترة المنصرمة من قبل نواب مؤثرين.

يقول إنه بمراجعة تاريخ العمل البرلماني يتضح أنه في آخر مجلسين كان الأداء الإعلامي «مقبولاً ومتطوراً» وأن وسائل الإعلام لم تخضع لأي ضغوط من النواب، واستطاعت القيام بواجبها بالشكل الذي يصب في مصلحة الوطن بشكل عام.

يشير محرر «الرَّأي» الى أن التغطية الإعلامية في السنوات الأولى من الانفراج الديمقراطي العام 89 اقتصرت على نقل للجلسات واجتماعات اللجان دون الدخول في التفاصيل وأن التغطية الآن اختلفت بعض الشيء بعد أن باتت الصحف تتعامل مع كل تفاصيل المجلس.

يتذكر السعايدة ملفات عدة قام محررو الصحف اليومية مجتمعين بفتحها خلال عمر البرلمان الرابع عشر، ومنها سيارات النواب وسفراتهم وامتيازاتهم والتي كلفت موازنة الدولة وقت ذاك أكثر من 3 ملايين دينار، إضافة لفتح موضوع الغياب عن النصاب، الذي كان «مقتل البرلمان الرابع عشر».

«اليوميات» أثارت مجمل تلك المواضيع، بيد أنها لم تقم بمتابعتها بالصورة المطلوبة وأسقطت من حساباتها أن العمل الإعلامي متكامل وليس مجرد إطلاق شرارات وفقاعات دون معرفة نتيجة ما تم إثارته من مواضيع، وفق نائب نقيب الصحفيين حكمت المومني.

ينتقد السعايدة الغياب الكامل للإعلام الرسمي عن مجمل الصورة البرلمانية، مشيراً إلى أن «بترا» والتلفزيون الأردني غائبان عما يحدث في مجلس النواب ويكتفيان بنقل الحدث دون تفاصيل باستثناء نقل النشاطات البروتوكولية للرئيس دون التطرق لقضايا مفصلية. كما إنهم لا يطرحون وجهات نظر مؤسسات المجتمع المدني والقضايا لتي تهم المواطن أو تلك التي تضمن المساءلة وتعزز المشاركة السياسية.

محرر الشؤون البرلمانية في يومية «العرب اليوم» الزميل وليد حسني اتخذ موقفاً وسطياً بين المومني والسعايدة عندما قال «الإعلام راقب ولكن بتقصير».

بقول حسني: إن الإعلام مارس دوراً محدوداً في الرقابة وقصر في أدوار أخرى، مستذكراً أن السفرات أثيرت من قبل اليوميات لكن لم تتابع كذلك الإعفاءات الجمركية السابقة واللاحقة والمياوميات وزيادة الرواتب كلها تمت إثارتها من قبل الصحف اليومية، بيد أن المتابعة الاستقصائية لكل ذلك غابت أو جاءت غير متكاملة، وإن تم متابعة قضية لاحقاً يتم تناسي جملة من القضايا الأخرى.

محرر الشؤون البرلمانية في «الدستور» مصطفى الريالات، يتفق مع زميله حسني فيما ذهب إليه ويعتبر أن التقصير الإعلامي في المتابعة وليس في الخبر والحصول عليه.

يرى حسني أن الإعلام اليومي المتصل بمجلس النواب فشل حتى الآن في عكس الأفكار والآراء المختلفة التي تتفاعل داخل المجتمع من حيث الحرية والديمقراطية وحقوق الفرد في التعبير والعمل والمواطنة، على اعتبار أن أساس المجتمع الديمقراطي هو الإعلام الحر الذي يشكل أداة للرقابة والنقد والتوعية.

ويعتقد بأن ظروفاً عدة تؤدي في كثير من الأحيان، الى تغييب تلك المواضيع أبرزها عدم وجود الأرضية المناسبة للإعلام من أجل بسط رقابته من خلال تدخلات أعضاء المجلس حيناً وتدخلات خارجية أمنية أو حكومية أحياناً أخرى. ولهذا يرى أن التغطية الإعلامية ليست كما يجب، وإن كانت "معقولة وجيدة" في بعض المفاصل.

التقرير السنوي الأول الذي أصدره قبل أشهر مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان حول مراقبة مجلس النواب الخامس عشر ودور الإعلام في الرقابة عليه، أوصى بضرورة توسيع رصد التغطية الصحفية لأعمال البرلمان، والتأكيد على أهمية مساهمة الإعلام في إصدار التشريعات الضامنة لحقوق الإنسان، وضمان التطبيق السليم لها، وتعزيز دور الصحافة في إرساء ثقافة حرية التعبير عن الرأي باعتبارها من الشروط الضرورية لخلق إعلام حر ومستقل.

اختلاف محرري الشؤون البرلمانية في الصحف اليومية في نظرتهم لطريقة تعاملهم مع المجلس النيابي، مرده أسباب عدة أبرزها اختلاف كل صحيفة عن الأخرى في طريقة تعاملها مع الخبر.

السعايدة، لا ينكر أن التغطية الإعلامية تختلف من صحيفة إلى أخرى، بيد أنه ذكر أن تقارير عدة وجدت طريقاً للنشر في «الرَّأيْ» مثلاً، رغم أنه كان من الصعب نشرها في أوقات سابقة ومنها تقرير سفرات النواب، والإعفاءات الجمركية فضلاً عن تقارير تحليلية.

العلاقة بين السلطة التشريعية والصحافة تأرجحت خلال السنوات الخمس الماضية بين مد وجزر. إذ دائماً كانت تقع مشادات كلامية ولفظية بين الطرفين وتنشر على صدر الصحف.

وحظي المجلس الرابع عشر (السابق)، بسابقة لم يعتدها البرلمان الأردني منذ نشأته، وذلك حين اعتدى برلمانيون على مصورين صحفيين أثناء قيامهما بواجباتهما المهنية.

نفذ الاعتداء وقت ذاك، نائبان هما:غالب الزعبي، ومفلح الرحيمي، تهجما فيه على مصور «العرب اليوم» الزميل محمد الرفايعة، ومصور «الدستور» الزميل محمد شوكت، عندما كانا يصوران اشتباكاً بالأيدي بين النائبين السابقين عبد الثوابية، ومحمد العدوان.

يستذكر الزميل الريالات تلك الحوادث بالقول إن توتر العلاقة الدائم بين الصحافة والبرلمان سببه الرئيس "ضيق" نواب مما كان يكتب في الصحافة عنهم.

ينفي أن هناك تراجعاً في التغطية والمتابعة للمجلس الحالي بالقول: "لا يوجد تراجع بمعنى الكلمة وإنما هناك حالة انتظار ومنح فرصة من الوقت".

يؤشر وليد حسني إلى ما تعرض له زميله الريالات بشكل أوضح بالقول: "كتبت الصحافة كثيراً عن المجلس السابق وانتقدت وعلقت وكشفت، لدرجة أن نواباً من ذاك المجلس حملوها وزر (غضبة) المواطنين عليهم، وكل هذا لم يجد له نتائج على الأرض، حيث جاء مجلس نيابي جديد أضعف من سابقه"، بمعني أن "الإصلاح بات أمراً صعباً في غياب الحافز الحقيقي له". وهي "الديمقراطية الحقة" التي من شأنها فرز مجلس نيابي قوي ومؤثر وقادر على خلق حالة من التواصل مع الإعلام.

لعل الدور الأهم، هو أن يعكس الإعلام الأفكار والآراء المختلفة التي تتفاعل داخل المجتمع، فأساس المجتمع الديمقراطي هو الإعلام الحر الذي يشكل أداة للرقابة والنقد والتوعية.

العديد من القضايا البرلمانية تم طرحها من كتاب يوميات ومعلقين سياسيين ومنهم فهد الفانك، وسميح المعايطة، وفهد الخيطان، وغيرهم، وأن مراقبة التغطية ومتابعة ما يكتب في الصحف اليومية يؤشر لأهمية إعادة النظر في طريقة التعامل مع مجلس النواب، وتفعيل التغطية حتى تكسب طابعاً استقصائياً متكاملاً.

علاقة متأزمة بين الإعلام والنواب .. الصحافة البرلمانية: نزعات رقابية وتفاوت في المتابعة
 
25-Sep-2008
 
العدد 45