العدد 44 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري رئيس الوزراء هو الأقرب إلى مركز صنع القرار. وهو، بحكم هذا الموقع الرفيع، لا بد يطل على دقائق الأمور في الحكم، وما يتعلق بشؤون الدولة بجناحيها: السياسة الداخلية والسياسة خارجية. هذه المعرفة المتكاملة و"الحصرية" في بعض الأحيان، يفترض ألا تزول بزوال المنصب، أي بعد خروج رئيس الوزراء من موقعه. إذ يُتوقع منه أن يظل منخرطاً في العمل السياسي العام؛ بل أن يكون مؤثراً في الحياة السياسية العامة. لكن الملاحظ أن استمرار أدوار رؤساء الحكومات السابقة إنما يأتي من خلال مواقع جديدة يتولونها؛ كأن يكونوا أعضاء في مجلس النواب أو الأعيان؛ وغير ذلك، فإنهم ينصرفون إلى أعمالهم الشخصية، مثل العمل في القطاع الخاص، كما فعل مضر بدران، وفايز الطراونة، وعبد الكريم الكباريتي. النائب ممدوح العبادي، يقول إنه بات تقليداً في الأردن ألا يتدخل رؤساء الوزراء السابقون في شؤون السياسة المحلية لا سلباً ولا إيجاباً، إذ "يعتبرون أن دورهم انتهى". ويلفت إلى أن بعضاً منهم، وإن حاول الخروج من هذه "القوقعة"، فإن مداخلاته وآراءه تبقى "متحفظة." العين هشام التل، يذهب أبعد من ذلك، ويقول: إن "المشاركة في العمل العام عند من نسميهم القيادات السياسية أو الشعبية بات يشكل ظاهرة سلبية، إما بسبب لامبالاة من جانبهم، أو لأن أوضاعهم وصلت إلى درجة باتوا معها غير معنيين بالداخل". دلائل هذه "الظاهرة السلبية" تتجلى في ملاحظة أن رؤساء الحكومات السابقة يبقون عاجزين عن إحداث تغيير حقيقي في بنية المجتمع؛ رغم أنهم ينتمون إلى النخبة السياسية التي يُعوّل عليها كثيراً بحكم المراس السياسي والخبرة الواسعة التي اكتسبوها من خلال عملهم في أرفع منصب حكومي؛ إذ لم يستطع رؤساء الوزراء السابقون تشكيل حزب سياسي أو تيار سياسي فاعل؛ ربما باستثناء محاولة قام بها أحمد عبيدات، وطاهر المصري لتشكيل تيار ديمقراطي في منتصف التسعينيات. الرجلان أقلعا عن الفكرة في ضوء التكاثر الحزبي آنذاك، وربما أيضاً بسبب تمركزهم في عمان، إذ لم يخرجا إلى المحافظات لنسج العلاقات مع القواعد الشبابية فيها. الملاحظة الثانية، هي ابتعاد رؤساء الوزراء السابقين عن الحياة النيابية، وكأنهم لا يرغبون في أن يخوضوا معركة الشارع، وذلك باستثناء طاهر المصري وعبد الرؤوف الروابدة؛ المصري رشح نفسه لمجلس النواب وفاز في انتخابات العام 1993، بعد أن كان قد شكل حكومة في 20/6/1991 وكان وقتها نائباً في البرلمان. الروابدة، بدوره، ترشح وفاز في انتخابات 2003 و 2007، بعد أن كان شكل أول حكومة في عهد الملك عبد الله الثاني في 4/3/1999. أما علي أبو الراغب فبالرغم من ولعه بالنيابة كما نُقل عنه، وبالرغم من ترشحه وفوزه في انتخابات 1993 و1997، فإنه لم يعاود الكرة بعد أن شكل أولى حكوماته الثلاث وهو ما يزال نائبا في 19/6/2000. كذلك فعل عبد الكريم الكباريتي الذي شكل حكومته وهو نائب في البرلمان في 4/2/1996، لم يترشح للنيابة بعد خروجه من الحكومة. الكباريتي كان فاز أول مرة بالنيابة في 1993. وهو الآن يعمل رئيساً لمجلس إدارة البنك الأردني الكويتي. في المقابل، دخل رؤساء حكومات سابقون مجلس الأمة، ليس بوصفهم نواباً خاضوا معركة الشارع، وإنما بوصفهم أعياناً. مجلس الأعيان الحالي يضم 7 رؤساء حكومات سابقين هم: زيد الرفاعي، طاهر المصري، وفايز الطروانة، وعلي أبو الراغب، وفيصل الفايز، ومعروف البخيت، وعدنان بدران الذي تولى قبل أقل من شهرين رئاسة المركز الوطني لحقوق الإنسان، خلفاً لأحمد عبيدات. عبيدات كان قبل إقالته بأيام، أصدر بياناً وقعته 150 شخصية أردنية، انتقد سياسة الخصخصة (أم بيع الأراضي؟؟؟) وأشار إلى "تآكل قاعدة الحكم"، ودعا إلى سياسة وطنية جادة للإصلاح الشامل. هذا البيان كان أحد موقفين اثنين يحسبان لرؤساء حكومات سابقة حول ما شهدته الساحة المحلية مؤخراً من اصطفافات سياسية وخلافات علنية وتراشق بتهم الفساد، فاحت منها رائحة الإقليمية على الجانبين. هذه السجالات تميزت بجدل حاد حول التضارب بين الحرس القديم، والحرس الجديد؛ بين الليبراليين والمحافظين. الموقف الثاني عبر عنه طاهر المصري في صحيفة «أوان» الكويتية. المصري أشار في المقابلة إلى أن بعضاً من المحسوبين على "الحرس الجديد" يتصرف وكأنه يدير مؤسسات الدولة على أساس أنها شركات. كما أشار إلى أن ثمة إجماعاً كاملاً على رفض الوطن البديل حفاظاً على الأردن والقضية الفلسطينية، وأن الكونفدرالية غير مطروحة قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة. يصف المصري الدور الذي يلعبه رؤساء الحكومات السابقة في ما يجري، بأنه "معنوي"، وبأنهم ينطلقون في تصريحاتهم من مناصبهم الحالية بوصفهم أعضاء في مجلس الأمة مثلاً. ويشرح أن رئيس الوزراء السابق متى غادر منصبه لن "يتنطح" لإبداء رأيه، ما لم تطلب وسائل الإعلام رأيه؛ "فلا أظن أن رئيس الوزراء يمكن أن يتصدى لأي مسألة لأنه لا يشغل أي منصب رسمي". «السّجل» اتصلت بعبد السلام المجالي الذي ينصب نشاطه على موضوع السلام مع إسرائيل. المجالي طلب أن "نعفيه" من التعليق "لحساسية" المواضيع المطروحة. كما "اعتذر" علي أبو الراغب عن عدم الحديث الآن ووعد بحديث "واضح" في فترة لاحقة. فايز الطراونة، اعتبر أنه "ممنوع على رئيس الوزراء السابق أن يكون هامشياً، فإذا سُئل أو لم يُسأل، عليه أن يعبر عن رأيه." ويعتبر أن "المخزون" الذي توفر له من خبرته السياسية وعمله رئيساً للوزراء لا يعود مُلكاً شخصياً له، بل "عليّ أن أشارك الآخرين في هذا المخزون". الطراونة أشار إلى أهمية عدم إطلاق "تعميمات" حول رؤساء الحكومات والقول إنهم "جميعاً" لا يتطرقون إلى القضايا المحلية أو الإقليمية المؤثرة. وقال إنه من الشخصيات التي تتحدث في ندوات ومحاضرات يُدعى إليها. فالعمل الوطني، بالنسبة للطراونة، لا يتحدد بشكل واحد، كأن يشكل المرء حزباً سياسياً، وإنما "قد أمارس نشاطي من خلال مركز دراسات أو من خلال جمعيات". ويختم: "المهم ما يقعد الواحد على ذيله". مرة أخرى يرى النائب ممدوح العبادي، أن رئيس الوزراء السابق لا يحتاج إلى "فيزا" كي يبدي رأيه. ويلحظ أن "إحجام" بعض رؤساء الحكومات السابقين عن الانخراط في الحياة العامة يأتي خشية أن يُعتقد أنهم يتدخلون بهدف "العودة إلى منصب". ويتساءل العبادي "وما العيب في ذلك؟" في الإطار نفسه، يعتقد العين هشام التل أن رؤساء الحكومات السابقة لا يرغبون في أن يكون لهم دور خارج المنصب". هذه "الرغبة" السلبية يفسرها التل على أساس أن "الموقف السياسي مكلف قد يُفقد صاحبه امتيازات، "لذلك، فإنهم يحبون أن يظلوا في الوسط: لا يمين ولا يسار." ويعتبر التل أن مشاركة السياسي، سواء كان رئيس وزراء سابق أو غير ذلك، في العمل العام هو "دَين مُستحق". ويقول إن على رجل العمل العام أن "يسعى" إلى إبداء رأيه. ولكن التل يتحفظ، ويضع علامة استفهام على العرائض التي يراها "عملاً سياسياً غير لائق"، وذلك لعدم تجانس الشخصيات الموقعة على عريضة ما؛ "أنا كمسؤول سابق، أستطيع أن أذهب إلى رأس الدولة؛ لماذا العريضة؟" يتساءل التل. هذا التساؤل نابع من الخبرة التي يكتسبها من يلي رئيس الوزراء في الحكومة، وكذلك من القناعة بأهمية أن يضطلع هذا الشخص بدوره في إحداث تنمية سياسية ومؤسسية، إن كان خارج الموقع الحكومي أو الرسمي، وألا يركن إلى ما يتاح له من فرص لاعتلاء منصب هنا أو هناك، حتى يكون جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكلة. |
|
|||||||||||||