العدد 43 - أردني
 

ماجد توبة

إثارة قضيتَي إحالة عطاء هندسي في العقبة الخاصة على زوجة رئيس المفوضية حسني أبو غيدا، وإحالة رئيس جامعة البلقاء التطبيقية عمر الريماوي إلى المدعي العام في الأيام القليلة الماضية، زادت الجدل المندلع على صفحات الصحف منذ أشهر، ومعركة "كسر العظم" بين ما اصطُلح عليهما إعلامياً بتياري "المحافظين" و"الليبراليين الجدد".

رغم أن القضيتين قانونيتان بالدرجة الأولى، وإن كان لهما بعدان سياسي وأخلاقي أيضاً، فإن حسم الجدل بشأنهما يتم في القضاء، بحسب قانونيين، لكنهما سرعان ما وجدا صدى قوياً في الساحتين السياسية والإعلامية، الملتهبتين أصلاً، لتصبحا موضوعاً للتجاذب السياسي، ومجالاً للاصطفافات والتحشيد، واختلاف التفسيرات والتحليلات.

الجدل السياسي لم يلبث أن امتد إلى قبة البرلمان. في قضية الريماوي وجد الرجل من يناصره أو يتفهم موقفه بين النواب. وذهب نواب، منهم رئيس لجنة الثقافة والتربية علي الضلاعين، إلى التشكيك في أهداف تحريك القضية في هذه المرحلة.

أما في قضية ابو غيدا، فقد انقسم الرأي النيابي حول تشكيل لجنة التحقق النيابية في هذه القضية، فمقابل من أيد تشكيل اللجنة وأن يكون للمجلس "المجاز" دور فيها، رأى آخرون، وأبرزهم النائبان بسام حدادين وخليل عطية، عدم صوابية تشكيل اللجنة، لأن المجلس غير منعقد، وباعتبار القضية قيد التحقيق من قبل هيئة مكافحة الفساد.

قضية البلقاء التطبيقية باتت –بحسب قانونيين- الأقرب إلى الحسم في آلية التعامل معها بعد إحالتها للقضاء. أما قضية عطاء العقبة فما زالت الأكثر إثارة سياسياً، باعتبارها ذات بعدين: قانوني، وآخر سياسي، والأخير يتعلق بما يعرف بـ"تضارب المصالح والمسؤولية الأخلاقية والأدبية" للمسؤول الذي يجب أن يلتزم بها تجنباً للشبهات، حتى لو كان القرار الذي يتخذه هذا المسؤول منسجماً مع الأنظمة والقوانين المعنية، أو غير مشوب بعيب قانوني مباشر.

تحفظ الريماوي

بعد إحالته إلى المدعي العام من قبل هيئة مكافحة الفساد وتوقيفه على ذمة التحقيق قبل الإفراج عنه بكفالة، وجد الريماوي نفسه في جدل في أروقة الصالونات السياسية والأكاديمية، وبدرجة أقل في الإعلامية.

وفي اتصال لـ"ے" تحفّظ الريماوي على التعليق على قرار إحالته إلى المدعي العام. واكتفى بالقول: "حسبي الله ونعم الوكيل".

وقال: "أفضّل في هذه المرحلة عدم التعليق". وأردف: "أؤمن أن الحقيقة ستظهر في النهاية، ولا يمكن لإنسان أن يُظلم في بلد يقوده الهاشميون".

ولم يعلَن رسمياً حتى الآن، سواء من قبل المدعي العام، أو من قبل هيئة مكافحة الفساد، عن التهم التي أسندت للريماوي، إلا أن مصدراً مطلعاً أبلغ "ے" أنها تتعلق تحديداً بشبهات «استثمار الوظيفة، والمحسوبية في تعيينات، واستغلال مكافآت مالية، والاستثمار في بورصة مالية بجزء من أموال الجامعة»، وهي تهم مفترضة لم يتم تأكيد توجيهها رسمياً للريماوي.

ورغم تعرضه لأزمة صحية أدخلته المستشفى بعد الأمر بتوقيفه منتصف الأسبوع الماضي، بدا الريماوي واثقاً من براءته، ووضعه، الذي بات أمام القضاء، وهو «الفيصل في البت في إدانته من عدمها» كما قال.

ولا يعتقد الريماوي، أمام إلحاح «ے» في السؤال، بأن لصراعات مراكز القوى وما يثار عن تصفية حسابات سياسية بين هذه المراكز «أي دور» في إثارة قضيته واتهامه بالفساد. وقال: «ما يهمني هو أنني أؤمن أن الحقيقة ستظهر».

الاتهامات بوجود شبهات فساد في جامعة البلقاء التطبيقية لم ينقطع الحديث عنها منذ أكثر من عام، سواء على صفحات صحف أو من قبل نواب، وسبق للنائب محمود الخرابشة أن طالب في خطاب الثقة بحكومة نادر الذهبي نهاية العام الماضي بمحاسبة الريماوي عما وصفه الخرابشة «تجاوزات مالية وإدارية».

صراعات سياسية

على غرار الريماوي، تحفّظ رئيس منطقة العقبة الخاصة حسني أبو غيدا، على التعليق على مقالات صحفية وآراء غمزت وألمحت إلى أن إثارة قضيته الآن، تعكس «صراع مراكز قوى وتصفية حسابات سياسية». وهو غمزٌ رفضته مقالات أخرى وشككت في مطلقيه.

يصنَّف أبو غيدا من قبل سياسيين وإعلاميين بأنه قريب من التيار الليبرالي، الذي يتعرض لانتقادات وهجوم من التيار المحافظ ومناصريه في الإعلام والرأي العام.

أبو غيدا اكتفى، رداً على أسئلة «ے»، بالقول: «أنا لا أبحث عن أعداء، وأهتم بعملي وخدمة بلدي وقيادتي بكل ما أوتيت من قوة».

وأكد ثقته بقانونية إحالة العطاء على شركة الاستشارات المملوكة لزوجته، وقال: «العطاء أحيل على المكتب من قبل الشركة المطورة، ولا علاقة للمفوضية به».

تحقيق مكافحة الفساد

أبو غيدا قام – كما أشار- بمراجعة هيئة مكافحة الفساد بعد إثارة القضية في الصحافة، وعرض وجهة نظره بما وُجه إليه من اتهامات. وقال: «راجعت الهيئة بصورة شخصية دون أن تطلبني، انطلاقاً من معرفتي بمسؤولياتي».

وأضاف: «لم يحقق معي أحد، لأنه لا مخالفة قانونية علي». مع ذلك أكد ترحيبه واستعداده للتعاون مع لجنة التحقق النيابية لـ«إجلاء الحقيقة كاملة». وأوضح ان اللجنة النيابية «ليست لجنة تحقيق، بل للتحقق».

لم تحدد اللجنة النيابية، التي جاء تشكيلها بعد إثارة القضية في الصحافة وقرار رئيس الوزراء بوقف إحالة المشروع على المكتب المذكور، حتى الآن، موعداً للقاء أبو غيدا والبدء بالتحقق.

الجدل حول اللجنة النيابية ودورها في هذه القضية لم يقف عند النواب أنفسهم، فثمة رأي قانوني ينتقد تكليف اللجنة بذلك دون القضاء.

القانـــوني عبد الرزاق أبو العثم، في تصـــريح لـ«ے»، وبعد أن أشار إلى أنه «غيــــر مطلع على الحيثيات القانونية» في قضية العقبة باستثناء ما نشر في الإعلام، انتقد أن تتقدم لجنة نيابية للتحقيق في القضية لحسم الجدل، فالتجربة النيابية «تشير إلى أن البعد السياسي لا القانوني هو الذي يطغى».

لذلك، يرى أبو العثم، وهو قاضي تمييز سابق، أن الأصل هو أن الجهة صاحبة الاختصاص في مثل هذه القضايا هي القضاء، و«كان الأنسب أن يحقق المدعي العام ليقرر إما توجيه الاتهام أو إغلاق الملف».

واستدرك أبو العثم أن التعليق على قضية أحيلت إلى القضاء «أمر غير صحيح في الأصل، إلى أن يبت فيها».

قضيتا أبو غيدا والريماوي: حتى لا تصبح مقتضيات القانون في مهب الريح
 
11-Sep-2008
 
العدد 43