العدد 42 - ثقافي | ||||||||||||||
السجل - خاص بصدور العدد الثاني والسبعين من المجلة الثقافية، وهو الثاني بحلتها الجديدة شكلا وموضوعا، والذي جاء على درجة عالية من الغنى والتنوع الأدبي والثقافي، تكون المجلة التي تصدر عن الجامعة الأردنية قد اجتازت اختبار التفوق بجدارة مؤكدة. في هذا العدد، حافظت المجلة الثقافية على المستوى المتقدم الذي بدأته منذ انطلاقتها الجديدة في العدد الحادي والسبعين، من حيث الشكل الجميل متقن الإخراج، وكذلك من حيث المواد الغنية الموزعة على أبواب المجلة المتنوعة. المجلة التي يرأس تحريرها محمد شاهين، خصصت ملف هذا العدد لفلسطين بمناسبة الذكرى الستين لنكبتها. كتب رئيس التحرير افتتاحية حملت عنوان "الثقافة الفلسطينية واستلهام المستقبل"، أكد فيها أن المثقفين الفلسطينيين المخلصين لفن الإبداع، سلكوا وما زالوا، "مسالك تختلف عن مسالك أعدائهم، مبرهنين على أن الاختلاف المبدع يظل هو الوليد الجديد المبشر بالهوية الوطنية المستقبلية المأمولة". شارك في الملف عدد من كبار كتّاب العالم والعالم العربي وكتاب أردنيون؛ اللغوي والناشط السياسي نعوم تشومسكي كتب مقالة مخصصة للعدد حملت عنوان "إسرائيل وأميركا: اللعب في منطقة اللاممكن"، كانت تنويعا غنيا على موقف الكاتب المؤيد للحق الفلسطيني، ومحملا إسرائيل إدانة لها، فهو يرى أنها، إسرائيل، ما كانت لتستطيع القيام بكل هذا الخرق للقانون الدولي لولا الرعاية الأميركية. وكتب آفي شلايم، أحد أبرز المؤرخين الإسرائيليين الجدد، مقالة بعنوان "ذكرى قاتمة" عكس فيها أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد وجهة نظر متقدمة عن الصراع العربي الإسرائيلي، كانت استمرارا لمواقفه التي جعلته أحد أبرز مجموعة المؤرخين الجدد الإسرائيليين. وأعادت المجلة نشر مقالة كان كتبها عالم الأنثروبولوجيا المعروف إدموند ليتش في العام 1972، وحملت آنذاك رؤيا متبصرة للصراع العربي الإسرائيلي. وقد تُرجمت المقالة ونشرت تحت عنوان "رؤية مبكرة في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي". فيصل دراج كتب "عما خسرته إسرائيل ولم يربحه الفلسطينيون"، وكتب نبيل مطر الأستاذ في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة مينيسوتا الأميركية، مقالة بعنوان "من ذكرى النكبة - جنب نبع العدرا". فلسطين كانت حاضرة أيضاً في مقالة جيف هالبر، منسق اللجنة الإسرائيلية ضد هدم المنازل، الذي كتب مقالة عن جدار الفصل الإسرائيلي؛ وفي مقالة الناقد السينمائي أحمد طمليه حول فيلم "الجنة الآن" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي اعتبره "صرخة فلسطينية في الفضاءات العالمية"، إذ رشح الفيلم لنيل جائزة الأوسكار في العام 2006. كما حضرت فلسطين في عرض محمود الريماوي للسيرة الذاتية للشاعر والروائي الفلسطيني الراحل "حسين البرغوثي، والتي ضمنها كتاب: "سأكون بين اللوز" "، تحت عنوان "الأفعى القاتلة تزغرد، وإسرائيل كذلك". كما كانت فلسطين حاضرة في عرض صلاح حزين لسيرة الروائي الإسرائيلي عاموس عوز التي أصدرها تحت عنوان "حكاية حب وظلمة"، والتي أسفر فيها عن موقف عنصري لا علاقة له باليسار الذي يزعم أشهر روائي إسرائيلي أنه يقف في صفوفه، وفي عرض دينا سليمان لكتاب كارل صباغ "فلسطين: تاريخ شخصي" الذي روى فيه الكاتب سيرة عائلته المتحدرة من مدينة صفد الفلسطينية، وكذلك في مقابلة أجرتها حنين خرفان مع وزير الخارجية الأسبق حازم نسيبة، وفي شهادة القاص الفلسطيني محمود شقير عن مدينة القدس التي كانت له "موطناً ومنفى". ولم تكن مواد العدد الأخرى أقل غنى وثراء وتنوعا، إذ تضمنت مقابلة كان أجراها محمد شاهين مع فرانك كيرمود، أحد أبرز نقاد الأدب البريطانيين المعاصرين. وكتبت بلقيس الكركي في باب "أقواس"، نصاً بعنوان "في جحيم الثنائيات والثلاثيات والرباعيات". وكتب عواد علي عن نظريات التلقي في المسرح. وفي الإبداع، ضم العدد قصصا لمحمد البساطي، وإبراهيم زعرور، وقصائد لرزق أبو زينة، زهير أبو شايب، كمال عبد الرحمن، ومحمد عزت الطيري. العدد، زينت غلافه لوحة للفنانة الفلسطينية ليلى الشوّا، وتوزعت على صفحاته الداخلية لوحات ورسومات للراحل إسماعيل شموط، محمود حماد، ونجا مهداوي. أن تصدر مجلة عن معقل أكاديمي مثل الجامعة الأردنية، وهي تحفل بهذا العدد الكبير من المواد الأدبية والفكرية المميزة، متحررة من القيود الشعبوية والرسمية، يشير إلى حقيقة غائبة حول إمكان صدور مجلة بهذا المستوى الراقي في الأردن، وأن كل ما يحتاجه الأمر هو درجة من الصرامة في التعامل مع النص الأدبي الذي يستحق النشر في مجلة يراد لها أن تصدر بمستوى يتقدم على ما عداه، ليس في المجال الأكاديمي فحسب، بل وفي الوسط الأدبي والثقافي الأرحب خارجه. كما يحتاج درجة من النزاهة العلمية التي تكفل الابتعاد عن المجاملة التي تعد مقتلا حقيقيا للمشاريع الإبداعية الساعية إلى تجاوز الواقع الأدبي والأكاديمي والتقدم عليه. إن ذلك يعني أن إمكانية صدور مجلة على هذه الدرجة من الرقي الفني والأدبي والفكري، هي إمكانية واقعية، وأن ما يحتاجه ذلك لا يزيد على شرط بسيط بقدر ما هو قاس، هو وضع الكفاءة والقدرة على الإنجاز معيارا تختار على أساسه هيئة تحرير المجلة، مثلما تختار على أساسه المواد المنشورة، والتي تجعل من أي مجلة مطبوعة جديرة بالقراءة، وباحترام المثقفين في الوقت نفسه. كما أن صدور مجلة بهذا المستوى يثير تساؤلات حول الإمكانيات المهدرة في مجلات لا يقرأها سوى كتابها، تصدر عن مؤسسات أكاديمية ورسمية، لا تأخذ من اهتمام القارئ الجاد أكثر من قراءة خبر عن صدورها كل شهر أو فصل أو سوى ذلك. أحد المثقفين، ممن قرأوا العدد الأخير من المجلة الثقافية، شبّه المجلة الأردنية بمجلة "الكرمل" الفلسطينية التي كان يرأس تحريرها الشاعر الراحل محمود درويش، ما يعطي بعدا إضافيا لنص كان قد كتبه الشاعر الراحل قبل أحد عشر عاما تحت عنوان "البحث عن الطبيعي في اللاطبيعي"، ونشره ليكون افتتاحية "الكرمل" آنذاك، وأعادت المجلة الثقافية نشره في عددها الأخير. الربط بين "الكرمل" وأي مجلة ثقافية أو أدبية، هو أفضل مديح يمكن لتلك المجلة أن تحظى به، فهناك ما يشبه الإجماع على أن "الكرمل" كانت المجلة الأرقى والأغنى، مهنيا وثقافيا وإبداعيا. ولا شك أن قولا مثل هذا، إنما يمثل تحديا جديدا لهيئة تحرير المجلة الثقافية التي سيكون عليها أن تثبت بحق أنها استمرار للمجلة الفلسطينية التي توقفت قبل رحيل رئيس تحريرها، محمود درويش، من دون أن تصدر عددا واحدا متوسط القيمة. |
|
|||||||||||||