العدد 43 - ثقافي | ||||||||||||||
محمود منير ينتظر الوسط الثقافي قراراً لمجلس الوزراء بتعيين ملحقين ثقافيين في عدد من العواصم العربية والغربية، بتنسيب من وزارة الثقافة للمرة الأولى، في خطوة تشكّل سابقة في تاريخ الدولة الأردنية، لكون هذا المنصب ظل طوال العقود الماضية تابعاً لوزارة التعليم العالي، بوصفه منصباً يعنى شاغله بأمور الطلبة الأردنيين في الخارج. تعيين الملحقين الثقافيين بتنسيب من "الثقافة"، يأتي تتويجاً لجهود متواصلة قادها مثقفون أردنيون داخل المؤسسة الرسمية وخارجها منذ نهاية التسعينيات، للفت الانتباه إلى أهمية ان ترعى الحكومة مصالحها الثقافية في الخارج، كما هو الحال مع المصالح السياسية والاقتصادية. التعديل الأخير الذي أقرّه مجلس الأمة في دورته الماضية، على قانون رعاية الثقافة الصادر في العام 2003، يتضمن "دعم الأدباء والكتاب والفنانين ورعايتهم وتكريمهم وتشجيع المواهب المختلفة في سائر المجالات الثقافية والفنية في المملكة. وعند الضرورة يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعيين ملحقين ثقافيين في السفارات". تكريساً لهذه "الضرورة"، بدأ التحضير لملء شواغر في أربع عواصم، كما كشف مصدر مطلع في رئاسة الوزراء طلب عدم ذكر اسمه، مضيفاً أن وزيرة الثقافة نسّبت لمجلس الوزراء أسماء أربعة ملحقين ثقافيين في كل من الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسبانيا والصين، بوصف الوزارة هي الجهة المعنية في تنفيذ أحكام قانون رعاية الثقافة. يؤكد موظف كبير في وزارة الثقافة فضّل عدم نشر اسمه، أن الأسماء التي تم تنسيبها "تقتصر على موظفين في الوزارة"، مستدركاً أن معظمهم "ليسوا من الوسط الثقافي، ولا حتى من الكادر المتقدم من موظفي الوزارة". وفقاً للمعلومات الراشحة لـ"ے"، فإن التنسيبات تشمل: مدير الشؤون القانونية والرقابة الداخلية وليد حياصات ملحقاً في أبو ظبي، ومدير الأبنية والصيانة علي الهناندة ملحقاً ثقافياً في مدريد، ومدير الهيئات الثقافية غسان طنش ملحقاً ثقافياً في بكين، ومدير المشاريع الثقافية أحمد راشد ملحقاً ثقافياً في القاهرة. ومن المتوقع أن تُعرض الأسماء على مجلس الوزراء في جلسة مقبلة للنظر فيها، ما يفرض احتمالات عدة، كالمصادقة عليها جميعاً، أو التعديل، أو رفضها "لأسباب مالية تتعلق بمخصصات ميزانية العام الجاري"، بحسب المصدر نفسه في رئاسة الوزراء. "ے" بادرت بالاتصال بوزيرة الثقافة نانسي باكير للوقوف على المعايير والأسس الخاصة بهذه التنسيبات، وسبب اقتصارها على موظفي الوزارة. الوزيرة قالت إن الحديث عن اختيار ملحقين ثقافيين سابق لأوانه، وإنه ما زال قيد الدراسة ويحتاج لشهر حتى تعلن الترشيحات، وأضافت أنها خاطبت رئاسة الوزراء بشأن اختيار المدن الأربع التي سيُعتمد فيها هؤلاء الملحقون. أوضحت باكير أن ما يحكم اختيارها للمرشحين هي الأنظمة المعتمدة في السلك الدبلوماسي، ومنها إتقان اللغة الإنجليزية بالحصول على شهادة "التوفل"، أو إتقان لغة الدولة التي سيعيَّن فيها الملحق، وعليه سيخضع المرشحون لامتحانات قدرات. واعتبرت الوزيرة أن إلمام المرشح بالمشهد الثقافي الأردني يأتي في الدرجة الثانية، وتساءلت: "ما الفائدة من تعيين خبير في الثقافة الأردنية لا يجيد التواصل بلغة أجنبية؟". باكير أبدت عدم رغبتها في "الخوض بالموضوع"، حتى لا يتزاحم طلاّب الوظيفة وتكثر التدخلات والمحسوبيات، بحسب تعبيرها، فعندها "سيعيَّن أشخاص لا تتوافر فيهم المؤهلات الكافية"، واستغربت إثارة هذا الموضوع للنقاش الإعلامي، معتبرةً أن "وظيفة الملحق الثقافي هي أدنى رتبة في السلك الدبلوماسي"، لذا فإن باكير لا تجد مبرراً لـ"تدافع الكثيرين للحصول على هذه الوظيفة". "ے" استطلعت آراء عدد من المثقفين حول الآليات المناسبة لاختيار الملحقين الثقافيين. ونوّه المستطلعة آراؤهم إلى حقهم في الاعتراض لـ"وضع الأمور في نصابها عبر القنوات الدستورية" إن لم تكن التعيينات مقنعة. ورفضوا فكرة أن يقتصر الترشيح لهذه الوظيفة على موظفي الوزارة، ففي ذلك بحسب تعبير أحدهم "إجحاف بحق مثقفين كثر مؤهلين لهذه الوظيفة، لكنهم ليسوا موظفين في الوزارة". وزير الثقافة السابق عادل الطويسي شدد على ضرورة التريث لحين صدور نظام واضح التعليمات من رئاسة الوزراء ينظم هذه القضية، كما هو مشار إليه في بنود القانون نفسه، وبناء على ما تم مناقشته في ديوان التشريع، لتتضح شروط التقدم لهذه الوظيفة أمام الراغبين بالحصول عليها. أشار الوزير السابق، الذي أُقر في عهده قانون رعاية الثقافة قانوناً دائماً، إلى أهمية الرجوع إلى قوانين مشابهة للقياس عليها، كالقانون الذي ينظم تعيين ملحقين ثقافيين في وزارة التعليم العالي، ومن أبرز تعليماته وجوب أن يجتاز المتقدم دورة في المعهد الدبلوماسي، ويفضَّل من يتقن لغة الدولة التي سيُعتمد فيها ملحقاً ثقافياً. ولفت إلى أن وزارة الثقافة لا تخلو من المثقفين الذين جاءوا من الوسط الثقافي ويمكنهم تمثيل الأردن في الخارج. ومن جهة أخرى فلا مانع برأيه من الاستعانة بمثقفين من خارج الوزارة إذا أجاز القانون ذلك. ونبّه الطويسي إلى الموقع الحساس للملحق الذي يمثل الوجه الثقافي للبلد، بما يضمن تسويق المنتج الثقافي الأردني كالكتاب والأغنية والدراما وغيرها دعماً الحركة الثقافية والفنية، مؤكداً أن هذا الموقع ليس وظيفة عادية، ما يقتضي أن يتمتع المرشح بمميزات كافية. في السياق نفسه، دعا مساعد أمين عام وزارة الثقافة للشؤون الثقافية والفنية باسم الزعبي، لأن يكون الملحق الثقافي ملماً بالمشهد الثقافي الأردني وتاريخ الحركة الثقافية والفنية واحتياجاتها، ومطّلعاً على الصناعات الثقافية من دراما وأغنية ومهرجانات، وما يحتاج منها إلى ترويج في الخارج. وأشار الزعبي إلى أهمية امتلاك الملحق القدرةَ على التواصل مع الجهات ذات العلاقة في الخارج، ثقافية كانت أو دبلوماسية، إضافة إلى الجهات التسويقية، كالفضائيات والصحف والمؤسسات الأكاديمية وقطاع السياحة، وأن يتقن لغة أجنبية أو أكثر. وذكر أنه لا مناص من صدور تعليمات أو نظام، لبيان أسس الاختيار ومهام الملحقين بشفافية تضمن ترشيح ذوي الكفاءة ليمثلوا الأردن خير تمثيل، فلا شيء يبرر التكتم على الموضوع الذي يعدّ من أبرز مطالب الوسط الثقافي منذ سنوات، ولم يتحقق إلاّ بعد جهود ونضالات كثيرة. الكاتب والمحامي جمال القيسي عبّر عن اعتزازه بقانون رعاية الثقافة، الذي يضاف إلى "الإنجازات الوطنية للوزارة التي تعدّ الرافعة الحقيقية للثقافة وحاضنة المثقفين والمبدعين الأردنيين" على حد تعبيره. وأكد القيسي، الذي شارك في صياغة مسودات قوانين ثقافية أخرى، "ضرورة إيجاد آليات قانونية لتنفيذ القانون، وإلا بقي حبراً على ورق، فإغفال ذلك سيقود إلى مثلبة لا إلى إنجاز". واقترح إمكانية العودة إلى آلية اعتماد السفراء التي تقوم على أسس دقيقة، فـ"ضعف السفير من ضعف السفارة، والسفارة في أحد معانيها في اللغة: الرسالة، وكذلك الملحق الثقافي الذي يعدّ وزيراً للثقافة في البلد المعتمد فيه". وحذر القيسي: "سنخسر الكثير بوضعنا العربة أمام الحصان في مسيرتنا الوطنية"، مضيفاً: "الملحق الثقافي هو رسالة الأردن تجاه العالم الذي لا يعرف عنا، إلا ما سيراه من ممثلينا في الخارج". واستحضر في هذا السياق موقف الملك الراحل الحسين حينما أقال وزير الثقافة الذي أراد دعوة الفنان بيكاسو إلى افتتاح معرض استعادي لأعماله في عمّان، في جهل فاضح من الوزير بموت الفنان. وطالب القيسي وزارة الثقافة "أن تفكر جدياً وعميقاً بما يخدم الثقافة الأردنية، لا التفكير بأشخاص بأعينهم"، وتابع: "تجاهل المثقفين الأردنيين مدعاة لأن يفقد الوسط الثقافي ثقته بسياسات وزارة الثقافة، في الوقت الذي يشكل فيه الداعمَ الرئيسي لها". وأعرب القيسي عن ثقته بالوزيرة التي ستختار الرجل المناسب في المكان المناسب، مذكّراً بموقفه وموقف زملائه المثقفين في وجه "الحملة التي تعرضت لها من بعض النواب بسبب لقائها في عمّان مع الممثل التركي الذي أدى دور (مهند) في المسلسل التركي (نور)"، ما يشير إلى "احترام متبادل بين الطرفين، الوزارة والمثقفين، عززته السياسات والرؤى الإيجابية التي تحكم عمل الوزيرة ومهامها"، بحسب تعبيره. |
|
|||||||||||||