العدد 7 - اقتصادي | ||||||||||||||
أصبح من الواجب إعادة النظر في آلية الربط بين الدينار والدولار بعد مسلسل انزلاق الدولار خلال السنتين الماضيتين 20 % مقابل اليورو و14 % ضد الإسترليني وذلك لتحسين ميزان مدفوعات الأردن وخفض نسبة الدين الخارجي. ارتكز الاقتصاد العالمي في ربع القرن الماضي على أن الإنسان يستطيع أن يستهلك أكثر مما ينتج وينفق أكثر من دخله ويستدين أكثر مما يستطيع أن يرد، في المحصلة تفاقمت الديون الشخصية وديون الحكومات لتنمو على شكل فقاعات أجج من حجمها فقاعتا الأسواق المالية والعقارات. وعملاً بنموذج الاقتصاد الأمريكي، خوفاً من معدلات إفلاس متنامية ينجم عنها خسائر غير مسبوقة للبنوك وصناديق الاستثمار، حاولت البنوك المركزية في العالم أن تخفّض من معدلات إقراضها للبنوك. ولكن المصارف في العالم والأردن اتبعت سياسة التحوّط والحذر وتعزيز الملاءة المالية من أجل تخفيف وطأة خسائر البنوك. فبدلاً من منح الوفورات الرأسمالية للمستدينين قامت بتعزيز أرباحها من الإقراض دون تخفيض أسعار الفائدة لعملائها. في الأردن، وبناءً على انخفاض حجم وعدد الدعايات المصرفية على جادة الطرق والشوارع التي كانت تعد بأنواع مختلفة من القروض للاستثمار العقاري، فإن السوق العقارية في الأردن ستشهد تراجعا، إن لم يكن قد بدأ فعلاً في ذلك، كما حدث في السوق المالي في العام 2006. فقد بدأت أسعار الشقق والمكاتب الفخمة بالتراجع مع هبوط الطلب عليها بسبب تراجع السيولة والثقة بتنامي الدخل الوطني بالوتيرة ذاتها التي مر بها الاقتصاد في الأعوام الثلاثة الماضية. ومع أن أسعار الأراضي شهدت جموداً في الفترة الأخيرة، فمن الملاحظ أيضاً أن استثمارات العقار أصبحت تستهدف الأراضي ذات المواقع الاستراتيجية والحجم الكبير مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار هذه الأراضي التي أصبحت نادرة نتيجة موجة تقطيع الأراضي إلى حصص صغيرة وبيعها لصغار المستثمرين. وكما هو الحال في الاقتصاد الأمريكي فإن الرافدين الرئيسيين للنمو في الاقتصاد الأردني في الأعوام الثلاثة الماضية هما سوق العقار والمال، وقد بدآ في التراجع. لذلك فإن تراجع معدلات النمو في الاقتصاد والذي بدا بوضوح في العام الماضي قد يتسارع في العام المقبل. أي أن معدل النمو في العام القادم سيكون أقل بكثير من ذلك الذي شهدناه في العام الماضي ومعدلات الأعوام الثلاثة التي سبقته. هذه النتيجة ستكون محصلة مشروعة على الرغم من عجز الموازنة المتوقع أن يصل إلى 615 مليون دينار، والذي سيكون له أثر محدود على الاقتصاد المحلي بناءً على ما شهدناه من إنفاقات حكومية سابقة؛ لا تدعم أو تحفّز المشاريع الكبرى المرغوبة مثل الديسي وقناة البحرين (البحر الأحمر والبحر الميت) مما سيدعو المواطنين والبنوك وصناديق الاستثمار إلى احتضان ما لديها من نقد، تحوطاً للمستقبل وانتظاراً للفرص المجزية. فمع انحسار موجة النمو العارمة التي مر بها الأردن سيصبح رأس المال أذكى وأكثر حصافة مما كان عليه، وفي الوقت ذاته، إذا لم ترتفع وتيرة التخاصية فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تبعاً للتوجه العالمي، ستبدأ في الانحسار وتصبح أكثر انتقائية للمشاريع، خصوصا وأنه لم يحدث أي تحسين يذكر للبيئة المؤسسية والقدرة على جذب وتنمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الأعوام الثلاثة الماضية؛ وهو توقع محتمل حتى في ظل انخفاض سعر صرف الدينار المربوط بالدولار منذ عام 1995، لأن الفقاعة التي بدأت في عام 2004 جعلت أسعار الأراضي أعلى بكثير (ثلاثة أضعاف) مما كانت عليه في السابق. ونتيجة انخفاض الدولار الذي يتوقع له أن يستمر في النزول حتى نهاية فترة رئاسة جورج بوش ومعه الدينار، فإن 70% من واردات المملكة باليورو أو عملات غير الدولار، كما أن نصف حجم العجز التجاري والبالغ ما يزيد عن نصف حجم الاقتصاد الكلي سيرتفع أيضاً لأن الأردنيين سيدفعون مبالغ أكبر بالدينار مقابل السلع نفسها. أيضاً سيتزامن ذلك مع ارتفاع قيمة دين الحكومة والذي ارتفع أصلاً بالقيمة المطلقة في السنوات الأخيرة وانخفض كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي فقط لأن الناتج المحلي الإجمالي كان قد نما بمعدلات غير مسبوقة. فديون الأردن بالعملات الأخرى ستستمر في الصعود لترتفع بذلك كلفة سداد الدين والفوائد عليه إلى مئات الملايين من الدين الإضافي. وبما أن 80% من دخل الحكومة يتحصّل من العوائد الضريبية والرسوم المحلية، قد تجد الحكومة نفسها في معادلة صعبة نتيجة تراكم الديون وكلفها وانخفاض الدينار نتيجة ربطه مع الدولار. ونستطيع أن نجزم أيضاً أن تحويلات المغتربين الأردنيين، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط، لن ترتفع كثيراً في العام المقبل‘ وذلك لأن دول الخليج تسمح الآن للمغتربين بالاستثمار فيها مما يؤخر عودة مدخرات الأردنيين إلى وطنهم الأم. ماذا نستطيع أن نفعل؟ قبل بضعة أيام اقترح محافظ أسبق للبنك المركزي أن نقوم برفع سعر صرف الدينار إلى الدولار بدلاً من خفضه؛ أي أن يكون سعر الدولار أقل من 70 قرشاً أردنياً مع الحفاظ على مبدأ الربط. وبدليل أن الأفكار الجيدة تنبع من أكثر من مصدر واحد صرّح بمثل ذلك الاقتراح، وبفارق أيام، وزير اقتصاد أردني سابق. فمع ضعف الدولار لم يعد هناك خوف من الدولرة كما حصل في السابق، وفي جميع الأحوال، فإنه لا يوجد داع للاحتفاظ بسعر ربط الدينار بعملة أخذت بالضعف منذ بضع سنين. الأفضل أن تصبح قيمة الدينار أعلى مما هي عليه! ومع أن هذا التحرك في السياسة الاقتصادية قد يكون تحركاً خارجاً عن أدوات السوق، إلا أن الربط في حد ذاته كان أيضاً خارج آليات السوق. وبما أن الدينار الأردني، بالنسبة للدولار، ارتفعت قيمته فعلا نتيجة معدلات النمو السابقة التي لم يشهدها الاقتصاد الأميركي، فإن إعادة تقييم هذا الربط أصبحت ممكنة ولصالح الدينار على حساب الدولار ليكون الدولار 65 قرشاً مثلاً بدلا من 70.8 قرش. ومع انخفاض قيمة الدولار بالنسبة للدينار عما هي عليه حالياً فإن صادرات الأردن لن تتأثر بشكل يُذكر، خصوصا وأن معظم الصادرات من المواد الخام كالفوسفات والبوتاس وهي سلع أساسية لا يتأثر الطلب عليها بتقلبات السعر كثيراً. كما أن الصادرات بمجملها تشكل ثلث الواردات، وصادراتنا من المناطق المؤهلة (وهي بالدولار أصلاً) قد بدأت في الانحسار فعلاً نتيجة تضارب السياسات، وانعدام الإستراتيجية الواضحة بالنسبة لهذه المناطق، وازدياد المنافسة من دول أخرى كمصر وفيتنام. بل أن العمالة الأجنبية في هذه المناطق، والتي يرتبط أجرها بالحد الأدنى للأجور، ستطلب أجوراً أعلى بالدولار، مما سيحفز منتجي هذه المناطق على توظيف الأردنيين وتدريبهم بشكل أكبر. كما أن السياحة لن تتأثر كثيراً بخاصة وأن السائح الأوروبي وهو أكثر السياح غير العرب شهد تنامياً في سعر صرفه لليورو مقابل الدينار/الدولار بـ 20%. كما أن السياح العرب، ومعظمهم من دول الخليج، تنامي دخلهم إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل سنتين. من ناحية أخرى، ستهبط كلفة الواردات مع انخفاض سعر صرف الدولار بالنسبة للدينار فيدفع الأردنيون دنانير أقل مقابل مشترياتهم.بإيجاز فإن سياسة الربط الحالية وبالأسعار الحالية تربط الاقتصاد الأردني مع الاقتصاد الأمريكي من حيث المعاملات الخارجية دون أي داعٍ. فلقد تحولت أموال كثيرة في العالم إلى عملات منافسة للدولار واستفادت بذلك من هذا التحوّل الاستراتيجي. ربما يكون هناك حاجة لإعادة النظر في سعر الربط مع الدولار وتنفيذ ما هو أفضل للأردن من خلال حوار وطني ودراسة متعمقة شفافة تساعد المواطنين ورجال الأعمال على التخطيط الاستراتيجي لاستهلاكهم وإنتاجهم وادخارهم لتعظيم منفعتهم ومنفعة الأردن. |
|
|||||||||||||