العدد 44 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

فقدت الخزينة خلال السنوات الماضية بلايين الدنانير من العوائد الضريبية التي كان من الممكن أن تأتي من ضريبة الدخل، على قطاعات يسيطر عليها بالعادة الأغنياء وأصحاب رؤوس أموال مثل: العقار، والأسهم، وتجارة الأراضي، والمقاولين.

كما دمر النظام الضريبي المطبق بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الصناعة والزراعة، إذ أثقلت عليها بضريبة الدخل التي حملتها ما يفوق قدرتها وأضعفها وأدى إلى إغلاق العديد من مؤسساتها خلال السنوات الماضية.

وتبدو الفرصة سانحة لتعويض خسائر العقود الماضية من خلال القانون الذي تعكف الحكومة على دراسته تمهيداً لعرضه على مجلس النواب في دورته العادية المقبلة، وتتمثل أهمية هذا التشريع الحيوي في أنه ينعكس على المستوى المعيشي للمواطنين وأسرهم، لا سيما وأن الضرائب تشكل جزءاً لا يستهان به من دخل الفرد الأردني.

نصت المادة 111 من الدستور الأردني على ما يلي: "لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون، ولا تدخل في بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد أو مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة، وعلى الحكومة أن تأخذ في فرض الضرائب التصاعدية مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وألا تتجاوز مقدرة المكلفين على الأداء وحاجة الدولة إلى المال".

وقد بات الجميع يعلم أن القانون رقم 14 لسنة 1995 والمطبق اعتباراً من 1/1/1996 خالف النص الدستوري أعلاه، وكذلك التعديلات اللاحقة على هذا القانون، بالإضافة إلى مخالفة القانون المطروح حالياً لذلك النص الدستوري.

فالتعديلات أتت استجابة لضغوط قوى رأس المال في غياب قوى الغالبية العظمى من الناس و/أو عدم قدرة هذه الغالبية على التصدي لهذه القوى خلال العشرين سنة الماضية من عمر الدولة الأردنية.

وأدت هذه التعديلات إلى انخفاض إيرادات الخزينة من الضريبة على أرباح الشركات والأفراد على حد سواء، ما دفع الحكومة للتعويض عن ذلك باللجوء إلى قانون ضريبة المبيعات البالغة نسبتها 16 بالمئة.

ويعتبر التوسع في قانون ضريبة المبيعات وإحلاله مكان قانون ضريبة الدخل خطأً كبيراً، كونه لا يحقق العدالة في توزيع العبء الضريبي، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمات بسبب إخضاع بعض مدخلات الإنتاج لنسبة الضريبة على المبيعات، ما وضع هذين القطاعين أمام العديد من التحديات التي ترجمت بإغلاق العديد من المصانع في هذه القطاعات.

ويلاحظ أن التعديلات التي تضمنها التشريع الجديد شملت تخفيض إيرادات الخزينة من ضريبة الدخل على الدخول العالية للأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، ما سيحرم الخزينة من مبالغ كبيرة.

لقد طرأت تغيرات عديدة على السياسة الضريبية تجاه دخول الأشخاص، سواء كانوا أفراداً طبيعيين أو معنويين، من حيث النسب الضريبية التي كانت سارية بموجب القانون حتى منتصف التسعينيات والسارية بموجب القانون الحالي، فمثلاً كان القانون المعدل رقم 14 لسنة 1995، وما تبعه من تعديلات، متساهلاً مع أصحاب الدخول المرتفعة، سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو معنويين، فبعد أن كانت الإعفاءات في حدودها الضيقة، جاء القانون الساري خلال الفترة من 1/1/1996 حتى تاريخه وتعديلاته، ليزيد من حالات التهرب القانوني من دفع استحقاق الخزينة.

ومن أبرز المحاور التي قدمت فيها الامتيازات للأغنياء، أن القانون رقم 57 لسنة 1985، أعفى أرباح الأسهم والأراضي والعقارات والسندات من ضريبة الدخل وتم إسقاط هذا الإعفاء في القانون رقم 4 لسنة 1991، والقانون رقم 14 لسنة 1995، وعاد الإعفاء ليتجدد ابتداءً من القانون رقم 39 لسنة 2003، والساري اعتباراً من 30/4/2003.

لقد شهد سوق رأس المال نشاطاً ملحوظاً خلال السنوات 2005 وما بعدها، ما يجعل من عودة المشرع إلى إخضاع هذه الأرباح سياسة مالية وطنية واجبة بعد أن نما هذا القطاع على حساب قطاعات اقتصادية أخرى منها السوق المالي، نظراً لاختلاف العائد المتحقق في هذا السوق.

لقد خسرت قطاعات الصناعة والزراعة حصتها من الدخل القومي لصالح تقدم حصة القطاع المالي سواء كان مصرفياً أو سوقاً مالياً، حيث بلغت أحجام التداول في السوق المالي للسنوات 2005، 2006، 2007 مبلغ 17 14 و 12 بليون دينار على التوالي، وبمجموع مقداره 43 بليون دينار، وبافتراض أن صافي ربح هذا النشاط بلغ نسبة 10 بالمئة فإن صافي الأرباح المتحققة الخاضعة للضريبة يبلغ 4.3 بليون دينار، وبإخضاع هذا الدخل المفترض للنسبة بحسب القانون رقم 57 لسنة 1985، فإن المبالغ التي حرمت منها الخزينة تناهز 2.1 بليون دينار.

يذكر أن واردات الخزينة من الرسوم التي تتقاضاها هيئة الأوراق المالية من التداول في السوق المالي يساوي صفراً، ومن المنتظر أن تحقق دخلاً للخزينة لعامي 2009/2010.

وهنا يبرز سؤال مهم حول العوائد الحقيقية التي ترجوها الخزينة من هذا الواقع. في الوقت الذي يساهم فيه الموظف الصغير في واردات الخزينة، بعد إخضاع راتبه لضريبة الدخل، والذي لا يكفي حاجاته من السلع والخدمات التي أثقلت من قدرته على تسديد الضريبة العامة على المبيعات المفروضة على هذه الحاجات.

ويوفر فرض ضريبة على المتاجرة بالأسهم فرصة لخلق سوق مالية ناضجة لا تقوم على المضاربة، بل تركز على الاستثمار الطويل، الأمر الذي يعطي قوة وثباتاً للسوق. 

إلى ذلك، لم تخضع أرباح بيع الأراضي أو العقارات إلى ضريبة الدخل بحسب الأصول والقانون، ورغم أن معاملات بيع الأراضي والعقارات لم تخضع لوجهة محددة لمتابعة نشاطها ومعرفة حجمها، إلا أن نشرة وزارة المالية أشارت إلى أنها بلغت في سنة 2007 نحو 5 بلايين و 600 مليون دينار، وبافتراض أنها كذلك للسنوات الثلاث السابقة وبحدود 15 بليون دينار، وبهامش ربح للمتعاملين في هذا السوق بواقع 10 بالمئة فقط، فإن ضريبة الدخل المستحقة على هذا النشاط، بافتراض أن الأشخاص الخاضعين بين الطبيعيين والمعنويين يصل إلى 40 بالمئة، فإنها تقدر بنحو 600 مليون دينار تقريباً.

 أما أرباح المقاولين فأخضعها قانون ضريبة الدخل خلال السنوات العشر الماضية للقيمة المقطوعة، مخالفة في ذلك روح الدستور التي تقوم على تصاعدية الضريبة، كما أنها حرمت الخزينة من حقوقها من هذا القطاع المهم.

أن إخضاع أرباح شركات المقاولات لضريبة الدخل هي العدالة في حد ذاتها، والضريبة المقطوعة على الأرباح التي سمح القانون باتباعها من قبل الدائرة، تمشياً مع مبدأ تكلفة هذه الضريبة التي يمكن أن تتكبدها الدائرة من تدقيق بعض المنشآت ذات النشاط المتواضع، والتي تقل عوائدها الضريبية كثيراً عن كلفة تقدير دخولها، حتماً أن المقاولين ليسوا من هؤلاء الذين شملهم القانون.

لقد بدا واضحاً أن نشاط هذا القطاع كان، خلال السنوات الماضية كبيراً جداً، كما هو واضح من المشاريع الكبيرة، سواء كانت سكنية أو تجارية على شكل مجمعات أو أبراج، والتي وصلت كلفتها أرقاماً كبيرة تجاوزت مئات الملايين من الدنانير.

إن القيمة الإجمالية لنشاط شركات المقاولات خلال السنوات الأربع الماضية تزيد على 10 بلايين دينار، وقد حرمت الخزينة من مبلغ لا يقل عن 500 مليون دينار كضريبة دخل على أرباح هذه الشركات لو لم تتبع الدائرة الضريبة المقطوعة على هذا القطاع.

شروع قانون الضريبة..فرصة لتحقيق العدالة الضريبية
 
18-Sep-2008
 
العدد 44