العدد 44 - ثقافي
 

مراجعة: توبي كريغ جونز *

الأمن القومي

في المملكة العربية

السعودية:

أخطار، استجابات

وتحديات

تأليف: أنثوني إتش كوردسمان ونواف عبيد

الناشر: ويست بورت، كونيكتيكت: براجر سكيوريتي إنترناشنال، 2005

عدد الصفحات: 439 صفحة

تقع المملكة العربية السعودية في منطقة صعبة وقاسية. فخلال القرن العشرين اندلعت حروب إقليمية وكونية في منطقة الخليج الفارسي، وفي صورة خاصة حرب العراق التي عصفت باستقرار المنطقة في مطلع القرن الحادي والعشرين. وقد تضافرت فترات الانتقال السياسية ما بعد الكولونيالية والحرب الباردة والجغرافيا السياسية والقومية والعامل الإثني والديانة والنفط، في توفير غطاء للعنف، ما جعل منطقة الخليج واحدة من أقل المناطق استقراراً على الأرض. وقد شعر القادة السعوديون بأنهم مهددون في صورة خاصة، هم الذين تحتضن بلادهم أكبر احتياطي نفطي في العالم، ما جعل ثرواتهم ومنذ زمن طويل جائزة مرغوباً فيها. وقد ضمنت الولايات المتحدة، الداعم العسكري للسعودية في الجزء الأعظم من القرن الماضي، أمن السعودية مقابل النفط، ولكن تلك الشراكة فرخت من النزاعات بقدر ما منعت. وعلى الرغم من أن هذه العلاقات مرت بفترات مد وجزر على مر الزمن، فإن التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران ومصر والعراق والأردن، وحتى إمارات الخليج الصغيرة، مثلت هي الأخرى سبباً لقلق كبير. وفي البلاد، كان حكم آل سعود غير مستقر، وكانت العائلة الحاكمة تتمتع بالدعم، فقط، بمقدار ما يمكن شراؤه بعوائد النفط. ومع دعم اجتماعي قليل، فإن التهديدات الداخلية بدت في بعض الفترات، في خطورة التهديدات الخارجية.

كان المفهوم القائل إن التهديدات العديدة تكمن في كل زاوية حول البلاد، قد هيمن على صناعة السياسة السعودية المحلية والخارجية، ومن المؤكد أن قادة المملكة كانوا شهوداً على إنفاق بلايين الدولارات في متابعة أمن قومي مراوغ، ففي كتابهما "الأمن القومي في المملكة العربية السعودية" يتعرض أنثوني إتش كوردسمان ونواف عبيد للأخطار التي تبدو الأكثر تهديداً للمملكة، ويقترحان طرقاً للتعامل معها. يشير المؤلفان إلى أن السعودية سوف تبقى عرضة للتكدير بفعل عدد من الهموم الأمنية الخطيرة، وذلك على الرغم من أن أياَ منها لا يبدو من الخطورة بحيث يؤدي إلى قلب نظام حكم آل سعود.

وفي العقدين الأخيرين من القرن العشرين، كانت الهواجس الأكثر إلحاحاً بالنسبة للسعودية تنبثق من اعتقاد بأن جيرانها، وفي مقدمتهم العراق وإيران، قد وضعوا خططاً للاستيلاء على أراض سعودية، أو للقضاء عليها أيديولوجياً. وعدّ القادة السعوديون كلا التهديدين خطيرين جداً. وفي بعض سنوات الثمانينيات والتسعينيات، أنفقت السعودية ما يعادل 40 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي على شراء معدات عسكرية. وفي الثمانينيات هدفت المملكة من دعمها للجهاد في أفغانستان، وفي صورة متزامنة، إلى محاربة السوفييت، وإلى منع امتداد الحماسة الثورية الإسلامية بصيغتها الخمينية إلى جمهوريات آسيا الوسطى. وفي العام 1991 أدى قلق السعودية من الأطماع الإقليمية لصدام حسين إلى دعوة مئات آلاف الجنود الأميركيين لإخراج القوات العراقية من الكويت.

لقد تغير الكثير في العقد الذي تلا عاصفة الصحراء، ويجادل كوردسمان وعبيد في أنه لا إيران ولا العراق يمثل تهديداً عسكرياً تقليدياً، ولإثبات ذلك، فإنهما يوثقان، وبالتفصيل، الإمكانيات العسكرية والأمنية للسعودية، ولجارتيها المحبتين للحرب، وكذلك لليمن. وفي ما يقترب من أن يكون تحليلاً موسوعياً للإمكانيات الجوية والبرية والبحرية لكل بلد، بما في ذلك مناقشات مكثفة لمنظومات الأسلحة والموجودات من قطعها وإمكانيات عرض القوة، يثبت المؤلفان أنه على الرغم من أن السعودية تعاني من أوجه قصور خاصة بها – وبخاصة غياب الشفافية والتعاون بين أجهزة المملكة الأمنية والعسكرية – فإن القوة العسكرية لمنافسيها الإقليميين قد تآكلت في صورة كبيرة في العقد الماضي.

بالرغم مما يبدو من عدم وجود خطر تقليدي حقيقي يهدد السعودية، فإن كوردسمان وعبيد يبرهنان على وجود أخطار أخرى. أولها أن سعي إيران المزعوم لحيازة أسلحة نووية يشكل مصدر قلق كبير قد يكون مدمراً لأمن السعودية. وعلى الرغم من تقادم قوتها العسكرية، ما زالت إيران قادرة على استخدام أنظمتها المهترئة لتشيع الفوضى في الخليج من خلال وسائل غير تقليدية. إلا أن المؤلفين لا يقدمان تحليلاً بسيطاً للأسباب التي قد تدفع إيران للقيام بذلك. من ناحية أخرى، يبدو أن العراق سيظل على حاله من عدم الاستقرار في المستقبل القريب، الأمر الذي يشكل تهديداً آخر لأمن السعودية. دوامة العنف هناك قد تطاول المملكة العربية السعودية. الخطر الثالث يتمثل في هشاشة الحدود اليمنية السعودية التي تتيح المجال أمام نقل كميات ضخمة من الأسلحة وأعداد كبيرة من الناس الراغبين في استخدام ذلك السلاح لإيقاع الأذى بالسعودية.

يؤكد المؤلفان أن التحدي الأكثر إلحاحاً أمام السعودية هو إمكان استمرار التطرف الإسلامي. ويجادل كوردسمان وعبيد في أن رد الفعل السعودي الشديد أدى إلى تراجع خطر التطرف المحلي منذ 2003، عندما نفّذ مسلحون موالون للقاعدة تفجيرات متزامنة استهدفت مجمعات سكنية غربية. لكن المؤلفين يشيران إلى أن درجات الأمن القصوى لا تكفي لمعالجة المشكلة على المدى الطويل، وأن أفضل ترياق لعدم الاستقرار المحلي هو إشراك المزيد من السعوديين في المشهد السياسي. كما يحثان القادة السعوديين على تبني برنامج إصلاح واسع يتعاطى مع التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية.

ربما كان البحث في التطرف الإسلامي والحاجة إلى الإصلاح من المواضيع ذات الاهتمام الخاص لمن يحدوه فضول حول العلاقة بين الأمن والسياسة المحلية في السعودية. لكن للأسف، فإن هذا هو الآخر من أكثر نقاط التحليل ضعفاً في الكتاب. فبالرغم من أن كوردسمان وعبيد يلحّان على القادة السعوديين لبذل مزيد من الجهد في التعامل مع الجماعات المسلحة والإصلاح، فإن الأجزاء التي تتعلق بهذه المسائل غالباً ما تأتي تبريراً أو اعتذاراً عن الخطوات التي تم اتخاذها في هذا المجال، عوضاً عن أن تكون بحثاً نقدياً أو وافياً في الخطوات اللازم اتخاذها تالياً. منذ الانطلاقة الأولى للتطرف المحلي في السعودية، كانت الكتابات التحليلية في السعودية نفسها، وفي أوروبا والولايات المتحدة، تبحث بكثير من التفصيل في الحاجة إلى الإصلاح. الكتاب الذي بين أيدينا أخفق في التعاطي مع أي من هذه الأعمال السابقة، وللأسف فإنه لم يقدم إلا القليل مما هو جديد في هذا المجال. لكن قوة الكتاب تكمن في بحثه المفصل للأجهزة العسكرية والأمنية وقدراتها، وهو ما سيكون مثار اهتمام المحليين في مجالات السياسة والدفاع.

* قسم التاريخ في جامعة روتجرز، نيو برونزويك، نيو جيرزي

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

السعودية والعيش في أقل مناطق العالم أمناً
 
18-Sep-2008
 
العدد 44