العدد 44 - أردني | ||||||||||||||
محمد عدي الريماوي في المجتمعات المدنية الحديثة يقع على عاتق الأحزاب والنقابات مسؤولية كبيرة في مناقشة قضايا الوطن والمجتمع، مع ما يمكن أن يعقب ذلك من اقتراح حلول للقضايا التي تواجه المجتمع، وإيجاد آليات لتنفيذ هذه الحلول والمساهمة في تطبيقها في كثير من الأحيان. وتشكل الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى في الدول الحديثة، العمود الفقري الذي يحمي المجتمع، وذلك من خلال حضوره البارز في مواجهة القضايا التي تمس النسيج الاجتماعي المترابط للوطن. من الصعب القول إن هذا ما يحدث في الأردن، فما زالت نشاطات هذه الجمعيات والمؤسسات في بلدنا محدودة، وتعد الأحزاب العنصر الأبرز من بين هذه المؤسسات، نظرا لقدمها ولنشاطها الذي بدأ في صورة فعالة في خمسينيات القرن الماضي، ما راكم لها تراثا من الفعل الاجتماعي والسياسي والثقافي. وفي صورة ما يمكن قول ذلك عن النقابات التي هي بنت شرعية للأحزاب، وهي في فترة الأحكام العرفية لعبت دورها ودور الأحزاب في الوقت نفسه. وثمة ملاحظة مهمة فيما يتعلق بالنقابات، ففي الوقت الذي تنشط فيه النقابات المهنية، مثل نقابات الأطباء والمهندسين والمحامي، ينحسر دور النقابات العمالية، وهي التي تضم القسم الأكبر من النقابيين، وتغطي الجسم الأعظم من العمل النقابي، بعدما كان لها دور بارز في فترات سابقة. وفي المقابل هناك غياب لأي دور حقيقي تلعبه باقي المؤسسات، مثل الاتحادات الثقافية، والنوادي الشبابية، والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والمنظمات البيئية التي لا تخرج للعلن إلا في مناسبات قليلة، وتغيب حتى عن مناقشة القضايا، بما في ذلك تلك التي تعتبر في صلب اهتماماتها. وتشكل الأحزاب العنصر الأهم في تحريك الحياة السياسية، ويعتبر بلورة رأي عام متوازن جزءاً أساسياً من عملها، وذلك من خلال البيانات التي يصدرها الحزب في شؤون محلية، لبيان رأيه في الأحداث الجارية التي تمس المجتمع، أو في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها. ولكن كان ملحوظا أن الأحزاب غابت غيابا شبه تام عن القضايا التي تفجرت في الصيف فألهبته. يقول أحمد الشناق أمين عام الحزب الوطني الدستوري إن الأحزاب الأردنية لم تعلن مواقف واضحة لها من الأحداث المشار إليها، فأثبتت بهذا أنها غير مهتمة أو معنية بالشأن الوطني، فهناك ثوابت يجب أن تكون لهذه الأحزاب، وهي حماية المجتمع المدني والدفاع عن مبادئه. "أحزاب الموالاة والمعارضة على السواء لم تعلن أي موقف لها تجاه ما يحصل، وأثبتت أنها معارضة شعاراتية، وأنها مزايدة وليس لها من الحقيقة في شيء" يؤكد الشناق. ويضيف أن الأحزاب هي مجرد تجمعات غير قادرة على اتخاذ مواقف، كما أنها لا تنطلق من برامج وطنية، إذ يجب أن يكون لها موقف في مكافحة الفساد والقضايا الأخرى التي شغلت المجتمع الأردني في الفترة الأخيرة. الأحزاب بهذا خرجت عن المشهد الأردني، ولم تقترب من هموم الرأي العام وأفكاره، كما يرى الشناق، الذي يؤكد أن عدم إعلان الحزب لموقف ما، يؤكد انحيازه لطرف دون الآخر، وهذا ما ظهر جلياً في مواقف أحزاب المعارضة وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي. وختم حديثه قائلا: "ما حصل، كشف ورقة التوت عن الأحزاب أمام المجتمع". لكن جبهة العمل الإسلامي أصدرت بعض التصريحات في الأسبوع الماضي على لسان متحدثين فيها، ونشرتها على الموقع الرسمي للحركة وموقع الجزيرة الإخباري. وفي تصريح أدلى به المراقب العام لقناة الجزيرة قال إن ما يحدث هو "صراع أشخاص ومراكز نفوذ على كونه صراعاً حول الإصلاح في البلد". وذكر التصريح أن الخلافات "ليست أكثر من محاور شخصية وليست محاور تبحث قضايا وطنية كبرى". وأكد أحد نواب الحركة أن بعض ملفات الفساد هذه "حقيقية" لكن هناك "انتقائية في ملفات الفساد يتم توظيفها في إطار صراعات النخب". وأثار هذا التصريح استغراب الكثيرين، فقد ذكر النائب بسام حدادين في مقال له إن هذا "استمرار لنفس الخطاب النقدي اللفظي لظاهرة الفساد والدعوة لاجتثاثه، مع صمت مطبق تجاه الإجراءات المحددة التي اتخذنها الحكومة أو مجلس النواب في هذا السياق". ويؤكد منير الحمارنة، الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، أن الأحزاب الأردنية لم تكن غائبة عن هذه القضايا، وأن معظمها قام بتحركات خاصة بشان القضايا التي شغلت بال المجتمع. وأشار الحمارنة إلى الملتقى الاقتصادي الذي عقده التيار الوطني الديمقراطي وقدم فيه مقترحات اقتصادية بديلة لسياسات الدولة، كما أن الأحزاب الأخرى أبدت وجهات نظر مختلفة بشأن هذه القضايا. "لقد تحملت الأحزاب مسؤولياتها وقامت بدورها أمام المجتمع، ونجحت في تقديم رؤية خاصة بها، تدعم مؤسسات الدولة، وتصادق على مكافحة الفساد بجميع أنواعه". أما فيما يتعلق بالسجال الجاري الآن فيقول منير حمارنة إنه لا يعكس المغزى الحقيقي لمكافحة الفساد، فلا تجوز شخصنة الفساد وتحميله طابعا جهويا أو إقليميا، وهو يرى أنه إن كان هناك من ضعف في مكافحته، فالسبب في ذلك هو غياب الإرادة السياسية القادرة على ذلك: "مكافحة الفساد بالطريقة الصحيحة يحتاج لوضع سياسي صحيح، قائم على برلمان منتخب على أسس سليمة، وصحافة مسؤولة قادرة على أن تؤدي الدور المطلوب منها، في كشف قضايا الفساد بدلاً من اللجوء إلى التجريح واغتيال الشخصية". بصرف النظر عما يشار إليه، على الدوام، من ضعف في نشاط الأحزاب السياسية الأردنية وعدم فعاليتها، فإن الأحزاب واقع سياسي لا سبيل إلى إنكاره، ومن المعروف أنه لا حياة سياسية من دون حياة حزبية، وأن الأحزاب هي عماد الديمقراطية وأساس ممارستها. وإن كانت قصرت في المبادرة إلى اقتراح حلول للقضايا الشائكة التي كشف عنها خلال الصيف المنصرم، فإنها قادرة على أن تكون جزءا من الحل الشامل لأزمة عميقة يعيشها المجتمع، والتي كانت ملفات الصيف تعبيرا عنها. |
|
|||||||||||||