العدد 45 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمّان انطلقت مسيرة التعليم الجامعي الخاص في بداية تسعينيات القرن الماضي. الطلبة الراغبون بالدراسة الجامعية ممن لا يُقبَلون في الجامعات الحكومية، شكّلوا الفئة المستهدفة بإنشاء جامعات خاصة، إضافة إلى أبناء المغتربين ممن لا تشملهم نسبة الـ5 بالمئة المخصصة للطلبة المغتربين في الجامعات الحكومية، لا سيما الطالبات؛ بينما يمثل المغتربون نحو 28 بالمئة من سكان المملكة. أدى ذلك إلى أن تكون واحدة من أولى الجامعات الخاصة جامعةً للفتيات، سُمّيت آنذاك «جامعة البنات الأردنية»، ثم تحول اسمها إلى جامعة البترا. القسم الأكبر من طلبة الأردن في بلاد الاغتراب كانت تستقطبهم جامعات أجنبية ذات مستوى متدنٍّ. إنشاء جامعات خاصة في بلد لم يعرف قبل ذلك سوى جامعات رسمية، لم يخلُ من مغامرة في البداية، لكن التجربة نجحت. ويحقق الاستثمار في الجامعات الخاصة عائداً يفوق أي استثمار آخر بسبب الطلب المتزايد على التعليم الجامعي الخاص من خارج الأردن من قِبل المغتربين الأردنيين والوافدين من بلدان عربية مجاورة، إضافة إلى طلبة من داخل الأردن لم تسعفهم القيود التي تحد من التوسع في القبول في الجامعات الرسمية كي يلتحقوا بها. يفسر ذلك كثرة الجامعات الخاصة التي زاد عددها على 20 جامعة تستقطب زهاء 35 بالمئة من الطلبة الجامعيين في الأردن. مع ذلك، يشهد التعليم الجامعي الخاص أزمة ، ليست معزولة عن أزمة التعليم في الجامعات الرسمية. التعليم الحكومي هو الأسبق، والأوسع حجماً بعدد طلبته ومدرّسيه، ويستقطب إمكانات الدولة من حيث التمويل والبنية التحتية والخبرة والطاقات البشرية المؤهلة. أزمة التعليم الخاص في جانب بارز منها تتمثل في سيادة منطق الربح وتعظيم الأرباح. أحد أبرز استخلاصات تجربة العالم المتقدم أن ميدان التعليم الجامعي، لا يخضع لاعتبارات الربح، وتديره مؤسسات مستقلة لا تهدف إلى الربح. في الأردن، باستثناء الجامعات الرسمية، لم تتوافر فرصة قيام جامعات غير ربحية، لا بمبادرة مجتمعية ولا بتوجه تشريعي. التربويون الأوائل الذين تبنوا فكرة إنشاء جامعات خاصة، تطلعوا إلى نموذج غير ربحي، لكن التشريع الذي اعتُمد للجامعات الخاصة، أسس منذ البداية لنموذج ربحي، واشترط لتأسيس الجامعات نشوء شركات تحوز على الترخيص من وزارة الصناعة والتجارة كأي مشروع استثماري آخر. الجامعات الأردنية الخاصة، لا تعني فقط أنها جامعات غير حكومية، بل هي مؤسسات ترمي إلى تحقيق أرباح بوصفها مشاريع استثمارية. بهذا فإن استخدام تعبير «جامعة أهلية» غير مناسب، رغم أن مفردة «أهلية» استُخدمت تاريخياً في الأردن مقابل مفردة «حكومية» أو «رسمية»، إلا أنها لا تكشف ما إذا كانت غايتها الربح أم لا. الجامعات المسماة «أهلية»، جامعات خاصة هدفها الربح. ويكون أكثر دقة إذا ما حُفظ مصطلح الجامعة الأهلية، للجامعة غير الحكومية وغير الربحية. قيام جامعات خاصة مثّلَ تجربة لها خصوصيتها، وفي غياب تحولها إلى مؤسسات غير ربحية، خسرت هذه التجربة فرصة أن تتحول إلى نموذج أردني متميز، يجمع ما بين الحاجة إلى استقلالية العملية الأكاديمية، وبين سعي رأس المال لتحقيق الربح. ينبغي تشجيع الجامعات الخاصة بالانتقال إلى هذا التوجه، بنشوء شراكة تشبه النموذج التنموي الذي رُوّج له في فترات سابقة بين القطاعين العام والخاص، كما يشدد على ذلك أكاديمي تولى مناصب قيادية في جامعات خاصة عدة: في هذه الحالة تنشأ شراكة بين قطاع خاص ربحي وقطاع أكاديمي مستقل. وفق هذه الرؤية، يكلَّف رأس المال بإنشاء البنية التحتية للجامعة الخاصة وصيانتها وتطويرها، مقابل عائد مجزٍ يتراوح بين 12 إلى 15 بالمئة، ويكون كمن يؤجر منشآته للقطاع الأكاديمي، إضافة إلى إدارة المرافق الخدمية في الجامعة، وفق الشروط السائدة من أسطول النقل إلى الكافتيريات والمطاعم إلى مساكن الطلبة وغيره. أما القطاع الأكاديمي، فيعمل تحت إشراف مجلس الأمناء الذي تُمثَّل فيه الشركةُ المؤسسة للجامعة، لكنها لا تملك سلطة القرار بما يتعلق بالحياة الأكاديمية. القطاع الأكاديمي في هذه الحالة هو صاحب الولاية، في ما يتصل بالبرامج الدراسية وبسياسة القبول والرسوم والهيئة التدريسية وكل ما يتصل بالعملية التعليمية، والعلاقة مع الجهة الحكومية المختصة. التعليم في الأساس حق للمواطن على الدولة. وبما أن التشريع منحَ الشركات حق تأسيس جامعات خاصة، فقد سعى لفرض رقابة حكومية على هذه الجامعات من خلال مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد. المجلس يمثل الجهة المعنية برسم سياسة التعليم العالي، والموافقة على إنشاء مؤسسات التعليم العالي في المملكة، وإقرار حقوق التخصص والبرامج في مختلف المستويات التي تدرس فيها. ويتولى هذا المجلس بالجامعات الخاصة تعيين رؤساء الجامعات الخاصة ومجالس أمنائها. أما الاعتماد فهو «اعتماد عام» يتعلق بمواصفات الحد الأدنى التي ينبغي توافرها في البنية التحتية للجامعات، و»اعتماد خاص» يتعلق بالخطط الدراسية وبعدد أعضاء الهيئات الدراسية ومؤهلاتهم. الاعتماد تولاّه في البدء «مجلس اعتماد مؤسسات التعليم العالي»، لكن تطوراً مهماً أصاب آلية الاعتماد بانتقالها من مجلس يرأسه وزير التعليم العالي والبحث العلمي إلى «هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي»، كهيئة مستقلة مالياً وإدارياً ذات قانون خاص صدر في العام 2007. قانون هيئة الاعتماد لم يكتفِ بتحديد وظيفة الهيئة في وضع معايير اعتماد مؤسسات التعليم العالي، وهو هنا معني بالجامعات الرسمية والخاصة على قدم المساواة، بل نصَّ على ضمان «الجودة»، وعلى إنشاء «مركز وطني للامتحانات»، وهذه مفاتيح تطور مستقبلية. «هيئة الاعتماد» وفق منطوق قانونها أشبه ما تكون بهيئة تنظيم قطاع النقل، أو هيئة تنظيم قطاع الاتصالات. وهنا تكمن المشكلة، لأن المطلوب في حالة التعليم عدم الاقتصار على مراقبة الالتزام بالمعايير الشكلية الموضوعة للاعتمادَين العام والخاص. لا يكفي مثلاً أن تلتزم جامعة ما بتوظيف عدد أعضاء هيئة التدريس المطلوب، إذا لم تكن هناك آليات رقابة علمية مستقلة على جودة المخرجات التعليمية. الذهنية البيروقراطية تدفع دائماً باتجاه الإمساك بسلطة الرقابة بما يُبقي زمام الأمور بيدها. وحتى حينما اقتنعت حكومات بفكرة الهيئات المستقلة لتنظيم القطاعات الاقتصادية كالاتصالات والتأمين والنقل، تجد هذه الفكرة مقاومة في مجالس النواب من خريجي البيروقراطية الحكومية، وفي مقدمتهم وزراء وموظفون كبار سابقون. مفتاح الحل بما يخص التعليم الجامعي الخاص هو ضبط الجودة، عبر جهة علمية مستقلة ومحايدة تأخذ على عاتقها تقييم العملية التعليمية من منهاج، وأساليب تدريس وتعلم، وتسهيلات لعملية التدريب وتطوير مهارات الخريجين، والامتحانات، وغيرها. الخبير التربوي الأردني المقيم في بريطانيا عصام النقيب، يؤكد أهمية تقييم البرامج الدراسية على أساس المخرَجات. يضيف بأن فائدة التقييم تكتمل بنشر نتائج التقييم على الرأي العام. وعندما تتوافر إمكانية التقييم للعملية التعليمية على هذا النحو، فإن دور هيئة الاعتماد يصبح «أكثر بساطة» ويختص في الجانب التنظيمي فقط. التقييم محفّز على ضبط الجودة وعلى التنافس الذي يولّد الإبداع. وعند ذاك، فإن كثيراً من القرارات والإجراءات لا تُعد ذات قيمة. فمثلاً يشترط مجلس التعليم العالي أن تكون علامة الحد الأدنى للقبول في الجامعات الخاصة 55 يالمئة، وكان المجلس قد رفع العلامة في سنوات سابقة إلى 60 بالمئة. إن الحيلولة دون قبول الناجحين في شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) ممن تقل معدلاتهم عن 55 بالمئة في الجامعات الخاصة، يتعارض مع وظيفة التوجيهي الأساسية بوصفه جواز مرور للتعليم العالي. إن أمراً كهذا ينبغي أن يُترك للجامعات نفسها أن تقرر بشأنه ما تراه مناسباً من منطلق استقلاليتها وخصوصيتها، ومن منطلق أن التقييم يكون «بَعدياً» للمخرجات، وليس مسبقاً لعلامات الطلبة في التوجيهي. التقييم المعلن للجامعات الخاصة يدفع للارتقاء بوضع هيئاتها التدريسية من حيث العدد، والمؤهلات والخبرات، وشروط العمل، إذا كانت تنشد تحسين قدرتها الاستقطابية للطلبة، بينما تُعد هذه المشكلة حالياً أبرز المشاكل التي تعاني منها. |
|
|||||||||||||