العدد 44 - اقليمي | ||||||||||||||
داليا حداد ارتفع منذ بداية العام الجاري عدد النساء العراقيات، اللواتي ينفذن عمليات انتحارية في مناطق مختلفة من العراق. تشير تقارير صحفية إلى أن عدد هؤلاء الانتحاريات بلغ حتى الآن نحو 80 انتحارية، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بدء الاحتلال الأميركي للعراق في آذار/مارس 2003. قوات الأمن العراقية والأميركية تتوقع أن يتزايد عدد الانتحاريات إلى الضعف في نهاية العام 2008 بعد اعتماد تنظيم القاعدة على النساء، في تنفيذ عمليات نوعية يصعب على الرجال القيام بها بسبب الإجراءات الأمنية المشددة في بعض المناطق، ومنع دخول الرجال ممن هم فوق سن الثامنة عشرة. وتفتقر هذه القوات إلى معلومات دقيقة تمكنها من اعتقال شبكات وخلايا تجنيد وتنظيم عمليات تفجير النساء في مواقع حكومية وأميركية، لأن النساء، في العادة، يشكّلن خطاً أحمر، فهن مصدر إثارة مشاعر دينية وتقاليد اجتماعية في حال المساس بهن، أو التحقيق معهن من جانب القوات العراقية والأميركية على السواء. وتشكّل قوى الأمن العراقية، سواء الشرطة أو الجيش او الصحوات، أولى أهداف الانتحاريات. ويتجنب الجنود الأميركيون خلال دورياتهم في الشوارع العبور بمحاذاة نساء يرتدين عباءات خوفاً على أمنهم. بدأت أول عملية انتحارية نسوية في العراق على يد امرأة جندتها القاعدة في أيلول /سبتمبر 2005، أدت إلى مقتل ثمانية أشخاص في بلدة «تلعفر» التابعة لمحافظة الموصل قرب الحدود السورية. وفي 6/12/2005 أعلنت القوات الأميركية في العراق عن مقتل 27 متطوعاً، على الأقل، في تفجير انتحاري قامت به اثنتان من النساء كانتا تتمنطقان بحزام ناسف دخلتا الى صفوف المتطوعين وفجرتا نفسيهما وسط الطلاب. وفي 11 حزيران/يونيو 2007، ذكرت وزارة الداخلية العراقية أن الشرطة ألقت القبض على أربع نساء انتحاريات كن يلبسن أحزمة ناسفة، اثنتان منهن كانتا تعتزمان مهاجمة مبنى محكمة، والاثنتان الأخريان كانتا تريدان مهاجمة احدى نقاط التفتيش التابعة للجيش العراقي. وفي المعلومات القليلة التي وردت عن النساء الأربع أنهن كن مترددات في تنفيذ العمليات الانتحارية واعترفن بأنهن يعملن لحساب الجيش الإسلامي في العراق. وفي 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2007 قامت امرأة بتفجير انتحاري بالحزام الناسف في دورية أميركية ببعقوبة (مركز محافظة ديالى)، أدى الى جرح سبعة من الأميركيين وخمسة من العسكريين العراقيين. وفي كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، هاجمت امرأة قاعدةً في ديالى لمجموعة من عناصر الصحوة فقتلت 15 من أفرادها وجرحت حوالي 36 آخرين. بعد ذلك بأسبوعين قامت انتحارية بتفجير نفسها في بعقوبة على مقربة من دورية شرطة، وأدت العملية الى جرح خمسة من رجال الشرطة وأربعة مدنيين. وتواصلت العمليات الانتحارية النسائية العام الجاري حتى بلغت ذروتها في آب/أغسطس الفائت، فقد سقط نحو 70 قتيلاً وأكثر من 280 جريحاً، في سلسلة هجمات نفذتها ثلاث انتحاريات في حي "الكرادة" وسط بغداد، استهدفت قوافل زوار العتبات المقدسة في منطقة الكاظمية، وانتحارية رابعة فجرت نفسها وسط حشد من المتظاهرين الأكراد، في مدينة "كركوك" شمالي العراق، حسبما أكدت مصادر بالشرطة والحكومة العراقية. وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلاً عن إحصاءات الشرطة العراقية والجيش الأميركي، أن العمليات الانتحارية، التي تنفذها نساء، تروّج في محافظة ديالى أكثر من غيرها، إذ إن 11 من بين 20 تفجيراً انتحارياً نفذتها حتى الآن نساء في المحافظة هذا العام. لماذا توجد الانتحاريات؟ استناداً إلى معاينة المعلومات القليلة المتوافرة عن هؤلاء الانتحاريات، هناك مجموعتان متباينتان، في الإطار الاجتماعي والدوافع وراء انخراطهن في هذا الطريق. في المجموعة الأولى، نساء يقدمن على الموت بدافع التضامن مع قضية، ومن باب التعبير عن الاستياء من ظلم كبير لم يعد هنالك من سبيل لمواجهته «سوى باللحم الحي». وقد يعزز عزيمة هؤلاء ارتباطهن، وهو أمر شائع، بأشقاء أو أقرباء قتلوا في ظروف مرتبطة بهذا الواقع الظالم بحيث يغدو فقدان القريب عاملاً مقرراً في الفعل الانتحاري. في المجموعة الثانية، النساء اللواتي يجندهن تنظيم القاعدة، من دون أن يتضح ما اذا كان تجنيدهن يأتي ضمن توجه بات راسخا لدى التنظيم لاستخدام النساء في العمليات الانتحارية. وتبدو هؤلاء النساء أشبه بالأشباح أكثر منهن بالبشر، إذ لا يُعرف عنهن سوى إقدامهن على التفجير، أو محاولة تنفيذ عملية انتحارية بلا أي إشارة الى هويتهن: من هن هؤلاء النساء؟ لماذا أقدمن على فعلتهن؟ ما مدى ارتباطهن بالأجهزة المخططة لهذا النوع من العمليات؟ هل ينتمين الى وسط اجتماعي سهل عليهم انخراطهن في ذلك الطريق أو مارس ضغوطا ما عليهن؟ هل إقدامهن على الفعل الانتحاري مرده قرار مدرك أو انقياد وراء الجماعة، او رضوخ لضغوط تفوق طاقتهن؟ تعزو مصادر عسكرية عراقية وأميركية انتشار ظاهرة الانتحاريات في الأشهر الأخيرة إلى اليأس أو الفقر أو الرغبة في الانتقام، إذ غالبا ما تكون هؤلاء النسوة فقدن أزواجاً أو أشقاء أو أطفالاً في المعارك. يقول العقيد علي الكرخي، المسؤول عن الأمن في بلدة خان بني سعد، جنوب ديالى، إن الرغبة في الانتقام تشكل عاملاً حاسماً يجيد أنصار أسامة بن لادن استغلاله لدى النساء. بعضهن يسعين الى الانتقام لمقتل عائلاتهن، ويسهل عندها اقناعهن باستهداف اولئك الذين يعتبرنهم مسؤولين. يضرب الكرخي مثلاً على ذلك بقيام امرأة قُتل أبناؤها الخمسة بأيدي الشرطة العراقية بتفجير نفسها قرب مجموعة من المتطوعين، الذين كانوا ينتظرون للانضمام إلى الشرطة، فقتلت ثلاثين مدنياً و15 شرطياً.. ويشير الضابط الأميركي الكابتن رايان، إلى أن «بعض الانتحاريات يدفعهن الفقر فيسلكن هذا الطريق من أجل مبلغ مالي يتركنه لأُسَرهنّ». وتؤكد مصادر أخرى أن الأميات، أو حتى المتخلفات عقلياً، يمثّلن فريسةً سهلةً للمتطرفين، وأن القاعدة تبحث عن نساء من هذا النوع، ثم تدربهن وتشبعهن بعقيدتها. وترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن الانتهاكات بحق المرأة قد تكون عاملاً آخر في هذه القضية، فالعديد من العائلات تزوج بناتها إلى قادة القاعدة المحليين (الأمراء)، وهن في عمر 14 أو 15 سنة. وفي بعض الحالات تُجبر البنات على عقود زواج تقضي أن في حالة مقتل أو اعتقال زوجها الأمير، فإنها تُلزم بالزواج من خليفته، وإن تعرض هذا للمصير نفسه، تتزوج بمن يأتي بعده، وهكذا. فصائل بنات العراق دفع تفشي ظاهرة النساء الانتحاريات إلى التفكير بشكل جدي في إيجاد حل ملائم، وهو تأسيس وحدة من المتطوعات في الجيش العراقي يطلق عليها «فصائل بنات العراق». يأمل المشرفون أن يؤدي تشكيل هذه الفصائل إلى الحد من ظاهرة الانتحاريات، اللواتي سوف يتعذر عليهن تنفيذ التفجيرات لصعوبة تجاوز نقاط التفتيش، التي ستتوزع عليها النساء المتدربات. جاءت فكرة تشكيل هذه الوحدة من باب «لا يفل الحديد إلا الحديد»، إذ إن التقاليد الاجتماعية تحول دون قيام الرجال بتفتيش النساء على الحواجز. ويرغب القيمون عليها في أن تؤدي الدور الذي قامت به عناصر «الصحوة»، إلا أن ذلك لا ينفي أن الفاقة والحاجة كان لهما دور كبير في إقناع العديد من العراقيات بالانضمام إليها. يقوم البرنامج التدريبي للنساء المنضويات في إطار وحدة «بنات العراق»، على تمرينهن للقيام بعمليات التفتيش، على غرار برنامج مماثل هو «أبناء العراق»، الذي درّب الشباب العراقي على استلام نقاط التفتيش. وخلال التدريب، يصار إلى أخذ بصمات هؤلاء السيدات، وتسجيل مجموعة من المعلومات الخاصة عنهن. ويتضمن البرنامج تدريباً على الإسعافات الأولية، إضافة إلى أمور أخرى، حيث يتم دفع ما يعادل 200-300 دولار شهريا لكل منهن لقاء ذلك. ورغم أن المشاركات في وحدة «بنات العراق» يرغبن في رؤية استتباب الأمن في بلدهن، ومواجهة العمليات التفجيرية انطلاقاً من دوافع وطنية، فإن الفقر والحاجة لهما دور مؤثر أيضاً في دفعهن إلى اعتماد خيار حمل السلاح، والعمل خارج المنزل بخلاف ما تقتضيه التقاليد العراقية. يقول عبد اللطيف رايان، المستشار الإعلامي للقوات متعددة الجنسيات، «إن القوات الأميركية تتعامل مع فصائل «بنات العراق» بالآلية نفسها التي تعاملت بها مع مجالس الصحوات. ويضيف أن هذه التجربة نجحت في محافظة ديالى، ونظرا إلى حساسية الموقف لدى نقاط التفتيش وجدنا ضرورة تعميم التجربة في بعض المناطق، كالعاصمة بغداد». وأوضح أن المقاتلات توزعن على مراكز التفتيش وفق ما تقتضي الحاجة ليمارسن عملهن في تفتيش النساء وكشف الانتحاريات. أما اختيار المتطوعات فإن الضوابط نفسها التي اعتمدتها مجالس الصحوات في اختيار عناصرها طُبقت على تشكيل «بنات العراق». وبالنسبة إلى مجتمع محافظ كالمجتمع العراقي فإن عمل المرأة في المجال الأمني يعتبر ثورة حقيقية، ويشير بعض المتطوعات إلى أن العديد من السيدات يردن الانخراط، إلا أن الأهل يعتبرون عمل المرأة في الجيش أو الشرطة أمراً مخجلاً. على أن هذا التشكيل يمكن أن ينجح في محافظات بغداد وديالى والموصل، باعتبار أن أغلب الانتحاريات هن من هذه المناطق، في حين يستحيل نجاحه في الرمادي وتكريت. وخلال النصف الثاني من آب/أغسطس الفائت جرى تشكيل أول فصيل في مدينة كركوك يبلغ عدد أفراده 37 امرأة، دخلن دورةً تستمر أربعة أسابيع في أكاديمية شرطة كركوك بضواحي المدينة. وتتقاضى المتطوعة نحو 185 الف دينار عراقي شهريا (الدولار يساوي 1200 دينار)، إضافة إلى 25 ألف دينار يومياً، كما ستحصل بعد التخرج في الأكاديمية على 500 ألف دينار، متضمنةً مخصصات خطورة، مع مبلغ يختلف حسب منطقة المسؤولية. وتُطبق على النساء المعايير نفسها التي تطبق على الرجال في فصائل «أبناء العراق» (الصحوات) لغرض التخرج، وهي تتضمن 240 ساعة تدريبية تشمل ساعتين من الألعاب الرياضية كل صباح، وعدداً من التدريبات الضرورية. كما تتلقى المتطوعات دروساً في اجراءات فرض القانون تتراوح بين أساليب عمل الشرطة الحديثة، وحقوق الإنسان، وإنقاذ الرهائن، والإسعافات الأولية الأساسية، والرد على الهجوم. |
|
|||||||||||||