العدد 43 - دولي
 

صلاح حزين

فيما بدا وكأنه مشهد تكرر أكثر من مرة على مدى عمر الدولة الباكستانية الذي ناف على الستين عاما، وقف عاصف علي سرداري، زعيم حزب الشعب الباكستاني، وزوج زعيمته الراحلة بينظير على بوتو، يؤدي اليمين الدستورية، بوصفه رئيسا لباكستان خلف لرئيسها السابق المستقيل برويز مشرف.

خلافة سرداري، المدني، لمشرف القادم من صفوف العسكر ذوي النفوذ الأكبر في البلاد، مشهد تكرر منذ انتخاب ذو الفقار علي بوتو، والد بينظير، بوصفه أول رئيس مدني لباكستان عام 1971، فقد تكرر عندما خلفت بينظير نفسها الجنرال ضياء الحق في أواخر الثمانينيات، حيث تحولت البلاد إلى الحكم المدني، وجاء نواز شريف خلفا لبينظير، ثم حدث المشهد المعاكس حين أقصى الجنرال برويز مشرف الرئيس المنتخب نواز شريف عام 1999، وتسلم الحكم مرة ببزة الجنرال ثم ببذلة المدني، قبل أن يضطر للاستقالة في الشهر الماضي، مفسحا المجال للحكم المدني في أخذ دوره، ربما إلى حين مجيء جنرال آخر.

الاحتفال بأداء اليمين القانونية رئيسا لباكستان، لم يحضره من الرؤساء الأجانب سوى الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، في لفتة مفارقة، فكرزاي كان من أكثر الرؤساء عداء لمشرف، بسبب ما كان يقدمه من دعم، ومن توفير ملاذ آمن، للقبائل الباكستانية المرتبطة بتنظيم القاعدة الذي يخوض حربا ضد نظام حامد كرزاي في أفغانستان، وضد قوات حلف الناتو التي توفر له الدعم العسكري.

كرزاي، الذي جاء ليعرض، في صورة ضمنية، تحالفا ضد الإرهاب مع الرئيس الباكستاني الجديد، لم ينقصه الوضوح حين أكد في مؤتمر صحفي مختصر مع سرداري، أن كلا من أفغانستان وباكستان مثل توأم يعاني من المتاعب نفسها، في إشارة إلى ما يسميه كرزاي "الإرهاب"، وهي إشارة رد عليها سرداري بأحسن منها حين قال إنه هو نفسه كان ضحية للإرهاب، وهو يوميء إلى صورة كبيرة لزوجته الراحلة بينظير علي بوتو التي ذهبت ضحية تفجير انتحاري في شهر كانون الاول/ديسمبر من العام الماضي. وهو تفجير تحوم الشبهات فيه على أصوليي باكستان الذي يتخذون من الحدود الباكستانية مع أفغانستان قواعد لهم يساعدون من خلالها مقاتلي القاعدة في عملياتهم التي يشنونها على قوات حلف الناتو والقوات الأفغانية في أفغانستان، ويتخذها مقاتلو القاعدة ملاذا آمنا لهم.

ولكن كل من يعرف شيئا عن تاريخ العلاقة بين أفغانستان وباكستان، يدرك أن أمنيات كرزاي في إيجاد حليف له على "الإرهاب" في إسلام أباد ليس أمرا يسيرا، فهو لم يجد مثل هذا الحليف في مشرف، وهو الرئيس الذي تحول من داعم لنظام طالبان قبل غزو أفغانستان عام 2001، إلى متعاون رئيسي مع الولايات المتحدة خلال عملية الغزو المشار إليها، فبقيت العلاقات بين الرجلين؛ كرزاي ومشرف على درجة عالية من التوتر. وقد فاض الكيل بكرزاي مرة فوجه تحذيرا لباكستان بأن جيشه سوف يجتاز الحدود للقبض على الإرهابيين المختبئين في الملاذ الباكستاني الآمن.

عدم قدرة سرداري على عقد تحالف حقيقي مع جاره الأفغاني لا يعود إلى عدم رغبته في ذلك، بل يعود إلى حقائق التاريخ والجغرافيا، وكذلك إلى حقائق الوضع القائم حاليا في باكستان. فعلى مستوى التاريخ، كانت أفغانستان، حتى وهي تحت الحكم الملكي حليفا للهند، خصم باكستان اللدود، فيما كانت باكستان حليفة الصين، خصم الهند اللدود، وهذه الخصومات التي كانت تحكمها حقائق الأيديولوجيا يوما ما، عادت لتحكم بحقائق الجغرافيا. كانت الهند الحليف الأقوى للاتحاد السوفياتي، خصم الصين الكبير أيديولوجيا، وكانت الصين حليفة باكستان، من باب النكاية بخصميها الهندي والسوفياتي.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بدأت حقائق الجغرافيا تلعب الدور الأكبر، فبقيت التحالفات على ما هي عليه إلى حد كبير، فما زالت أفغانستان حليفة للهند التي ما زالت حليفة لروسيا، وما زالت باكستان خصما، وإن غير معلن لكليهما، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم اتهام أفغانستان والهند لباكستان بأنها كانت وراء الهجوم "الإرهابي" على السفارة الهندية في كابول. كل هذا يعني أنه يجب أن يحدث تحول زلزالي في المنطقة ليفك التحالفات في المنطقة ويعيد بناءها على أسس جديدة، وهو ما لم يتحقق بعد، ولا يبدو أنه سيتحقق في المدى المنظور.

إلى ذلك فإن حقائق الوضع الراهن تقول إن تقرير أمر تحالف باكستاني مع أفغانستان لمواجهة الإرهاب، ليس أمرا يقرره سرداري وحده، فهناك العسكر الذين ما زالوا يحتفظون بالنفوذ الأكبر في السياسة الباكستانية، حتى وإن تحولت باكستان إلى دولة يحكمها مدنيون. فالعسكر ما زالوا هناك جاهزين للتدخل في أي لحظة، تماما مثلما حدث أكثر من مرة خلال العقود الستة الماضية.

ثمة قوة أخرى مقررة في باكستان هي القبائل. فمن المعروف أن القوى الثلاث المقررة في باكستان هي الأحزاب والعسكر والقبائل، ما يجعل قوة سرداري غير مقررة في شأن خطير مثل التحالف ضد الإرهاب، وبخاصة إذا عرفنا أن حزب الشعب، واحد من عدد من الأحزاب ذات النفوذ في باكستان، ولا يمثل الأحزاب كلها.

التحالف ضد الإرهاب، من جهة أخرى يمثل واحدا من عدد من المشاكل التي سيكون على سرداري حلها، مثل الاقتصاد الذي دخل دوامة الغلاء في بلاد تعاني من انتشار كبير للفقر. أما التحدي الذي لا تقل أهمية فهو ترسيخ الحكم الديمقراطي في البلاد لكي يكون ضمانة أمام مجيء أي جنرال جديد ليحكم بلدا شوهت ديمقراطيته أحذية الجنرالات.

سرداري رئيسا لباكستان وكرزاي يعرض عليه تحالفاً ضد “الإرهاب”
 
11-Sep-2008
 
العدد 43