العدد 44 - أردني
 

محمد عدي الريماوي

وسط الأحداث المتسارعة والتجاذبات المختلفة التي شهدها الأردن هذا الصيف، نجحت الصحافة الإلكترونية في فرض نفسها عنصراً أساسياً في الحصول على الخبر، وباتت عند كثير من المتابعين المصدر الأول، وربما الأوثق، للحصول على آخر الأخبار، وأصبحت مواقع إخبارية، مثل عمون وسرايا، مصاحبة لقهوة الصباح عند كثير من الأردنيين.

ففي الفترة الأخيرة شهد الأردن العديد من القضايا التي جذبت اهتمام ومتابعة شريحة واسعة من الناس، يتقدمها موضوع الأسعار والزيادات المتتالية التي طرأت على المشتقات النفطية، ما ساهم في رفع أسعار معظم السلع والخدمات، إضافة إلى شبهات فساد كانت تطفو على السطح بين حين وآخر، تستهدف شخصيات مرموقة وذات سلطة في البلد. وقد تبع هذه الشبهات الكثير من التلاسن والأخذ والرد بين الصحفيين من منابت مختلفة، ما أفرز اصطفافات لدى كثير من الكتاب ووجه أقلامهم باتجاه شخصيات معينة، وكان للمواقع الإخبارية دور بارز في مناقشة هذه المواضيع وكشف الحقيقة وبيان ملابساتها حينا، وزيادة حدتها في أحيان أخرى، وذلك من خلال الفرصة التي توفرها هذه المواقع للتعليق على القضايا من متصفحين عاديين، سرعان ما يرسلون ردودا وتعليقات فجة وسريعة.

وعموما فقد أصبحت الصحف بشكلها الإلكتروني الجديد أمراً عادياً لدى الأردنيين، وكان لتنوع الأخبار وجرأة الطرح فيها عامل جذب لكثير من القراء، وهذا ما جعل أصحاب هذه المواقع يتحدثون عن "إعلام بديل"، ينجح في فتح آفاق جديدة أمام الأردنيين جميعا؛ مبدعين وكتابا من الجيل الشباب، ممن لا يجدون فرصتهم في الصحافة المكتوبة، ومن القراء الذين تتوافر لهم فرصة قراءة الأخبار فور حدوثها، أو تلك الأخبار التي لا تسمح حدود الرقابة بنشرها عبر الصحف الورقية. وساعد انتشار شبكة الإنترنت ودخولها تفاصيل حياتنا اليومية، على مساعدة هذه الصحف على إثبات وجودها ومن ثم نجاحها وتحولها إلى رقم أساسي في المجال الإعلامي.

ففي بعض القضايا التي تفجرت في الصيف الساخن الفائت، والتي ما زالت تستحوذ على اهتمام المواطن، مثل قضية الاتجار بالبشر، كانت لهذه المواقع متابعاتها الخاصة من خلال المقالات والأخبار التي كانت تنشر بشكل شبه يومي، وهو ما تكرر في بعض القضايا الحساسة الأخرى مثل قضية المتاجرة بالبورصات العالمية، والتي احتلت مساحات واسعة من الصحف. يقول سمير الحياري، المسؤول عن موقع عمون الإخباري، إن للصحافة الإلكترونية دورا كبيرا في تسليط الضوء على القضايا المفصلية في الدولة، مشيرا إلى أنها ساهمت بتزويد صانع القرار بنبض الشارع ومعاناته من ارتفاع الأسعار مثلاً. وقال إن سرعة نشر التعليقات ساهمت في جعل هذه المواقع المصدر الأول للخبر لدى كثير من المتابعين، وأكد أن الصحف الورقية تبعت الصحافة الإلكترونية في طريقة عرضها ومتابعتها للخبر في بعض الأحيان.

وتبقى هناك قضية إشكالية في المواقع الإلكترونية، هي التعليقات المباشرة على المواضيع المنشورة، التي يعمد إلى كتابتها بعض القراء والمتابعين لهذه الأخبار، وهي تعليقات تطغى عليها السخرية والهجوم الشرس وتجاوز الخطوط الحمراء، فلا يبدو وكأن هناك فائدة من نشرها، فتساهم هذه التعليقات غير المسؤولة في العداء الاجتماعي، وفي بعض المناكفات التي تعتمد على أسس إقليمية وجهوية، ما يفتح الباب أمام نقاشات لا ضرورة لها، في حين تصدر بعض التعليقات من مختصين ومتابعين لهذا الخبر، مما يضفي لمسة من الجدية على هذه المواضيع، وهذا ما يفترض أن يحدث بأن تتحول هذه المواقع إلى ساحة لتبادل الأفكار والآراء المسؤولة، من الأشخاص المختصين والذين لهم خبرة. ويقول سمير الحياري "لا نستطيع - مهما كان الكادر كبيراً - السيطرة على جميع التعليقات، فهي جميعاً يجب أن تكون منسجمة مع أخلاقيات مهنة الصحافة، ولكن لا بد من خروج تعليق أو أكثر عن السيطرة". ورغم ذلك فإن هذه التعليقات ساعدت على انتشار هذه المواقع ونجاحها، فالقارئ يحب أن يشعر بأنه جزء من صناعة الخبر، وليس متلقي له فقط كما يحدث في الصحف النمطية، ويفتح المجال أيضاً أمام من لهم خبرة في إبداء رأي صحيح، يساهم في دعم هذا المقال وتأكيد ما ورد فيه.

ويقول موسى شتيوي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، إن مثل هذه التعليقات ناتجة من حقيقة أن حرية التعبير هي مسألة جديدة على كثيرين، والقيم المصاحبة لهذه الموضوع لم تترسخ بعد في عقولهم، وأن الفئوية في المجتمع قد انعكست على الإعلام، وأن ما يحدث من "شخصنة" للأحداث هو شيء سلبي جداً، وأن إساءة استخدام هذه المساحة من الحرية، ساعد في تقليل الفائدة من هذه المواقع والحوار المباشر الموجود من خلالها، ويضيف أن مساهمة الناس في النقاش حول هذه المواضيع، لم تكن السبب في تدني مستوى الحوار، فوجود مساحة أكبر للحرية ساعد في انتشار هذه المواضيع والحديث عنها، "كثيرا ما يخجل القارئ من نفسه عندما يشاهد مثل هذه التعليقات، ويتمنى أن تكون التعبيرات لائقة على المجتمع الحديث الذي نطمح له" .

لقد كان للمواقع الإخبارية دور فاعل في زيادة سخونة الصيف، من خلال المتابعات المستمرة والمصادر المتعددة للحصول على الخبر، وهي من ناحية أخرى ساعدت في تأجيج بعض الأزمات، من خلال المقالات والردود عليها التي تنشر بين فترة وأخرى عبر تلك المواقع، فهي من جهة فتحت الباب أمام الإبداعات والأفكار المختلفة لأصحابها، ولكنها من جهة أخرى فتحت المجال أمام إثارة النعرات المختلفة التي لم تفد البلاد في هذه الفترة الحرجة، بل زادت بعض هذه المشاكل وأججت النقاش فيها، فوجود منبر جديد للحصول على الأخبار يعتبر أمراً جيداً، ولكن يجب مراقبته والسيطرة عليه، حتى لا يتحول إلى منبر آخر لتأجيج الصراعات.

الصحافة الإلكترونية: طريق طويل نحو إعلام بديل
 
18-Sep-2008
 
العدد 44