العدد 43 - أردني | ||||||||||||||
في الوقت الذي تخرج فيه الجامعات الأردنية أفواجا من الطلاب المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات كل عام، يشهد القطاع نفسه جدلا واسعا حول "نوعية" الموارد البشرية المتوافرة لدعم صناعة تكنولوجيا المعلومات، التي تمكنت في العام 2006 من تحقيق موارد تجاوزت 770 مليون دولار. وتتذمر شركات من نوعية الخريجين الذين ينضمون إلى سوق العمل كل عام، ووصف مدراء شركات نوعية الخريجين هذه بـ"الكارثية"، فيما وصفوا الحديث الحكومي عن "الوفر الهائل" من الخبرات في سوق تكنولوجيا المعلومات بالعبارة الشكسبيرية: "جعجعة بلا طحن.» ويؤكد مدير إحدى شركات الاستشارات أن المشكلة لا تكمن في أعداد الخريجين، بل في المستوى العملي والتقني الذي يتخرجون به ومدى توافقه مع حاجة السوق، ويشبه ذلك بمن ينتج أطنانا من التفاح وعندما يذهب للسوق لبيعها يقال له: «نحن لا نريد طنا من التفاح، بل خمس برتقالات.» ويشدد رائد البلبيسي، مدير شركة القمة للاستشارات الإدارية والتسويقية، الرئيس التنفيذي السابق لجمعية تكنولوجيا المعلومات، إنتاج، على ضرورة أن تتحول عقلية تدريس تكنولوجيا المعلومات في الجامعات والمعاهد من التركيز على النظرية إلى إعطاء أهمية للتطبيق العملي والتدريب الميداني. وبعيدا عن المهارات التقنية، تؤكد شركات أن الطلاب المتخرجين لا يمتلكون المهارات الشخصية أو soft skills للتواصل واحترام العمل والالتزام بالوقت. ويضيف البلبيسي: «وعلى صعيد أبسط، فإن العمل على تطوير تطبيق كمبيوتري معين هي عملية تراكمية، إذ يحتاج كل موظف للتعاون مع الموظف الآخر لإتمام أي عملية، ولكن طلابنا لا يمتلكون تقنيات التعاون مع بعضهم ولا يمتلكون أسس العمل الجماعي.» ويتخرج كل عام نحو 5 آلاف طالب في قطاع تقنية المعلومات من الجامعات الحكومية والخاصة، فيما توظف شركات تكنولوجيا المعلومات نحو 1000 موظف من الخريجين الجامعيين. ولكن أحد الأساتذة في هذا القطاع يؤكد أن الجامعات ليست مسؤولة عن المستوى «غير التنافسي» للطلاب، ويضيف أن على الشركات مسؤولية كبرى في التدريب وإمداد الجامعات بفرص للتعلم العملي والتقني. ويضيف: «السوق الأردنية بحاجة لعدد معين من الخريجين في كل تخصص معلوماتي، لذا فنحن نمد طلابنا بالمعلومات الأساسية ونتوقع منهم أن يكتسبوا المعلومات والمهارات في كل تخصص عندما ينضمون إلى سوق العمل.» ويؤكد الأستاذ أن الجامعات لا تملك الموارد المالية والعملية التي تمكنها من تجريب الطلاب، ويقترح على الشركات استقبال الطلاب للحصول على تدريب عملي مقابل ساعات عملية تحتسب لهم ضمن دراستهم. وهذا ما حصل عليه أحمد السعدي، الموظف في إحدى الشركات، والذي استفاد من تعليمه الجامعي بشكل قليل جدا لكنه «كان محظوظا إذ تعلم في شركته الكثير من المهارات والتي أهلته للترقي في شركته وتلقي العديد من عروض العمل في شركات محلية وإقليمية، خصوصا في منطقة الخليج.» ويضيف: «لم أكن قد حددت التخصص الذي أرغب في دراسته ضمن قطاع تكنولوجيا المعلومات حتى السنة الثالثة في الجامعة، وأعتقد أن من المستحيل على الجامعات فتح أكثر من 40 تخصصا فرعيا لتلبية حاجات السوق.» إلى ذلك يؤكد مدير إحدى الشركات العاملة في القطاع أن اللوم هنا يقع على الجامعات التي ترفض تطوير مناهجها بشكل متسارع للبقاء على اطلاع على التطورات التي يشهدها القطاع محليا وعالميا، بخاصة وأن قطاع تكنولوجيا المعلومات «يتحرك بسرعة، ومن ينتظر عامين فقط، فإنه يصبح كمن يتعلم الطب في القرن الخامس عشر.» وقال المدير، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن الجامعات ما تزال مصرة على تعليم الطلاب مهارات لا يحتاجونها مثل برمجة فورتران التي لم تعد مستخدمة حاليا. وعلى رغم محاولات الشركات فتح قنوات الحوار مع الجامعات وإقناعها بضرورة التنسيق المستمر لمعرفة حاجات السوق، فإن الجامعات تصر على اعتبار مرحلة الدراسة الجامعية مرحلة تأسيسية فقط تحتاج الشركات بعدها للعمل على تطوير مواردها البشرية بما يفي بحاجاتها. لذلك، فإن شركته أصبحت تقدم للموظفين عدة أشهر من التدريب العملي قبل التحاقهم بالعمل. ومع انه يوافق على ضرورة «التدريب ضمن العمل» فإنه يؤكد أن على الجامعات إعطاء الطلاب ما يناسب القطاع وعدم تضييع وقتهم وجهدهم على النظرية دون التطبيق. وبعيدا عن التجريب، فإن القطاع يواجه مشكلة أخرى؛ إذ يغادر الموظفون الشركات المحلية بحثا عن رواتب أعلى في الخليج، وخصوصا دبي وأبو ظبي، ما يجعل الشركات تخسر مواردها ووقتها اللذين أنفقتهما على تدريب الموظفين. ويقول: «ما إن يصل الموظف إلى مستوى عملي جيد حتى يبدأ في تقديم طلبات عمل في الخليج ويغادر الشركة من دون فترة إنذار أحيانا. ونقع نحن هنا في فخ الجامعات والطلاب ونكون الخاسرين في معادلة ظالمة.» «لكي يتطور القطاع بالمستوى المتوقع منه، فإن على الحكومة الإيمان بأن إعطاء هذا القطاع الأدوات اللازمة لتطوره هي الخطوة الأولى»، بحسب البلبيسي، الذي يلخص مشكلة تكنولوجيا المعلومات في الأردن بمن يضع محرك سيارة فولكس فاغن قديمة في سيارة فيراري ويتوقع منها ربح السباقات. |
|
|||||||||||||