العدد 43 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري يبدو وادي السليكون وكأنه اسم لمكان خيالي لا وجود له، فهو يطلق على أكثر من مكان في العالم، ورغم أنه في الأصل اسم لمكان، فإنه يتجاوز حدود الجغرافيا ويتصل بحدود التكنولوجيا. وادي السليكون ليس واديا بالضرورة، بل قد يكون جغرافيا على هضبة كما في وادي سليكون الهند، بنغالور. قصة وادي السليكون هي قصة التقدم التكنولوجي في أبرز صوره، حتى إن كل بلد في العالم أصبح يسعى لأن يكون لديه وادي السليكون الخاص به. وادي السيليكون - كاليفورنيا لم يكن وادي السيليكون قد ظهر على الخارطة العالمية، لا بوصفه اسما ولا معنى، حتى مطلع السبعينيات. جغرافيا، هو وادي سانتا كلارا المحاذي لجامعة ستانفورد العريقة في شمال ولاية كاليفورنيا الأميركية. أما اصطلاحيا، فهو يعني أي تجمع هائل من الشركات والصناعات والأبحاث، وحتى المواهب، المتعلقة بالتقنية الحديثة مثل الحواسيب والترانزستورات. ظهر اسم وادي السيلكون لأول مرة في كانون الثاني/يناير عام 1971، بوصفه عنوانا لسلسلة مقالات نشرها دون هوفلر في مجلة متخصصة بالإلكترونيات هي Electronic News. "الوادي" كان يشير إلى الموقع الجغرافي الذي ضم، وما زال يضم، أهم الشركات والصناعات المسؤولة عن الثورة المعلوماتية في القرن العشرين، فيما يمثل السيلكون المادة التي تصنع منها الرقائق التي تعتبر أساس الصناعة الإلكترونية. قصة وادي السيلكون بدأت منتصف القرن الماضي عندما واجهت جامعة ستانفورد المشهورة بإبداعاتها العلمية أزمة مالية، فكان الحل بأن تؤجر جزءا من الأراضي في حرمها إلى شركات عالية التقنية فيما عرف بمجمع ستانفورد الصناعي، والذي تحول لاحقا إلى مجمع ستانفورد للأبحاث. الشركات الأولى التي استأجرت أماكن لها في الوادي الذي تميز بالمساحة الواسعة والإيجارات المنخفضة كانت شركات هيوليت باكرد، التي أسسها اثنان من خريجي ستانفورد، والتي أصبحت لاحقا أكبر مصنع للحواسيب في العالم؛ بالإضافة إلى جنرال إلكتريك وإنتل؛ ومختبرات شوكلي، الذي كان أول من صنّع رقائق السيلكون مستبدلا رقائق الجيرمينيوم، ما أحدث ثورة في صناعة الرقائق الإلكترونية. يضم الوادي اليوم أشهر شركات العالم في مجال التقنية الحديثة مثل أدوبي، آبل، سيسكو، غوغل، ياهو!، فيس بوك، آكسيس، مايكروسوفت (مقرها واشنطن). فلا عجب أن يُشتهر الوادي بإبداعاته. تقرير لجريدة Wall Street Journal عام 2006، ذكر أن 10 بلدات في هذا الوادي كانت من بين 20 بلدة هي الأكثر إبداعا في الولايات المتحدة. عاصمة الوادي، مدينة سان خوسيه، وحدها قدمت ذلك العام 3867 براءة اختراع. وأخيرا فإن اسم شهرة وادي السليكون بوصفه مجمعا للصناعات التكنولوجية، وارتباطه بأحدث منجزات التكنولوجيا، جعل اسم وادي السليكون يطلق على أي مجمع مشابه في أي بلد في العالم. بنغالور: وادي سيليكون الهند موقع مدينة بنغالور الهندية فوق هضبة، لكن ذلك لم يمنعها من أن تكتسب وبجدارة اسم وادي السيليكون الهندي. تقع بانغالور في ولاية كاناتاكا جنوب شرقي الهند، وهي ثالث أكبر مدينة هندية إذ يبلغ عدد سكانها 5 مليون نسمة. فكرة محاكاة وادي السيليكون الأميركي، بإنشاء مدينة مشابهة في الهند كانت حلما شخصيا لـ ر.ك. باليغا، الذي عمل رئيسا لمؤسسة تطوير الإلكترونيات الحكومية. باليغا اقترح في النصف الثاني من السبعينيات إنشاء مدينة إلكترونية تكون مجمعا صناعيا ضخما يقوم على صناعة تقنية المعلومات. بالإضافة إلى مجمع المدينة، هناك مجمع بنغالور للتقنية الدولية ومجمعات تقنية البرمجيات. هذه جميعا تضم اليوم حوالي 1500 شركة في قطاع تقنية المعلومات، مجمع المدينة وحده يضم 103 شركات محلية ودولية مثل فيربو، هيوليت باكرد، موتورولا، إنفوسيس، سيمنز، آي تي آي، ساتيم. وهكذا أصبحت بنغالور تمثل مركز القطاع المعلوماتي في الهند؛ بمشاركة نسبتها 33% من صادرات الهند في مجال المعلوماتية، والتي يتوقع أن تصل العام الجاري 87 بليون دولار، بارتفاع يزيد على الضعفين، إذ كانت حصيلة هذا القطاع العام الماضي 33 بليون دولار. السوق الهندية في هذا المجال تتميز أيضا بأنها توفر خدماتها على الأرض لشركات أميركية وأوروبية من خلال ما يعرف بعملية OUTSOURCING، التي تعني أن توكل شركة كبرى بعض مهامها التقنية لمكاتب إسناد BACK OFFICES في دول أخرى. هذا الأمر يوفر على الشركة الأم التكاليف العالية للتأجير والتشغيل والتدريب في الغرب، من خلال قيام الشركة بالاستعانة بمهارات محلية، تكاليفها بالضرورة منخفضة لدى مقارنتها في الهند حيث تتوافر عمالة ماهرة يمكنها القيام بالمهمة خير قيام. و يقدر حجم العمالة المدربة في قطاع المعلوماتية في الهند بنحو 4 ملايين عامل تقني، يتدربون في 1832 مؤسسة تعليمية متخصصة في الإلكترونيات. في السنوات الثلاث الماضية، قامت شركة الحواسيب العملاقة آي بي أم IBM بإنهاء خدمات 13 ألف موظف في أوروبا وأميركا، وعينت بدلا منهم نحو 14 ألف موظف في مكاتبها بالهند. ** وادي سيليكون الأردن فكرة تنتظر من يطبقها "وادي السيليكون أردني" ما زال مجموعة أفكار تطفو على السطح من فترة إلى أخرى، تغذيها المخرجات الأردنية أثبتت كفاءتها في مجال تقنية المعلومات في السوق المحلية والأسواق العربية وخاصة الخليجية. فكرة هذا "الوادي" يعمل عليها تجمع شركات تعتمد على التقنية العالية في عملها سواء في مجال الحواسيب والإنترنت أو حتى المجالات العلمية الأخرى مثل الطب والزراعة. وتتلخص الفكرة برعاية شركات ومشاريع ناشئة حققت براءات اختراع أو إضافات نوعية كل في مجاله. وادي سليكون الأردن إذن، ليس مدينة إنترنت أو شارع إنترنت بل هو مشروع إستهلاكي بحت. محمد الخواجا، نائب مدير مركز الملكة رانيا للريادة، يعتبر أن مدينة الحسن العلمية التي تعمل مع مركز الملكة رانيا للريادة والمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا والجمعية العلمية الملكية وجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا، قد يكون نواة لمثل هذا التجمع الصناعي القائم على المعرفة. فمثلا، يعمل مركز الملكة رانيا على رعاية المشاريع البسيطة القائمة على إبداعات وبراءات الاختراع وذلك من خلال دعمها لتتحول إلى أعمال تجارية تدر ملايين الدنانير. في هذا المجال يروي الخواجا قصة شركة كتاب؛ إذ قام شبان أردنيون على تطوير نسخة من لوح الكتابة الأبيض interactive white board. وهو لوح طورته شركتا هيتاشي وسمارت بورد، ويعتمد على سطح عالي الحساسية قادر على تخزين ما يكتب عليه؛ فأنت عمليا لا تكتب على لوح وإنما تطبع كلمات وأشكالا على شاشة كومبيوتر. ما فعلته شركة كتاب الأردنية هو أن نسختها كانت أقل تكلفة من النسخة الأجنبية. ويقول خواجا إنه بهذه التكلفة القليلة يمكن أن يستخدم اللوح، بكل سهولة ويسر، في المدارس ليكون جزءا من العملية التعليمية بطريقة مؤثرة غير مكلفة. ويلفت الخواجا إلى مفارقة غريبة؛ فبينما تمكن فريق كتاب من بيع هذا المنتج في أوروبا والخليج، فإنه ما زال يجد صعوبة في تسويقه محليا. ويرجح أن يكون السبب في ذلك هو عدم ثقة المستهلك الأردني سواء كان حكومة أو أفراد بالمنتج المحلي؛ "هل يعقل أن أشتري منتجا لشركة أردنية؟" لكن ثمة شركات أخرى تمكنت من إيجاد طريقها إلى السوق المحلية. شركة كندي سوفت التي تأسست قبل 3 سنوات، طورت نظاما لحماية وتشفير ملفات multimedia. وهي ملفات تحتوي على صوت وصورة تنبض بالحركة السريعة الخاطفة أو ما يسمى flash animation (رسوم نايضة). نرى هذه "الرسوم النابضة" في مقدمة مواقع إلكترونية قبل أن ندخل إلى الموقع نفسه، أو أنها تتخذ أشكال توضيحية تصف ظاهرة. هذه الملفات ظلت عرضة للنسخ حتى طورت كندي سوفت الأردنية برنامجها التشفيري لحمايتها. هذه الشركة فازت مؤخرا بجائزة إنتل لأفضل خطة عمل على مستوى العالم العربي. شركة منارات التي بدأت قبل عامين مثال آخر. فقد طورت هذه الشركة نظاما يستغل بيئة التواصل اللاسلكي لتقديم خدمات نوعية لقطاع الخدمات والصناعة. فمثلا يستطيع موظف المبيعات في شركة أدوية أن يحدد عدد الوحدات المتوفرة في المستودع من دواء معين عن طريق هاتفه النقال. كما يستطيع مدير مشروع أن يشرف على حركة موظفيه المكلفين بمراجعة مناطق معينة من خلال الهاتف النقال أيضا، من دون الاضطرار لاستخدام كومبيوتر محمول. هذا المنتج يباع لشركات أردنية وعالمية. وهكذا بات واضحا أن التأسيس لصناعة معرفية في الأردن لا يتعلق بالإبداع وإنما بسن قوانين وتشريعات تحمي هذا الإبداع من حيث الملكية الفكرية وتطويره من خلال ضمان استثماره وتسويقه. أحمد حميض الرئيس التنفيذي لشركة توت كورب، المالكة لموقع "إكبس دوت كوم» يقول إن الإبداع لا يحتاج إلى مباني وعقارات وإنما إلى بيئة تشجع على الاستثمار وإلى تغيير في نمط تفكير المستثمر حتى يدرك أن استثماره في شركات قائمة على تقنية المعلومات قد يكون أفضل من بناء ناطحات سحاب. ويضيف حميض أن العقلية الاستهلاكية هي الغالبة على نمط العمل في مجال IT حتى في الدول العربية التي قد يعتقد المرء أنها حققت خطوات في هذا المجال. وهو يعتبر أن هذا القطاع في دبي مثلا يقوم على المبيعات والتجارة وليس على تطوير البرمجيات؛ "حتى إن المهندس الأردني عندما يذهب إلى دبي يتحول إلى بائع لحلول وأنظمة جاهزة لم يساهم في إبداعها." على أي حال، يبدو أن فرصة تحويل وادي سليكون الأردن من فكرة إلى حقيقة تقترب من التحقق، فشركة غوغل ستنشىء مقرا للبحث والتطوير في عمان. هذا المشروع سوف يساهم في خلق فرص عمل هائلة، كما أنه سوف يزيد من خبرة الشباب الأردني ويعزز من سمعة الأردن عالميا في هذا المجال، ما يمكن أن يشكل نواة لوادي سليكون أردني. |
|
|||||||||||||