سعى العرب منذ عقود لامتلاك السلاح النووي لإيمانهم أنه من الضروري كسرُ احتكار إسرائيل النووي في المنطقة، ولإيجاد توازن استراتيجي تسليحي عسكري، إذ تدل كل المؤشرات على تفوق إسرائيل كمّاً ونوعاً وتكنولوجياً، كما تُظهر المعلومات المتوافرة امتلاكَ إسرائيل ترسانة نووية تضم أكثر من مئتي قنبلة نووية، وصواريخ "إيلات" المتطورة ومتعددة المراحل، والقادرة على حمل رؤوس نووية عابرة للقارات. هذا كله رغم ما يحيط ببرنامج إسرائيل النووي من غموض، ورغم عدم سماحها بتفتيش منشآتها النووية، ورفضها التوقيع على معاهدات حظر انتشار السلاح النووي، لتضمن بذلك تفوّق استراتيجية الردع ضد الدول العربية. وفي المقابل يؤمن العرب أن امتلاك إسرائيل السلاحَ غير التقليدي يمنحها فرض التسويات معهم وفقاً لما تتطلبه مصالحها.

لقد عرف العرب منذ زمن بعيد أن إسرائيل تمتلك السلاحَ النووي، وأدركوا مبكراً أنهم يجاورون دولة تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة النووية الجاهزة للاستخدام في أي لحظة يأس أو عنجهية. ووقف العرب إزاء ذلك مواقف شتى، يتسم معظمها بعدم الاكتراث، ويدعو بعضها للتروّي في تناول المسألة، ما دفع إسرائيل للتمادي والتهديد باستخدام "النووي" غير مرة، بل وتكثيف جهودها لتطوير ترسانتها النووية، دون أن يلقى ذلك احتجاجاً أو سعياً لإجبارها على الإفصاح عن هذه الترسانة، وبالتالي تحويل هذه الترسانة للعمل السلمي، ثم الانضمام إلى معاهدة منع انتشار السلاح النووي. وواصلت إسرائيل رفضها التوقيع على معاهدة عدم انتشار السلاح النووي، كاشفةً عن رؤيتها المتمثلة في أن سلاحها النووي هو ضمانة تفوقها العسكري، بمقابل التفوق الديموغرافي عند العرب.

كادت محاولات امتلاك السلاح النووي تنجح في العراق وليبيا والسودان، لولا أن إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية كانتا بالمرصاد، ولم تسمحا بذلك، فقامتا بتدمير المفاعلات النووية في تلك الدول، مخترعتَين أعذاراً واهية لعدوانهما.

لكن العرب الآن وقعوا بين فكّي كماشة: إيران من جهة، وإسرائيل من الجهة الأخرى. واحدة تمتلك أكثر من مئتي رأس نووي، والثانية تسير قدماً في التخصيب لدرجة التصنيع التجاري. وكلتاهما لها سجل من الأطماع بالأرض العربية. فهناك العداء التاريخي والأطماع الفارسية في الوطن العربي والتي تتجلّى في احتلال إيران للجزر العربية ("أبو موسى" و"طنب الصغرى" و"طنب الكبرى"). وهناك من جهة أخرى الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وذبح الشعب الفلسطيني وتهجيره وانتهاك حقوقه، إضافة إلى احتلال هضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا وعدد من القرى في الجنوب اللبناني.

وظل العلماء العرب في مجال الفيزياء النووية رهناً للعطالة والبطالة والملاحقة في بلادهم، وهم يتعرضون للابتزاز حيناً، وللإغراءات حيناً آخر من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية ذات التوجهات النووية، ليضيعوا هناك وليقدموا نتاجهم الفكري والإبداعي في مجال تخصصاتهم للغرب دون أن يستفيد العرب منه شيئاً.

وأدرك العرب أنه من الخطأ الجسيم الاعتقاد أن إيران أرحم من إسرائيل، فإيران لها تاريخ طويل من العداء للعرب والحروب ضدهم، وهي ما تزال تحتل أراضي عربية، إضافة إلى تورطها بتسهيل مهام القوات الأميركية لاحتلال العراق.. وهذا كله ليس سوى جزء من أحلامها ومطامعها التاريخية التي لا يمكن الاستهانة بها.

كل دولة في العالم تعتقد أن حصولها على السلاح النووي يحميها من سطوة الدول الكبرى وجبروتها، ويحفظ توازنات القوى وصراعاتها المختلفة، رغم العلم أن السباق المحموم لصنع السلاح النووي وإنتاجه ينذر بكوارث ربما تؤدي لفناء الحياة على الأرض. لكن العرب لم يكونوا موفّقين في التعاطي مع الملف النووي الإسرائيلي، تماماً كما لم يكونوا موفّقين في التعامل مع رفض المجتمع الدولي لامتلاك إيران السلاح النووي وتصنيعه.. مما شجع الاثنتين (إسرائيل وإيران) على التمادي في سباق التسليح غير التقليدي.

عمار الجنيدي