العدد 44 - أردني
 

حسين أبو رمّان

في منعطف دقيق، كالذي تجتازه البلاد حالياً، وفي ظل انفتاح ملفات ساخنة في صورة لم تشهدها البلاد، كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار نحو مجلس النواب، لكي يمارس حضوره المعنوي في تعزيز مناخات الوحدة الوطنية، وليكون أكثر فاعلية من المعتاد في أداء دوره الرقابي والتشريعي. لكن حصيلة أداء المجلس منذ بداية دورته العادية الأولى وحتى الآن، لا تبعث على الارتياح، لأن المجلس بدا في أكثر من محطة جزءاً من حالة التوتر بدلاً من أن يكون صمام أمان لها، سواء على صعيد السجالات العامة في البلاد، أو على صعيد دوره التشريعي.

حينما بادرت الحكومة لترتيب لقاء مع النواب لمناقشة ما أثير حول موضوع بيع الأراضي، كان رئيس الوزراء، نادر الذهبي واضحاً في طرح الأفكار التي لدى الحكومة بخصوص مشاريع البيع ومبرراتها. ولعل أهم ما في الأطروحة الحكومية آنذاك هو تأكيد أن الحكومة هي صاحبة الولاية العامة. وبدل التمسك بهذا الموقف الحكومي كأساس لسياسة حكومية قابلة للمناقشة والمراقبة، صدرت من أوساط النواب اتهامات تصر على تحميل المسؤولية المفترضة عن بيع الأراضي لجهات أخرى، وغذت ذلك حالة التجاذب التي تشهدها البلاد.

ورغم أن الحديث الهام للملك عبد الله الثاني لوكالة الأنباء الأردنية مطلع تموز/يوليو الماضي، والذي انتقد فيه تدني مستوى الجدل في أوساط نخبوية وإعلامية، وضع النقاط على كثير من الحروف، فإن مظاهر "التخندق" و"الشخصنة" في القضايا العامة، لم تتوقف، فيما تنأى مؤسسات مثل المجلس النيابي بنفسها عن السعي لتوحيد الموقف الوطني العام، ويفاقم الوضع أن المجلس في غير حالة انعقاد.

النائب سليمان السعد، عضو كتلة جبهة العمل الإسلامي، يقول إن الأصل أن يكون مجلس النواب حاضراً في الحياة السياسية في كل وقت، سواء كان في حالة انعقاد أم لم يكن، لا أن يكون في سبات عميق أو بعيداً عن الأحداث.

وأضاف السعد "أستغرب أن يكون مجلس النواب قد أصبح طرفاً في التجاذبات التي تشهدها البلاد، وأن ينقسم على نفسه"، مشدداً على الدور الذي يجب على مجلس النواب أن يلعبه في وحدة الموقف، ومتابعة القضايا الساخنة، وعقد ما يلزم من اجتماعات، ليحقق ويسمع من مختلف الأطراف، ويقدم اقتراحاته للحكومة. وقال السعد: "جلالة الملك هو الفيصل، ونحن نتوجه إلى جلالته للتدخل لوضع حد لهذه التجاذبات".

الأعضاء المخضرمون "الكبار" في مجلس النواب الخامس عشر، لديهم من الخبرات الكثير، لكن هذه الخبرات لم توظف في اتجاه الارتقاء بأداء ودور المجلس، بل وظفت باتجاه تكريس الاصطفافات، ولئن كان هذا الأمر يبدو مقبولاً في الظروف العادية، فإنه لا يبدو كذلك في ظروف الاحتقان الداخلي.

النائب عبد الرؤوف الروابدة، كان أول من أعطى، على سبيل المثال، عنواناً صريحاً للتجاذب في الطبقة السياسية الحاكمة، تحت قبة المجلس، حيث أشارت كلمته في جلسة الثقة بحكومة نادر الذهبي إلى ما اعتبره تحدياً أمام الرئيس: "تصنيف رجال الدولة إلى محافظين وليبراليين وديجيتاليين". مصنفاً نفسه مع المحافظين، ومطلقاً سهامه ضد من أسماهم الليبراليين "نريدهم في السياسة لا في جني المال"، والديجيتاليون "فككوا أجهزة الدولة حتى غدت كلعبة الليغو، يدعون لإدارة الدولة كشركة".

وفي اليوم التالي لمقابلة الملك عبد الله الثاني مع وكالة (بترا) المشار إليها، تقدم النائب بسام حدادين، باقتراح إلى مجلس النواب، لإصدار بيان تأييد للأفكار التي جاءت في مقابلة الملك، فعلّق الروابدة قائلاً: "كلام الملوك ملك الكلام، وكلام الملوك لا يعقب عليه". والنتيجة أن المجلس لم يصدر بياناً، بينما أصدر الأعيان بيانهم.

موسى المعايطة، الناشط السياسي ومدير مركز البديل للدراسات، يقول إن المشكلة الأساسية ذات الصلة بمجلس النواب هي أن المجلس لم ينتخب على أسس سياسية، لذا لا عجب أن يكون أقل الهيئات حضوراً على مستوى الشأن السياسي العام، ومن أكثرها غياباً عن السجال الساخن الدائر في البلاد برغم ما يمثله هذا السجال من صراع قوى، في حين أنه يفرض على المجلس انحيازاً ضمنياً لصالح مواقف محافظة.

على الصعيد التشريعي، يستطيع مجلس النواب أن يدعي أنه حقق إنجازاً مهماً. وفي واقع الحال، فإن الإنجاز اقتصر، في أحسن الأحوال، على الجانب الكمي. لكن المجلس أخفق في أن يكون نصيراً للحريات العامة وحقوق الإنسان.

ناديا هاشم، رئيسة الجمعية الوطنية للحرية والنهج الديمقراطي (جند)، تقول إن مجلس النواب يقر تشريعات، مثل قانوني الجمعيات والاجتماعات العامة، لا تنسجم مع التوجه الرسمي للمملكة نحو الديمقراطية. لافتة إلى أن هذه التشريعات تلحق أفدح الأضرار بالعمل الاجتماعي التطوعي، والذي يصب في خدمة آلاف الأسر المحتاجة، وفي خدمة التنمية الثقافية والاجتماعية، لأن القسم الأكبر من الجمعيات هو جمعيات خيرية أو ثقافية أو اجتماعية الطابع.

في التعديلات على قانون الاجتماعات العامة، وافق المجلس الحكومة في تمرير مقترحات لا قيمة عمليه لها في تيسير الاجتماعات العامة، خلافاً لما أمر به الملك عبد الله الثاني. فالتعديل الذي تقدمت به الحكومة كان ترجمة شكلية لما أراد الملك، ومجلس الأمة بنوابه وأعيانه تجاهل هذه الحقيقة. وكانت هناك فرصة عملية لإجراء تعديل متوازن على القانون من خلال الإبقاء على القيود فيما يخص المسيرات، وتخفيفها فيما يخص الاجتماعات التي يحضرها جمهور محدود العدد.

الموقف من قانون الجمعيات، كان نموذجاً آخر للمناخ المناهض للحريات. مشروع القانون لم يأت بشيء مهم. وحتى هيئة التسجيل التي جاء بها نقلاً عن مشروع أعدته منظمات المجتمع المدني، تم إفراغه من محتواه. واتسم المشروع بالتشدد جاعلاً من الجمعيات ملاحق حكومية. وبدل أن يسهم المجلس في التخفيف من مناخ التشدد، راح يعزز هذا المناخ إلى درجة أنه استثار انتقادات قاسية لدى العديد من المنظمات الدولية.

وفي التعديلات على قانون العمل، كانت المفاجأة في الموقف ضد السماح للعمالة الوافدة بالانتساب للنقابات العمالية الأردنية، رغم انسجام ذلك مع المواثيق الدولية، وحاجة الأردن لتجنب الانتقادات الدولية تجاه معاملة العمالة الوافدة.

مجلس النواب أعطى بتشكيله لجنة تحقيق في قضية عطاء العقبة، الانطباع بسلوك انتقائي، على الأقل بسبب وجود قضية أخرى مماثلة تتعلق بعطاء مشروع سكن كريم لعيش كريم، لم يتوقف المجلس أمامها.

النائب السعد يؤكد أن المكتب الدائم لمجلس النواب لم يستشر كتلة جبهة العمل الإسلامي في أمر لجنة التحقيق، وهذا خطأ يتحمله رئيس المجلس الذي كان ينبغي أن يشاور مع جميع الكتل النيابية.

يؤخذ على المجلس أيضاً أنه تعامل مع جلسات المناقشة العامة بوصفها محطات لإبداء الرأي، وليس محطات للوصول إلى نتائج محددة، ما يفسر حقيقة أن كل الملفات التي تم تناولها بقيت مفتوحة كما لو أنها لم تبحث من قبل.

المجلس النيابي غائب عن الفعل الذي يستجيب لتحديات المرحلة، لكنه ليس كذلك حينما يتعلق الأمر بمصالحه الذاتية. ولكن، فيما يعرب النائب السعد عن رأيه بأن هذا القول ينقصه الدليل، لافتاً إلى أن النواب لا يتمتعون بكثير من الحقوق التي يتمتع بها الأمناء العامون والوزراء، ومؤكداً أن النواب لا ينبغي أن تقل امتيازاتهم عن الوزراء، يذهب المعايطة إلى أن موافقة الحكومة السريعة على طلبات النواب، تعكس توجها لدى الحكومة لاستمالة النواب، وضمان سكوتهم على الأوضاع العامة الصعبة في البلاد.

في أقل من عام واحد، حصل النواب على مخصصات إضافية لتغطية نفقات أنشطتهم؛ المرة الأولى بقيمة 300 دينار، خصص منها نحو 100 دينار للاتصالات الخلوية و200 دينار لمدير مكتب النائب. وفي المرة الثانية بلغت المخصصات 786 ديناراً، تتوزع بين بدل ضيافة، استخدام خلوي، تنقلات، وزيادة لمدير مكتب النائب. كما حصل النواب على تأمين صحي من الدرجة الأولى، مماثل لما يتمتع به الوزراء. كما حصلوا على موافقة مبدئية على إعفاء جمركي لسياراتهم.

أمام الضعف السياسي في تشكيل مجلس النواب الخامس عشر، برزت مراهنات على دور الكتل النيابية في تفعيل دور المجلس. تشكيل كتلة التيار الوطني من أغلبية نيابية مع بداية الدورة العادية الأولى، شكّل تطوراً غير مسبوق. وكان المؤمل أن يسهم ذلك في ممارسة كتلة التيار الوطني دورها بوصفها أغلبية نيابية. ولكن فيما عدا استخدام قدرتها التصويتية، لم يكن دور الكتلة واضحاً في أي محطة من المحطات المهمة. وفي الواقع العملي، فإن الكتلة جمّدت طاقات أعضائها، ولم يكن لها حضور كهيئة جماعية. فضلاً عن ذلك، فإن أثرها على كتلة الإخاء كان مثبطاً أكثر منه محفزاً.

المعايطة فسّر غياب كتلة التيار الوطني عن ممارسة دورها كأغلبية نيابية، بأنه ناجم عن غياب الأساس السياسي في تشكيل الكتلة، وسيادة معيار توافق المصالح.

وتستخلص ناديا هاشم، وهي مرشحة سابقة للانتخابات النيابية 2003، أن قانون الانتخاب الذي ما زال يستند إلى نظام الصوت الواحد ليس مرشحاً لأن يفرز سوى مجلس نواب بتلاوين عشائرية وعائلية، بينما يحتاج الأداء الديمقراطي إلى تعددية حقيقية قوامها الرئيسي الأحزاب السياسية. وتضيف أن مجلس النواب الحالي لم يثر لا من قريب أو بعيد الحاجة إلى قانون انتخاب جديد، رغم أن قانون الانتخاب الساري، قانون مؤقت، وعلى أساسه أجريت الانتخابات مرتين متتاليتين، وتساءلت: "لماذا تغيّب المجالس النيابية مسؤوليتها في دمقرطة التشريعات، وفي مقدمتها قانون الانتخاب".

“النيابي”: ابتعاد عن المشهد الساخن وانخراط انتقائي فيه
 
18-Sep-2008
 
العدد 44