العدد 7 - اعلامي | ||||||||||||||
عادت وزارة الإعلام في الهيكلية الجديدة لرئاسة الوزراء، وأصبح لدينا وزير دولة لشؤون الإعلام، هو نفسه الناطق الرسمي باسم الحكومة منذ سنوات عديدة. ومثلما كان إلغاء الوزارة شكلاً دعائياً افتقر إلى أي مضمون حقيقي، ولم يعبر عن إرادة عصرية بالتغيير، جاء الشكل الجديد ليعكس رؤية قديمة لعلاقة الحكومة بالإعلام، ولعجزها عن استيعاب التغيّر الهائل في هذا الحقل، والإصرار على بناء هياكل متداعية في عالم كثير الزلازل. تحتاج القوانين المتعلقة بالإعلام، وما أكثرها في بلادنا، إلى مفردة “وزارة” أو دائرة “اتصال”، وتحتاج السياسات الإعلامية الموغلة في الطوارىء والهواجس الأمنية إلى وزير يسيطر بقوة على أداء الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية والصحف المملوكة للحكومة، ويكون وحده لا غيره القادر دوماً على تعريف “إعلام الوطن» و”المصلحة الوطنية” والبحث عن أنجع الوسائل لتحقيقها. ومن حقه أيضاً أن يتحدث بإسهاب عن الاستقلالية الممنوحة لمجالس إدارات المؤسسات الإعلامية، وعلى الناس أن تراقب جدية هذه الاستقلالية وجدواها، مثلما حدث في الوقائع الكوميدية الركيكة والمحزنة لاستقلالية مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، مثلاً! الناطق الرسمي القديم، أو وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، استبدل المبنى الأثري الذي كان رابضاً على الدوار الثالث بمكتب في رئاسة الوزراء، لكنه لم يستبدل ذهنية تأسس عليها ذلك المبنى وحكم عقوداً سياسة دولة، فأعاد خيوط اللعبة إلى يديه، أو ظنّ أنه أعادها على وجه الدقة، لولا أن العالم المتجدد شيّد كرةً أرضية أخرى من المعلومات في الفضاء، واخترع الإنترنت، ليحطّ بالإنسان في مدارات أكثر حرية ورحابة، ويدع حكومات العالم الثالث تتلذذ بأوهامها، ومحطاتها الأرضية، ووزراء إعلامها! الوزير ناصر جودة جاء مع الحكومة الجديدة حاملاً حقيبة الإعلام والاتصال، لكنه أصرّ فور توليه هذا المنصب على التأكيد بأنه “لا يوجد عودة لوزارة الإعلام بالمفهوم الذي كانت موجودة عليه في السابق” معتبراً بأن المسألة برمتها ذات صلة بـ”استحداث منصب وزاري في هذا الإطار” للشخص نفسه الذي تولّى ملف الإعلام في السنوات الماضية، ولم يقل لنا شيئاً عن المفهوم “المستحدث” .. مكتفياً بالإشارة إلى أن هناك “توجهاً لإعداد استراتيجية كاملة للإعلام» ! بالطبع كل ذلك يحدث في نهاية العام 2007، قطعاً لظنون أي قارىء التبس عليه الأمر، وظنّ أن الكلام والحدث والاستراتيجية من إنتاج حقبة تجاوزها التاريخ والعالم، كالحرب الباردة مثلاً، أو مرحلة الإعلام الشمولي الذي لا يكون إلا للدولة التي لا تشعر بكينونتها فعلا إلا إذا كان لديها رجل إعلام، تسميه ما تشاء، فتارةً ناطقاً رسميّاً، وتارة وزيراً، وعليه في كل الأحوال أن يعيد أمجاد شاعر القبيلة، لساناً ودوراً وحضوراً على قمة هرم كل مؤسسة “مستقلة” ومفكراً استراتيجياً وراء كل «استراتيجية كاملة»! فالدول التي تتوهم الخطر، وتعيش تحت رهبة الطوارىء، وإن ذهبت أسبابها ومسوّغاتها، لا تستغني عن عقل القبيلة، ولا عن الإحساس بضرورة شاعر القبيلة للذود عن قبليّتها ومركزيتها وذعرها الداخلي المزمن، في سياق مُحكم من الحرص الشديد على الماضي، الذي يزدري الحديث والعصري والمتغيّر! تبعاً لذلك، لا يتوقع أحد من “الاستراتيجية المتكاملة” التي برر بها الوزير عودة الوزارة أو المنصب أي تحرك باتجاه القوانين المذعورة من المعرفة والمجتمع، ولا أي عزم جاد على لملمة الفوضى في المؤسسات الإعلامية، ومنحها استقلالاً فعلياً، بدلاً من إعادة تشكيل مجالس الإدارة، وإعادة المتقاعدين المجربين إلى سدتها، والمضيّ في سياسات الاسترضاء البالية، أو إعادة إنتاج الفشل! كما لن تجرنا الظنون إلى أن الاستراتيجية ستلغي المجلس الاستشاري المختبىء خلف المجلس الأعلى للإعلام، وتستبدله بدعم برامج نقابة الصحفيين في التدريب، أو أنها ستسارع إلى بيع حصة الحكومة في صحيفتي “الرأي” و”الدستور” وتتوقف عن التدخل في قرار التحرير، وتغلق تالياً المنابر الصحافية التحريضية إلى الأبد! لا يتوقع أحدٌ شيئاً، ولذلك فإن أي أمل لن يخيب، وكل ما يتبقى مزيد من الكلام عن «حرية الإعلام” و”إعلام الوطن” وربما “إصلاح الإعلام” في مناسبة الإنشاء المتكرر والمألوف عن سلسلة “الإصلاحات” الموعودة ، وذلك في ما تبقى من أشهر تستهلكها الحكومة إلى أن ترحل.. ونبقى نحن، وتبقى بلادنا في ذلك الانتظار الطويل! |
|
|||||||||||||