العدد 44 - حريات
 

محمد شما

يحتفل الأردن –أسوة بالأسرة الدولية- باليوم العالمي لكبار السن، الذي يصادف في الأول من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام.

إضافة إلى فعاليات وأنشطة معتادة يُتوقع أن تقام في هذا اليوم، بتنظيم ورعاية من مؤسسات حكومية وهيئات خاصة معنية بالمسنين، فإن وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية والمجلس الوطني لشؤون الأسرة، تعمل معاً على إعداد استراتيجية وطنية لكبار السن، سوف يتم إطلاقها في يوم المسنين العالمي، وذلك بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى والمجلس التمريض الأردني وجهات أخرى.

ورغم ما يبدو من جهد لمساعدة المسنين على مواجهة صعوبات الحياة، عبر استضافتهم وإيوائهم في دور رعاية خاصة بهم تتوزع على مناطق مختلفة من المملكة، وعبر معونة يقدمها لهم صندوق المعونة الوطنية، إلا أن هذه الفئة تحتاج إلى الكثير كي تتوافر لها الحياة الكريمة والرعاية المناسبة، في ظل ما يبدو تجاهلاً مجتمعياً لقضاياهم، وغياب برنامج وطني حقيقي أو جدّي للتعاطي مع ما يواجههم من تحديات.

جميلة (80 عاماً) حاولت طوال سنوات أن تستجدي عطف من حولها، لكنها وقعت ضحية إهمال تضافر فيه أبناؤها ووزارة التنمية الاجتماعية معاً، فأصبحت هائمة على وجهها في وسط البلد نهاراً، وتأوي في الليل ببيت من الزينكو بالكاد يقيها حر الصيف وبرد الشتاء. لجميلة ابنان، لكنها «لا تعترف» بهما بحسب تعبيرها، وتقول إنها تتفهم على عدم قيامهما بزيارتها.

صبحا (75 عاماً) تعيش وحيدة هي الأخرى، وهي بلا أولاد. «واحد من جيراني يتصّدق علي ويعطني نصف دينار أو دينار يومياً»، تقول صبحا التي توفي زوجها منذ خمس سنوات، وهي تحتاج إلى أدوية، لكن ليس لديها المال لشرائه. «وحدي أعيش، ولا أتقاضى أي مبلغ من الحكومة، لا أريد شيئاً من أحد» تقول في إطراقة حزينة.

دار الضيافة (الأسرّة البيضاء) الواقعة في الجويدة، واحدة من بين ستّ دور رعاية تستقبل كبار السن بتنسيب من وزارة التنمية الاجتماعية. يقطن في الدار 68 مسناً و41 مسنة، على نفقة الوزارة؛ فيما تستقبل جمعيات تطوعية متفرقة 21 مسناً و41 مسنة على نفقتهم الخاصة؛ وتستضيف مراكز خاصة موزعة في المملكة 36 مسناً و48 مسنة على نفقتهم أيضاً أو على نفقة ذويهم.

وفق تقديرات جمعية أصدقاء كبار السن، هناك 231 مسناً يقيمون في دور رعاية العجزة في المملكة، يقطن 127 مسناً منهم في دور تابعة لـ«التنمية»، والباقون تأويهم 5 دور خاصة.

حلوة (77 عاماً) تتقاضى مبلغ 36 ديناراً شهرياً من صندوق المعونة الوطنية، ضمن الدعم الحكومي المخصص لكبار السن. «أدفع 30 ديناراً بدل إيجار الغرفة التي أعيش فيها، ودينارين مواصلات لـ(الصندوق) كل شهر، ويبقى معي أربعة دنانير مصروف حتى آخر الشهر». حلوة بلا عائلة، وتعاني من السكّري. «كنت أعمل في البيوت أمسح وأكنس»، تقول وهي تؤشر على بقايا خبز وبندورة وزعتر، هي كل ما لديها من «مونة» تصدّق بها الجيران عليها.

فاطمة (79 عاماً)، تعيش وحدها أيضاً. «زوجي مات. ووحدي أعيش في غرفتي، لا أريد معونة ولا أريد أن يساعدني أحد». تتقاضى فاطمة 36 ديناراً من صندوق المعونة الوطنية، لا تكفيها لتوفير الطعام ولا لدفع إيجار الغرفة التي تقطن فيها.

سميرة فاخوري، رئيسة جمعية أصدقاء كبار السن، ترى أن هناك عقبات تواجه الجمعيات المعنية بكبار السن، ومعظمها عقبات مادية. تقول: «لا أحد يساند المسنين، كثيرون منهم يهيمون في الطرقات إنهم يعيشون للأسف على الهامش».

فاخوري تطالب وزارة التنمية بدعم جمعيتها. لكن الوزارة «لا يمكنها تقديم الدعم إلا لجمعيات تطوعية معينة تخضع لشروط الوزارة المتعلقة بالإشراف والرقابة الدورية»، وهو ما لا يمكن لجمعية أصدقاء كبار السن توفيره، بحسب هيفاء زلوم، مسؤولة قسم المسنين بالوزارة.

«نريد أن يكون هناك تسهيلات للمسنين»، تقول فاخوري التي تقترح تطبيق فكرة «البطاقة الخاصة» لمساعدة المسن في شراء مستلزماته، ومراجعة المؤسسات الطبية. فاخوري تقترح أيضاً أفكاراً خلاقة لتقديم الرعاية للمسنين، مثل «البيت البديل» و«قرية المسنين» و«التمريض المنزلي». لكن ذلك كله، يبقى حبراً على ورق أمام عقبات ذات صلة بعمل الجمعيات التطوعية في الأردن ونطاق اختصاصها.

تنسق وزارة التنمية الاجتماعية مع صندوق المعونة الوطنية، لمساعدة المسنين ودعمهم. إذ يتم صرف معونة شهرية ثابتة لكل مسن داخل أراضي المملكة، إضافة على شموله بتأمين صحي، إما تلقائياً، بمجرد حصوله على المعونة، أو عبر النظام الذي أقرته وزارة الصحة أخيراً، حيث يدفع المسن 6 دنانير فقط سنوياً. لا يجوز الجمع بين التأمينين، بحسب زلوم التي توضح: «يتم إلغاء الأول لصالح الثاني، أو الثاني لصالح الأول».

الوزارة تتكفل بدفع 230 ديناراً شهرياً لدار الضيافة (الأسرة البيضاء)، بدل إيواء المسن الواحد. «إذا كان للمسن راتب تقاعدي، نخصم من ما ندفعه بدل رعايته وإيوائه بمقدار الراتب الذي يحصل عليه»، وفي حال كان المسن يتلقى المعونة من «الصندوق»، يُصرف له مبلغ عشرة دنانير تضاف إلى الـ230 ديناراً، كما يتم شموله بالتأمين الصحي.

الوزارة توافق على إيواء المسن، إذا قدم تقارير تثبت أنه لا يتقاضى راتباً تقاعدياً ولا يملك أراضي أو عقارات. ويتم التنسيق صندوق المعونة لاستيفاء المعلومات المتعلقة بالمسن، والتأكد من حاجته لـ»الإيواء» والرعاية.

دراسة للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، كشفت عن أن 4-7 بالمئة من كبار السن يعانون من أشكال الانتهاك في المنزل وعدم حصولهم على جميع حقوقهم. وتصل نسبة المسنين في الأردن إلى 6,4 بالمئة من مجمل السكان، وتتوقع الدراسة أن ترتفع نسبتهم «بسبب التحسن الذي طرأ على الخدمات الصحية والتغذية، وزيادة التعليم، وانخفاض نسبة الوفيات».

تشير الدراسة إلى أن عدد كبار السن الذين تجاوزوا الستين عالمياً، وصل في العام 2001 إلى 688 مليون مسن، ومن المتوقع أن يبلغ عددهم 2 بليون بحلول العام 2050.

وزارة التنمية الاجتماعية، من باب تسهيل تقديم الخدمة للمسن، تتجاوز شرطَ امتلاكه الرقمَ الوطني. «نأخذ في الحسبان الجانب الإنساني، ونخفف الشروط» تقول زلوم، وتضيف: «وزارة الصحة لا تعالج من لا يملك الرقم الوطني، لكن مظلتنا أوسع في (التنمية)».

تكشف زلوم عن وجود مسنين من جنسيات عدة في دور الرعاية التابعة للوزارة، من بينها الهندية والباكستانية، ويصل عدد هؤلاء إلى 20.

كثير من المسنين ما زالوا بانتظار دورهم للحصول على المعونة من «الصندوق»، وهي معونة لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومسكن وعلاج.

زلوم تؤكد أن وزارة التنمية تواجه عقبة رفض بعض المسنين اللجوء إلى دور الرعاية التابعة لها. «نحاول جاهدين إيجاد حل بديل، ربما يكون ذلك من خلال الأسرة البديلة للمسن». وكانت «التنمية» رصدت 150 ألف دينار في العام 2007 ضمن برنامج «شراء خدمات للمسنين»، بحسب زلوم التي لم تكشف عن المبلغ المرصود لهذا العام.

تأخذ الإساءة ضد كبار السن الأشكال التالية: التسبب بالألم أو الإصابات الجسمية، والاستخدام غير المشروع لأموالهم وممتلكاتهم، والإساءة النفسية والعاطفية من استغلال وتهديد وتحقير، وعدم تلبية حاجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومأوى ورعاية صحية.

مؤسسة الضمان الاجتماعي، «غير معنية بهذه الشريحة من المجتمع»، وفق الناطق الإعلامي للمؤسسة، خالد قصير، الذي يوضح: «هناك مؤسسات حكومية أخرى تقدم خدماتها للمسنين، كوزارة التنمية وصندوق المعونة»، ويضيف: «ليس لدينا خطط مستقبلية لشمول هذه الفئة بالضمان الاجتماعي».

كانت الحكومة قررت فتح مظلة التأمين الصحي الاختياري للفئات العمرية بين 7 أعوام و60 عاماً، فيما وافق مجلس الوزراء على تخصيص سبعة ملايين دينار سنوياً في مشروع قانون الموازنة لشمول كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً في هذا التأمين.

المجلس الوطني لشؤون الأسرة، أطلق في العام 2007 استراتيجية لتمكين كبار السن من المشاركة في المجتمع، والقضاء على أشكال العنف والتمييز ضدهم، والالتزام بتحقيق المساواة بين كلا الجنسين، بإضافة إلى تحسين نوعية الحياة، وتمكين المسنين من العيش باستقلالية. مديرة وحدة السياسات في المجلس منى هندية، تقول إن المجلس يعمل على نشر التوعية بالتعامل مع المسنين، ونشر الرعاية الصحية المنزلية لهم، عبر إصدار كتيبات وتوزيع منشورات خاصة بذلك.

يُذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة حددت يوم 1/10 من كل عام للاحتفال باليوم العالمي لكبار السن، وذلك في اجتماعها الذي عقدته بتاريخ 14 كانون الأول/يناير 1990.

يصادف في 1 تشرين الأول: لا عزاء للمسنين في يومهم العالمي
 
18-Sep-2008
 
العدد 44