العدد 44 - كتاب | ||||||||||||||
انخفض رقم مديونية الأردن الخارجية من 5250 مليون دينار في نهاية 2007 إلى 3675 مليون دينار في نهاية شهر أيار/مايو 2008، أي بانخفاض مقداره 1575 مليون دينار ونسبته 30 بالمئة. للوهلة الأولى، وعند القراءة الأولية، يبدو وكأن تقدما كبيرا تحقق في مجال معالجة وتراجع رقم هذه المديونية، ولكن عند التعمق في تحليل الأرقام والوقائع المكملة والمحيطة، فإن هذا الانخفاض في المديونية الخارجية، من حيث هو رقم، يفقد جانباً كبيراً من أهميته ومن جدواه، لأنه تم بموجب قرار حكومي بشراء نحو 2.4 بليون دولار من القروض الخارجية «التصديرية»، مقابل دفع الثمن نقداً وفوراً وبميزة خصم 11 بالمئة منها، وتتقلص أهمية هذه الصفقة، بما فيها ميزة الخصم بالنسبة للأردن، لكون مصدر سدادها الرئيس كان «صندوق التخاصية»، وبقيمة 889 مليون دينار، وليقترب رصيده من الصفر، وأيضاً لأن باقي قيمة الشراء تم سداده من عائد عملية بيع 3200 دونم من أفضل أراضي العقبة؛ أرض الميناء وما حوله، إلى شركة مسجلة في الإمارات، وبمبلغ 500 مليون دولار، والتي تمت في أجواء قليلة الشفافية والإفصاح، أي أننا فقدنا مقابل صفقة التخفيض هذه معظم ما لدينا من سيولة نقدية، إلى جانب خسارة ملكية أراضٍ حكومية واسعة وواعدة، كما فقدنا فرصة أو إمكانية مستقبلية للمطالبة بشطب جزء ملموس من المديونية كما حدث مع مديونيات دول أخرى. وإذا قيل كمبرر، وكميزة لهذه العملية، إن عبء خدمة المديونية السنوي، أو قيمة الفائدة التي يدفعها الأردن عن المديونية ستنخفض، ففي المقابل خسرت خزينة الدولة قيمة الفائدة التي كانت تتحقق من استثمار عوائد التخاصية في الودائع المصرفية، والتي بلغت في 2007 نحو 38 مليون دينار، أو حتى كان من الممكن الاستثمار في خيارات أخرى وبعائد وربحية أعلى. ولم ترتبط هذه العملية بأي تعهد أو توجه حكومي واضح وقاطع بعدم العودة مجدداً إلى الاقتراض الخارجي، وليبدأ رقمها في التضخم مرة أخرى، وبالعكس فهم من تصريح لوزير المالية بأنه من الممكن اللجوء إلى الاقتراض مجدداً، وإن كان ربط ذلك بشرط الاستخدام في مشاريع تنموية، يمكن أن تكون مجرد عنوان لا أكثر. ويشكل المكون الثاني للدين العام الحكومي، أي الدين العام الداخلي، الجانب الأكثر خطورة حالياً في تشكيلة المديونية الكلية وتداعياتها، إذ استمر رقمها الإجمالي في الارتفاع وبتسارع، ومن 1679 مليون دينار في 2003 إلى 9522 مليون في 2007، وإلى 4823 مليون في نهاية أيار 2008، والاتجاه نفسه يلاحظ في أرقام صافي الدين الداخلي الذي ارتفع من 1711 مليون دينار في 2003 إلى 3003 في 2007، وإلى 4320 مليون دينار في شهر أيار 2008، ويلاحظ تفاقم الرقم الإجمالي وصافي الدين الداخلي خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وبقفزة غير مسبوقة تجاوزت سقف الألف دينار خلال فترة زمنية قصيرة تقل عن نصف سنة. ولأن شهادات الإيداع بالدينار التي يصدرها البنك المركزي الأردني ويبيعها للبنوك هي أقرب في جوهرها إلى مديونية حكومية داخلية إضافية، فإن رقمها البالغ 1779 مليون دينار في نهاية شهر أيار 2008، يفترض أن يضاف ليصبح رقم الدين الداخلي الكلي 6602 مليون دينار، وهو رقم مرشح للزيادة طالما استمرت وتواصلت العجوزات في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات وفي الحساب الجاري. المديونية الداخلية لا تقل في مخاطرها وتداعياتها الصعبة عن المديونية الخارجية، بل يمكن أن تكون أكثر خطورة في كثير من الحالات، نظراً لسهولة قيام الحكومة بالضغط من أجل الحصول عليها أو التلكؤ اللاحـــق في سدادها، ولأنها تستخدم غالباً كنفقات جارية أو لتغطية العجز الناجم عن التوسع في الإنفاق، في ظل متابعة وضوابط داخلية وخارجية أكثر على الاقتراض الخارجي وتخصيصه لإنفاق تنموي أوسع وأفضل. ومع تنامي رصيد الدين العام الداخلي كرقم مطلق، وتنامي الاقتراض الداخلي تزايدت وتضخمت قيمة الفائدة المدفوعة عليه بموجب ما يرصد لها من مخصصات في بنود الموازنة العامة، حيث قفزت الفائدة عليها من 61 مليون دينار في 2003، إلى 64، 94، 133، 169 مليون دينار في السنوات 2004، 2005، 2006، 2007 على التوالي فيما تقدر قيمة الفائدة التي ستدفع في 2008 عنها بنحو 240 مليون دينار، أو أكثر إذا استمر الاتجاه التصاعدي لرقمها واستمر تسارعها بالوتيرة نفسها. مديونية الأردن عالية، وعبء خدمتها ثقيل، ومواجتها من قبل الحكومات الأردنية ضعيفة إن لم نقل فاشلة، وأخيراً، فهي في الواقع نتاج مجمل التوجيهات والسياسات والخيارات الاقتصادية والمالية والنقدية الانفتاحية الليبرالية المدرجة في برامج الصندوق المسماة بـ«التصحيحية» وما هي كذلك. |
|
|||||||||||||