العدد 45 - أردني
 

ماجد توبة

توجت حكومة نادر الذهبي، التي تزايد الحديث و"التسريبات" و"الشائعات" عن قرب إجراء تعديل وزاري عليها مع اقترابها من حاجز العام، نهجاً سياسياً أردنياً "خالصاً" رافق تشكيل الحكومات، تحديداً منذ تحول الإمارة إلى مملكة العام 1946، تمثل في ارتقاء أبناء الوزراء ورؤساء الوزراء السابقين كرسي الوزارة من بعد آبائهم.

توريث الكرسي الوزاري و"تدوير" المنصب الرفيع على النخبة السياسية عبر الأعقاب والأصلاب يكاد يكون "سُنَّة" سياسية أردنية، هناك من يرى أنها وصلت أخيراً حد "الظاهرة"، وباتت حديث النخب السياسية والإعلامية، وأحياناً مجالاً لانتقاداتها، رغم أن عدداً من الوزراء الأبناء قد صعدوا إلى مراكزهم بموجب كفاءاتهم الذاتية، وقد برهنوا على هذه الجدارة في أثناء توليهم لمواقعهم الوزارية، وفي مواقع لاحقة داخل الأردن وخارجه.

يسجل تاريخ الحكومات الأردنية أن أول وزير أردني ورث المنصب الوزاري لابنه كان الوزير محمد الخضر الشنقيطي، الذي عين في أول حكومة في الإمارة (حكومة رشيد بيك طليع) العام 1921 قاضيا للقضاة وعضوا في مجلس المشاورين (مجلس الوزراء)، فقد تقلد نجله محمد الأمين الشنقيطي وزارة المعارف ومنصب قاضي القضاة في حكومة سمير الرفاعي العام 1947، التي تعد أول حكومة في عهد المملكة. في حين يعد وزيرا الأشغال سهل المجالي، والسياحة والآثار، مها الخطيب، آخر أبناء الوزراء الذين تقلدوا المنصب الوزاري.

«التوريث الوزاري» شمل سبعة وزراء من أصل 27 وزيرا ضمتهم تشكيلة حكومة الذهبي، التي تشكلت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2007، ما يعني أن ربع التشكيلة الوزارية تقريبا ورثت الكراسي التي تجلس عليها، وهي من «أعلى النسب» بين الحكومات التي تجلت فيها هذه الظاهرة.

الوزراء الحاليون الذين سبق لآبائهم تقلد كرسي الوزارة هم: علاء البطاينة وزير النقل الذي تقلد والده عارف البطاينة الوزارة لأول مرة في حكومة الأمير زيد بن شاكر العام 1991، حين شغل حقيبة الصحة، سهل المجالي وزير الأشغال الذي سبقه لهذا المنصب والده عبد الهادي المجالي (1996)، ناصر جودة وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال وتسلم قبله والده سامي جودة المنصب الوزاري لأول مرة في حكومة صهره سمير الرفاعي العام 1958 حين تسلم حقيبة المواصلات، وزيرة السياحة مها الخطيب ووالدها هو محمد الخطيب وزير الإعلام الأسبق في حكومة زيد الرفاعي (1985- 1989)، باسم الروسان، وزير الاتصالات، وهو ابن الوزير الأسبق فواز الروسان، صلاح البشير وزير الخارجية، وهو ابن وزير الصحة الأسبق محمد البشير، وأخيراً باسم السالم وزير العمل، وهو ابن الوزير الأسبق خليل السالم الذي شغل أكثر من حقيبة وزارية.

هؤلاء الوزراء يمكن أن يضاف لهم في التصنيف وزير العدل أيمن عودة، الذي لم يرث الوزارة عن أبيه، بل عن عمه علي حسن عودة الذي كان وزيرا في الخمسينيات. ومقابل وزراء الذهبي السبعة، ضمت حكومة معروف البخيت السابقة أربعة وزراء سبق لآبائهم تقلد الوزارة، وهم: سعيد دروزة، باسم السالم، وزير الاتصالات عمر الكردي (سبق لأبيه أشرف الكردي أن تولي حقيبة الصحة)، وباسم الروسان.

حكومة عدنان بدران السابقة لحكومة البخيت، ضمت ثلاثة وزراء أبناء لوزراء سابقين، هم: صلاح البشير، سعيد دروزة (والده وزير الصحة الأسبق سميح دروزة)، باسم السالم، في حين كان رئيسها شقيق لرئيس وزراء أسبق هو مضر بدران.

عبر مسيرة الدولة التي تربو على الثمانين عاما، شُكلت نحو 86 حكومة أردنية ضمت عددا يراوح بين 80 و 90 وزيراً تربط بينهم صلة الأبوة والبنوة، نحو 36 أبا والبقية أبناء، ما يعني أن بعض الآباء ورّث كرسي الوزارة لأكثر من ابن، كما يشير زياد أبو غنيمة في دراسة له حول التمثيل العشائري والعائلي في الحكومات الأردنية التي نشرت العام الماضي.

ثمة قنوات للارتقاء السياسي، معهودة في دول العالم المتقدم، نحو أم المؤسسات (الوزارة)، وتضيق هذه القنوات كلما ضاقت المشاركة السياسية، وتتسع بوجود تيارات سياسية وفكرية وأحزاب فاعلة ذات برامج تمكّنها من العمل كحكومات ظل، وتكشف عن مواهب وقدرات للناشطين فيها، بما يؤهلهم للانتقال إلى المراكز الوزارية.

بحسب دراسة أبو غنيمة هنالك نحو 63 شقيقا أو ابن شقيق أو شقيقة، أيضا ورثوا الوزارة من أعمامهم أو أخوالهم، كما كان للأنسباء والأصهار نصيب من هذه الظاهرة أيضا.

رئيس الوزراء الأسبق هزاع المجالي شكّل حكومتين، الأولى العام 1955 وكانت الأقصر في تاريخ الحكومات واستمرت خمسة أيام فقط، والثانية العام 1959. سبق ذلك تسلمه وزارة الزراعة لأول مرة في حكومة سمير الرفاعي العام 1950. تقلد ابنه أيمن منصب وزير الإعلام ونائب الرئيس في حكومة عبد الرؤوف الروابدة العام 1999، فيما تولى ابنه أمجد وزارة العمل في حكومة فيصل الفايز التي شكلت العام 2003.

أما رئيس الوزراء الأسبق، وصفي التل الذي شكل أربع حكومات في الأعوام 1962 و1965 و1970، فقد تقلد شقيقه سعيد الوزارة لأول مرة في حكومة الشريف عبد الحميد شرف العام 1979 حين شغل حقيبة الإعلام.

تسلّم الوزارة شقيقان لرئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي الذي شكل حكومتين العامين 1993 و1997، ودخل الوزارة لأول مرة في حكومة عبد المنعم الرفاعي وزيرا للصحة، وهما عبد الوهاب المجالي الذي تقلد وزارة الاقتصاد في حكومة وصفي التل العام 1962، وعبد الهادي المجالي الذي تقلد وزارة الأشغال في حكومة عبد الكريم الكباريتي العام 1996.

بعض العائلات السياسية الأردنية كان حظها أوفر وأبرز في تقلد أعلى المناصب السياسية، فعائلة رئيس مجلس الأعيان، زيد الرفاعي، وصل ثلاثة منها إلى منصب رئيس الوزراء، هم زيد الابن، الذي كان أوفر حظاً من والده وعمه، حيث شغل منصب رئيس الحكومة دون المرور بمحطة الحقيبة الوزارية، وكان ذلك تحديداً في 22 تموز/يوليو 1973، ووصل عدد الحكومات التي شكلها إلى أربع كان آخرها في 1985.

أما الأب سمير الرفاعي فشكل أول حكومة له العام 1944 قبل أن يعود لتشكيلها في العام 1947 كأول حكومة في عهد المملكة التي أعلنت العام 1946، وكان دَخلَ الحكومة وزيراً للداخلية والمعارف في حكومة توفيق أبو الهدى الثانية في العام 1941. أما شقيقه عبد المنعم فقد شكل الحكومة لأول مرة العام 1969 بعد أن كان تسلم وزارة الخارجية لأول مرة في حكومة بهجت التلهوني العام 1967، وشكل حكومة ثانية في 1970.

عائلة بدران كان من نصيبها اثنان، فقد تسلم كل من الشقيقين مضر وعدنان رئاسة الحكومة. شكّل مضر الحكومة لأكثر من مرة في السبعينيات والثمانينيات، وكان آخرها في العام 1989. أما عدنان فشكّل الحكومة في العام 2004.

في المقابل، ترك وزراء سابقون وراءهم أبناء أو أشقاء شكلوا حكومات لاحقة، كان منهم أحمد الطراونة الذي دخل الوزارة لأول مرة في حكومة سعيد المفتي العام 1950 وزيرا للتجارة والزراعة وختم تاريخه الوزاري بتقلد منصب نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع في حكومة أحمد اللوزي العام 1972، وشكّل ابنه فايز الطراونة الحكومة العام 1998. وعاكف الفايز، الذي اعتذر عن تشكيل الحكومة في مطلع السبعينيات، جاء ابنه فيصل ليشكلها مطلع الألفية الثانية.

فيما يرى أبو غنيمة أن أحد أوجه تفسير هذه الظاهرة "أن منصب الوزير أو رئيس الوزراء، يوفر نفوذا لصاحبه في النخبة السياسية وشبكة علاقات تنعكس على تعظيم فرص ابنه أو شقيقه في دخول حكومة مقبلة"، لا تؤيد وزيرة السياحة مها الخطيب تعميم مثل هذا الحكم.

الخطيب تعتقد أن نشأة الشخص في عائلة سياسية أو في عائلة تقلد أحد أفرادها منصباً وزارياً، "لا يعني بالضرورة توفر الفرصة له لتقلد الوزارة". وتستدرك أن هذا التقييم ينطبق على الأقل على وضعها، «لكنه قد يوفر لآخرين مثل هذه الفرصة».

تُفضّل الخطيب تجنب ذكر الأسماء فيما هي تتحدث عن أن بعض الوزراء يصلون المنصب أحياناً «استناداً لنفوذ قريب أو علاقة قرابة»، وهي تعتقد أن هذه الحالات لا تصل إلى حد "الظاهرة السياسية".

حظ الإناث في «التوريث الوزاري» كان متواضعاً، لكنه لم يغب. وتسجل ذاكرة الحكومات الأردنية، التي فتحت الباب لمشاركة المرأة في الوزارة منذ مطلع الثمانينيات فقط، عددا من السيدات ممن خلفن آباءهن في الوزارة.

نائبة رئيس الوزراء وزيرة التخطيط السابقة ريما خلف التي تسلّمت وزارة الصناعة في حكومة عبد السلام المجالي العام 1993، سبقها للمنصب والدها محمد خلف الذي تسلم الوزارة لأول مرة في حكومة وصفي التل العام 1970. كذلك وزيرة السياحة والآثار الحالية مها الخطيب، وهي ابنة وزير الإعلام الأسبق محمد الخطيب، ووزيرة التنمية السابقة أمل الفرحان، وزيرة البلديات في حكومة فيصل الفايز العام 2003، والدها الوزير الأسبق حمد الفرحان، الذي تسلم منصب وزير الاقتصاد ليوم واحد فقط في حكومة سعيد المفتي المشكلة في 30 أيار/مايو 1955، حيث اعتذر عن الوزارة لعدم مشاورته فيها.

فضلاً عن رفض الخطيب عدّ توزير أبناء الوزراء «ظاهرة» في تشكيلة الحكومات الأردنية، فإنها تذهب أبعد بالقول إنها لا ترغب أن تراها «ظاهرة في حياتنا السياسية»، كما هو الحال في لبنان الذي تنتقل فيه الزعامة السياسية بالوراثة.

الأمين العام للحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، يرى أن مسألة توريث المنصب الوزاري «أعمق من ظاهرة»، وأنها «في الحياة السياسية الأردنية باتت حالة ثابتة». يقول: «إنها أسافين تدق في جسد الدولة الأردنية، ومفسدة تتزايد كلما تقدمنا في الحياة السياسية».

الشناق يعتقد أن توريث الوزارة والمنصب السياسي «لا يقتصر فقط على توريث هيبة المنصب أو مكانته الاجتماعية، بل يتعداه، في غالب الأحيان، إلى المفسدة السياسية واستغلال النفوذ».

لا يفصل الشناق تعمق ظاهرة التوريث السياسي في الحكومات الأخيرة عما يرى أنه «صراع الاستقطابات ومراكز القوى» الدائرة في ساحتنا السياسية، في ظل «غياب دور المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان».

ويدعو إلى العودة إلى الميثاق الوطني الذي «وُضع بتوافق شعبي وطني»، والذي يرى أنه «المدخل الصحيح لإطلاق التعددية السياسية والحزبية وحرية الصحافة، ما يرتقي بدور وآليات تشكيل الحكومات وإفراز المجالس النيابية».

رغم إشارته إلى أن ظاهرة القربى بين المسؤولين قائمة في دول عديدة في العالم، كما في حالة الرئيسين الأميركيين جورج بوش الأب وبوش الابن، فإن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد مصالحة يرى أن ظاهرة توزير الأبناء والأقارب «شائعة» في الأردن، ويبدو أنها «جزء من ترتيبات النظام السياسي».

يلفت مصالحة إلى أن لهذه الظاهرة «محاذيرها». ويضيف أن توزير الأبناء «يولد إحباطاً لدى شرائح اجتماعية وسياسية أخرى، ويعمّق الشعور بعدم تكافؤ الفرص». ويرى أن توزير الأبناء والأصهار والأقارب، «يدفع إلى إساءة استخدام المسؤول لسلطته بالمحاباة ودفع فواتير توزير القريب أو الابن».

يفسر مصالحة هذه الظاهرة بقوله إن تشكل النخبة السياسية الأردنية يقوم في إحدى روافعه الرئيسية على «صلة القرابة». ويقول: إنه في العديد من الحالات «يستغل الوزير أو المسؤول وصوله إلى المنصب الحكومي باستخدام نفوذه وبذل مساعيه لإيصال أولاده أو أشقائه للمنصب».

الدستور الأردني لا يحول دون وصول الابن أو الأخ إلى الوزارة أو تقلد المناصب السياسية. إلا أن مصالحة يرى أنها مع ذلك «ظاهرة غير مستحبة في بلد يسعى إلى التنمية السياسية ويسعى للعدالة في توزيع الموارد واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص لكل مواطنيه ومبدأ الكفاءة لا المحسوبية».

تعويم فرخ البط: التوريث الوزاري في الأردن: أكثر من سُنَّة وأقل من ظاهرة
 
25-Sep-2008
 
العدد 45