العدد 45 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة في العام 1985، قامت مجموعة من الأكاديميين الأردنيين بتقديم طلب إلى الحكومة من أجل إنشاء كلية جامعية خاصة بالبنات، ولكن الطلب ووجه بالرفض. وقد برر هذا الرفض في حينه بأن القطاع الخاص في الأردن ليس مؤهلاً بعد لتولي مهمة إنشاء وإدارة جامعة خاصة. أمين محمود، الرئيس السابق لجامعة البتراء، وأحد الذين قدموا الطلب، أوضح أن الأردن كان، وقتذاك، في حاجة ملحة لإنشاء جامعة خاصة تستوعب الأعداد الكبيرة من أبناء المغتربين الأردنيين في الخارج، والذين كان يحرم معظمهم من فرصة دخول الجامعات الحكومية بسبب نظام الكوتا، الذي كانت الجامعات بموجبه تقبل ما نسبته 5 في المئة فقط منهم، ما كان يؤدي إلى توجه هؤلاء للدراسة في جامعات في الخارج لم تكن تتميز جميعها بمستويات أكاديمية جيدة. ومن ناحية أخرى، فإن ذلك كان يؤدي إلى حرمان أعداد كبيرة من الفتيات الأردنيات من التعليم الجامعي، وذلك بسبب التقاليد السائدة التي لا تتقبل فكرة سفر الفتاة بمفردها للدراسة في الخارج مثلما تتقبلها بالنسبة للشاب. الفكرة, في الأساس، كما يؤكد محمود، كانت إنشاء جامعة خاصة تقوم على ركيزتين؛ ربحية وغير ربحية، وتتعاون على إنشاء الجامعة هيئتان: شركة استثمارية ربحية تقوم بشراء الأرض وإنشاء المباني وتجهيزها بالمرافق ووسائل النقل، مقابل عائد يتراوح بين 10 و15 في المئة، والثانية، تتكون من أكاديميين متخصصين، يتولون رسم السياسات التعليمية ووضع البرامج دون أي تدخل من رأس المال، مع الأخذ بعين الاعتبار خطة مستقبلية يتم بموجبها استثمار جزء من العائدات في شراء حصص من الشركة الربحية. ويرى محمود أن هذه الآلية كانت ستحافظ على استقلال التعليم الخاص وحمايته من هيمنة رأس المال. في هذا السياق تشير حنان إبراهيم، رئيسة المكتب الإقليمي لمشروع التعليم العالي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى صعوبة إرساء قاعدة عامة مفادها أن مستوى الأداء الأكاديمي للجامعات الخاصة هو بالضرورة دون مستوى أداء نظيراتها من الجامعات الحكومية. وتورد تجارب رائدة في الولايات المتحدة الأميركية والعالم العربي حققت فيها الجامعات الخاصة غير الربحية نجاحاً كبيراً، وتفوقت أكاديمياً على الجامعات الحكومية. وتشير إلى تجربة الجامعة العربية المفتوحة، وهي جامعة غير ربحية أنشئت بتمويل من الأمير طلال بن عبد العزيز، ولها فروع في دول عربية عدة، استقطبت أعداداً كبيرة من الطلبة، الإناث خصوصاً، نظراً لاعتمادها أساليب غير تقليدية في التدريس الجامعي وأوقات دوام أكثر مرونة، أسوة بنظام التعليم الجامعي المفتوح، الذي يعتمد منهجية تعليمية لم يألفها العالم العربي بعد، نظراً لحداثة التجربة فيه ولوجود معوقات أخرى. وترى حنان أنه على الرغم من ضرورة اعتماد آليات ضمان جودة التعليم العالي وتحسين نوعيته، ووضع معايير موحدة للتقييم تستند إلى معايير معترف بها عالمياً، فإن هذه الآليات قد تختلف بعض الشيء في تفاصيلها ووسائل تطبيقها من بلد لآخر، بل ومن جامعة لأخرى في البلد الواحد، وفق المعطيات والموارد التعليمية الخاصة بهذه الجامعة دون غيرها، وأنه لا يكفي أن تكون الجامعة حكومية أو خاصة، ربحية أو غير ربحية، لضمان تميزها وجودة أداء برامجها، فهناك دوما أمثلة عربية ودولية على نجاحات وإخفاقات لكل نمط من أنماط الجامعات المذكورة أعلاه. بعد أربع سنوات من رفض الطلب الأول، تمت الموافقة على إنشاء جامعة خاصة. وفي العام 1989 بدأت التحضيرات لإنشاء جامعة عمان الأهلية، لتفتح في العام 1990 أبوابها بوصفها أول جامعة خاصة في الأردن. ومن المؤسف أن التشريع الذي تم بموجبه منح التراخيص لإنشاء الجامعات الخاصة أطلق يد المستثمرين في هذه الجامعات، إذ نص القانون على أن يكون مالك الجامعة شركة استثمارية ربحية تسجل في وزارة الصناعة والتجارة، مغفلاً تماماً مبدأ «عدم الربحية» الذي كان يمكن أن يساهم في خلق نوعية متميزة من التعليم الجامعي. وأدى هذا التشريع إلى حرمان الجامعات الخاصة من استقلالها عن رأس المال، ذلك الاستقلال الذي يعد الركيزة الأساسية لتميز أي جامعة وتميز مساهمتها الفعلية في النمو الحضاري لأي بلد. ومع أن قراراً كان قد صدر قبل سنوات ينص على وجوب أن تكون الجهة المالكة للجامعة الخاصة مؤسسة غير ربحية، يمكن لها أن تتعاون مع شركة استثمارية، فإن هذا القرار لم يطبق إلى الآن بشكل فعلى. محمود السمرة، رئيس الجامعة الأردنية الأسبق، يستغرب أن تنشأ أو تتحول جامعات خاصة إلى مؤسسات استثمارية، وبعضها حقق في عام واحد ما فاق رأسمالها. «لا أرباح للمساهمين في الجامعات المحترمة. المساهمون في هذه الحالة هم بمنزلة متبرعين. الأرباح تستثمر في تطوير الجامعة، لا في تسمين جيوب المساهمين» يقول لـ«ے». سليمان عربيات، الرئيس السابق لجامعة العلوم التطبيقية، يؤكد أن قانون ملكية الجامعات الخاصة بوضعه الحالي قانون جيد، فهو ينص على أن تكون الجهة المالكة للجامعة جهة غير ربحية، ولكن الخلل، في رأيه، يأتي من التطبيق «ذلك أن أصحاب رؤوس الأموال استطاعوا الالتفاف على القانون وأنشأوا جامعات مملوكة شكلياً لجهات غير ربحية ولكنها في الواقع العملي شركات استثمارية». ويشدد أمين على أن الاستقلال يجب إلاّ يكون فقط عن رأس المال، بل عن مجلس التعليم العالي أيضاً، والذي يراقب الجامعات الخاصة ويتحكم في مسائل اعتمادها، «أما سلطة وضع السياسات والبرامج التعليمية فيجب أن توكل إلى مجلس الأمناء في الجامعة، وليس إلى مجلس التعليم العالي». ومهمة المجلس الأساسية هي وضع السياسات والاستراتيجيات العامة للتعليم العالي. ويستعاض عن سياسة المراقبة للجامعات بسياسة المحاسبة المبنية على نتائج لجان تقييم الأداء وضبط الجودة التي يتم نشرها والإعلان عنها. حنان إبراهيم، ترى أنه حالياً، وفي ظل التشريعات القائمة، فإن الاستقلال المطلق للجامعات الخاصة في المنطقة العربية عن مجلس التعليم العالي قد لا يخلو من بعض السلبيات، نظراً لكون هذه الجامعات مشاريع استثمارية قد تقدم الربح على النوعية، «لذا فإن منح كثير من الصلاحيات لمجلس الأمناء قد يكون جزءاً من الحل، شريطة التأكد من عدم ارتباط المصالح المادية لأعضاء المجلس بمصالح أصحاب رأس المال أو جعله وجهاً تنفيذياً آخر له». عربيات يذهب أبعد من ذلك، فهو، وإن كان يرفض تدخل رأس المال في السياسات التعليمية للجامعة، فإنه يؤيد الرقابة التي يمارسها مجلس التعليم العالي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي: «فالجامعات الخاصة هي مؤسسات وطن وليست مؤسسات أشخاص». ومن هنا فإنه يرفض الدعوات المطالبة بأن تنحصر مهمة المجلس في تقييم المخرجات، ويرى أنه يجب أن تكون هناك متابعة مسبقة للسياسات التعليمية، ومتابعة لمدى التزامها بالرؤية الوطنية العامة. وينبه محمود إلى أن الاستقلال لا يعني، بأي حال، تسييب الأمور، ذلك أن المخرجات التعليمية للجامعات الخاصة يجب أن تخضع لعمليات تقييم مستمرة على مستوى المؤسسة، وعلى مستوى كل برنامج من برامجها الأكاديمية. وفي ضوء نتائج هذا التقييم، يمكن لمجلس التعليم العالي أن يتخذ إجراءاته لتحسين الأداء الأكاديمي للبرامج والجامعات المقيمة. لذا يدعو محمود إلى تطوير آليات تقييم فاعلة، تعتمد معايير دولية، يتم من خلالها تحديد نقاط الضعف والقوة لدى الطلبة، وتقييم ما اكتسبوه من مهارات أساسية لدى تخرجهم، تضمن سوية أدائهم في أسواق العمل المحلية والإقليمية والعالمية. |
|
|||||||||||||