العدد 45 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

اتزانه ورباطة جأشه ميزة لا تخطئها عين، تطغى صفة التربوي على أدائه، ويمتاز بالصبر والجلد وطول البال.

يعد رمزاً إخوانياً وسطياً، غير أن خطوطه مفتوحة على باقي التيارات التي تصطرع داخل الجماعة. يؤمن بالديمقراطية والتعددية والحوار الذي يفضي الى نتائج.

ولد في إباء جبال السلط العام1933، ولطالما تعثر في صباه بالتربة الخصبة لبساتين عائلته وكرومها،وهو يروم مكمناً يطل منه إلى ما وراء نهر الأردن حيث تهفو القلوب إلى بيت المقدس.

ما زالت في بال الفتى الغض، صور انفجارات القذائف وطلقات التنوير في سماء فلسطين، غداة حرب 1948.

درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدرسة السلط، ومنها حاز المترك العام 1954.

«كانت المدرسة تشهد دفقاً كبيراً للأفكار والتيارات السياسية، فهناك الأخوان والشيوعيون والبعثيون بحكم توجهات المعلمين الذين "قدموا من جامعات خارج الاردن"، وأبرزهم عيسى مدانات وابراهيم الطوال شيوعيان، إبراهيم العابد وعلي خريس بعثيان، وغيرهم».

مال للتدين بحكم النشأة، وقادته خطاه وزملاء له إلى نادي الإخوان المسلمين حيث أمكنهم لعب الشطرنج والتنس والعاب أخرى، وكان الخيار الآخر نادي الاتحاد الذي يسيطر عليه القوميون العرب. تدريجياً انتظم في الجماعة. من المفارقة أن من شرح له ورهط من زملائه فكر وأهداف الإخوان، كان تقي الدين النبهاني الذي انشق عن الجماعة في ما بعد وأسس حزب التحرير.

ثلة من طلاب ثانوية السلط شدوا الرحال في كل عام الى بيت المقدس لإحياء ليلة السابع والعشرين من شهر رجب «ذكرى الإسراء والمعراج». بعدئذ دأب مع زملاء له على حضور المؤتمر الإسلامي العام الذي كان ينعقد كل عام بحضور علماء العالم الإسلامي، كمؤتمر اسلامي لبيت المقدس يجري فيه تدارس الحفاظ على المقدسات الاسلامية فيها، ومناقشة قضايا المسلمين بشكل عام. «المناسبة كانت عظيمة الأثر، فقد كنا على اطلاع، نلتقي علماء العالم الإسلامي من أمثال: عبد الحكيم عابدين، سعيد رمضان، سيد قطب رحمة الله عليه جاء سنة 1953، بشير الإبراهيمي، الفضيل الوثلاني، محمد ناصر المودوي وآخرين، نستمع لهم ونناقشهم وندعوهم الى زيارة الأردن، وقد وفد عدد منهم واحتفينا بهم».

شد الرحال الى بغداد دارساً في جامعتها، وحاز درجة البكالوريوس في الهندسة الزراعية العام 1958.

عمل في سلك التعليم بعيد عودته، ثم مديرا للمناهج في الوزارة، ومدير عام دائرة التربية والتعليم لمحافظة العاصمة 1981-1982 . الى أن حل أميناً عاماً للوزارة منذ العام 1982.

حاز إبان عمله في التربية على بعثة لدراسة الماجستير من University of Texas A&M العام 1967 والدكتوراه في التربية University of Texas A&M العام 1974 .

يُتهم من خصومه بأنه عمل مع زميله في الحركة الإسلامية إسحق الفرحان على إلحاق وزارة التربية والتعليم بالإسلام السياسي، في حين يرى آخرون «أن طبيعة الأردن المحافظة جعلت الاختلاف ليس كبيراً بين عربيات والفرحان وآخرين من مدارس فكرية مختلفة تولوا مسؤولية الوزارة، فقد كانا من أبناء الوزارة ولم يهبطا عليها بالمظلة».

وهناك مسؤولون آخرون تولوا الوزارة من ذوي التوجهات الفكرية المخالفة. يستشهدون على أهمية العمل الذي قام به عربيات والفرحان، وآخرون، بتقرير البنك الدولي عن التعليم في أربعين عاماً، الصادر العام 2007 واحتل به الأردن المركز الأول بين بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

أبعد عن الوزارة بمجيء حكومة زيد الرفاعي الثانية العام 1985، في مستهل الأزمة مع الاخوان، «التي شهدت إبعاد العديد من أعضاء الجماعة فضلاً عن تضييق أمني عليهم»، بحسب مقرب من الجماعة يرى أن «القلق من الإخوان تعاظم مع أحداث العام 1989 وعودة الديمقراطية، لكن عربيات والمرحوم أحمد قطيش الأزايدة لعبا دوراً تطمينياً، مناقضاً للدور التثويري الذي لعبه عبد المنعم أبو زنط وأحمد الكوفحي وآخرون».

أختير عضواً في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، وانتخب نائباً العام 1989 وأصبح رئيساً للمجلس، منذ العام 1990، ولثلاث دورات متتالية. تميزت فترة رئاسته بمرور المنطقة بأحداث جسام: حرب الخليج الأولى ومؤتمر مدريد . كان من ضمن القيادات الإخوانية التي تفاوضت مع مضر بدران على الدخول في حكومته بعد وضعهم شروطهم الـ 14 الشهيرة.

يعد عربيات أول إسلامي يصل الى رئاسة برلمان عربي، تلاه عبد الله الأحمر في اليمن.

ينقل عن النائب في المجلس الحادي عشر ورئيس اللجنة القانونية فارس النابلسي قوله: «إن عربيات اثخن اللجنة بمشاريع القوانين التي برسم التشريع، حتى اشتكى له من زخم العمل، فقال عربيات: هذه المرحلة لن تتكرر، علينا أن ننجز ما نستطيع من القوانين التي هي عماد الديمقراطية».

أنجز المجلس قوانين «محكمة العدل العليا، وإلغاء الأحكام العرفية، والأحزاب، والمطبوعات والنشر، وغيرها».

وقد صدق حدس عربيات، فمع مجيء حكومة عبد السلام المجالي الأولى 1993، جرى حل المجلس، وسمع رئيسه بخبر الحل من الإذاعة، ففضل أن يعود الى بيته بسيارته الخاصة بدلاً من سيارة رئيس المجلس.

انتخب أميناً عاماً لحزب جبهة العمل الإسلامي، وهو الأمين الثاني بعد اسحق الفرحان.

يعد شخصية ذات وزن اعتباري تحظى باحترام الدولة، مثلما هو حاله داخل الجماعة. يعزو مقربون استحداث منصب رئاسة مجلس الشورى الذي يحتله حالياً، الى هذا الاحترام والتقدير لشخصه.

ترشح في انتخابات 1993، ولم يحالفه الحظ، ويجادل بأن الانتخابات زورت لإسقاطه، وأن اسمه قد شطب بعد إعلان نجاحه.

حل عضوا في مجلس الأعيان 1993 - 1997، ومنحه الراحل الحسين لقب معالي رغم عدم استلامه لأي حقيبة وزارية.

فضلاً عن شغفه بالسياسة، يتولى عربيات رئاسة العديد من الجمعيات الخيرية والثقافية والاجتماعية، وعضوية العشرات من مؤسسات النفع العام كمؤسسة مكافحة التصحر وجمعية العفاف . شارك في مئات المؤتمرات المحلية والعالمية، وقدم خلالها عشرات البحوث وأوراق العمل، وأصدر العديد من المؤلفات والكتب المنشورة.

عيّنه الملك عبدالله الثاني عضواً في اللجنة الملكية للأجندة الوطنية العام 2005. ولاحظ زميل له في الأجندة لدى مناقشة قضايا المرأة، أن عربيات وخلافاً لما هو متوقع متقدم بطروحاته. يذكر هذا الزميل أنه ذهب وصافحه قائلاً له: أنت رجل تحب أمك وزوجتك وبناتك وشقيقاتك، وهو موقف ينم عن حب عميق وإدراك واسعين لدور المرأة».

ترشح مجدداً لانتخابات 2007 ولم يحالفه الحظ، يقول: ترشحت دون رغبتي وحمدت الله أني لم أنجح،، وما جرى فيها غني عن التعريف».

«عندما ترى الكثيرين ممن حازوا مناصب، تجد عربيات على خلاف منهم، فهو لم ينل نصيباً من الثراء، وما زال إنساناً بسيطاً منتمياً الى الطبقة التي جاء منها».. يصفه مقرب منه.

الوقت ما يحتاجه عربيات ليجلس ويكتب عن تجربته، لكن مشاغله بلا حد.. فيظل يمني النفس بوقت يلي.

عبد اللطيف عربيات: أول إسلامي يصل لرئاسة برلمان عربي
 
25-Sep-2008
 
العدد 45