العدد 45 - أردني | ||||||||||||||
حمزة السعود في العام 1990، اكتشفت الجامعات الرسمية الأردنية ما في طاقتها الاستيعابية من محدودية. وقد وضع هذا الاكتشاف الحكومة أمام الأمر الواقع، وهو السماح بتأسيس أول جامعة خاصة في المملكة. كانت الجامعة الخاصة الأولى في المملكة، التي تأسست في ذلك العام، هي جامعة عمان الأهلية، وكان رئيس الحكومة آنذاك مضر بدران. هكذا بدأ السباق على التسجيل في الجامعات الخاصة التي أقبلت عليها أ عداد كبيرة من الطلبة المغتربين في صورة خاصة. فقد كان المغتربون يشكلون ما نسبته 28 في المئة من سكان الأردن آنذاك. تزايد أعداد الطلبة الراغبين في دخول الجامعات على مر السنين، وقد تزامن ذلك مع تزايد الصعوبات أمام دخول الطلبة من أبناء المغتربين الأردنيين في جامعات الدول التي كانوا يعيشون فيها، قابلتها صعوبات في الحصول على مقعد في جامعات الأردن الرسمية، التي خصصت لهم نسبة لا تزيد على 5 في المئة من المقاعد الجامعية، ما جعل العديد منهم في مرمى جامعات ذات مستويات متدنية في دول مثل باكستان، والهند، وحتى الولايات المتحدة الأميركية، حيث الجامعات هناك على غير مستوى أكاديمي. كما أسهم في القضية الواقع الاجتماعي المحافظ للوطن العربي، والذي لا يسمح للفتيات بمغادرة بيوتهن للتعلم في الخارج، إلا باستثناءات محدودة، وهو ما زاد في الضغط على الحكومة للموافقة على إنشاء الجامعات الخاصة. إصرار الحكومة على رفض إنشاء جامعات خاصة في البداية تمثل في تلك الفترة بعدم قبول طلب ترخيص لإنشاء كلية جامعية للفتيات، كان قدم في عهد رئيس الوزراء الأسبق زيد الرفاعي في العام 1985. لكن الحكومة لم تستطع الاستمرار في تجاهل الأعداد الكبيرة من الطلبة المغتربين، وكذلك من الطلبة الفلسطينيين من حملة الوثائق من دول عربية مختلفة، والذين وصلوا المملكة الأردنية العام 1990 بعد حرب الخليج الثانية. كل هذا دفع في اتجاه فتح الباب على مصراعيه لإنشاء الجامعات الخاصة، وكانت جامعة عمان الأهلية هي الأولى التي يرخص لها. وكان ذلك في العام 1990، في عهد حكومة مضر بدران. بعد ذلك، قامت الحكومة، وفي صورة مفاجئة، بترخيص تسع جامعات، وثلاث من الكليات الجامعية في الأعوام 1991، 1992، و1993. فتح الباب أمام إنشاء الجامعات الخاصة في الأردن ساهم في صورة كبيرة في تخفيف الضغط على الجامعات الرسمية، ومنح كثير من المواطنين فرصة التعليم وخصوصاً الفتيات، ولكن الحكومة لم تقم بوضع أي أسس أو معايير لإنشاء الجامعات الخاصة، فكان الكم هو الهم، بعيداً عن النوعية، ما يفسر التباين الكبير في مستويات الخريجين من الجامعات الخاصة، الذي يولد ضرورة لوجود معايير نوعية تلتزم بها هذه الجامعات، ولكن المشكلة تكمن في أن الجامعات الرسمية نفسها لا تملك معايير حقيقية لضبط النوعية، ما جعل من الطبيعي أن تكون الجامعات الخاصة على تلك الصورة من تباين مستويات خريحيها. العديد من الأكاديميين عزوا ذلك إلى غياب التمويل الحكومي، أو غياب ما يسمى «بالوقفية» (philanthropist)، ما سمح بالتوجه إلى إنشاء جامعات خاصة تهدف إلى الربحية، وهذا ما خلق تضارباً بين النوعية في التعليم ومبدأ السوق المحكوم بقواعد الربح فقط، فباتت الجامعات الخاصة في الأردن تعاني من مشكلة أساسية وهي ضرورة توفير الاستقلال الأكاديمي للجامعة. هنا يحضر مثال الجامعات البريطانية التي تمولها الحكومة بنسبة تصل أحياناً إلى 70 في المئة، وهذه النسبة الكبيرة من التمويل لم تحل دون استقلاليتها، ما يجعل من الممكن تطوير نموذج خاص بالجامعات الخاصة في الأردن، شبيه بالنموذج البريطاني يحقق الفصل بين رأس المال وبين الإدارة الأكاديمية للجامعات، كما يقول أكاديميون. الأكاديمي عصام النقيب يرى أنه «إذا تخلت الدولة عن مسؤوليتها في تطوير نوعية التعليم من خلال التوسع في الاستثمار، فإن ذلك يعني انخفاض التعليم الرسمي أيضاً إلى المستوى الذي تحدده قواعد السوق». وهو يرى أنه إذا كانت العولمة غيرت بصورة جذرية من صورة الحكومات، بحيث أصبحت لا تتدخل في الاقتصاد أو التعليم، فهذا لا يعني أن دور الحكومات انتهى وأصبح الأمر متروكاً للقطاع الخاص دون رقيب أو حسيب، بل على العكس أصبح دور الحكومات أهم من حيث التخطيط والتأكد من مجالات التعليم وغيرها، بحيث لا تخضع للاستغلال ولا يحكمها الاحتكار والمصالح الخاصة، لقد تغير دور الحكومة في صورة كبيرة في العالم، فانتقل من المتحكم والمسيطر إلى المراقب والمنظم، وإلى حد كبير الممول. يذكر أن الحكومة الأردنية تقوم بالإنفاق على الطالب الجامعي ما يناهز 2500 دولار سنوياً، ما يعني أن كل ما تستطيع الجامعات تقديمه هو التدريس المباشر، من دون توفير العناية اللازمة التي يتطلبها بناء أجيال جديدة من الخريجين ذوي القدرات المتنوعة والتفكير المستقل والمبادرات الخلاقة. |
|
|||||||||||||