العدد 7 - أردني | ||||||||||||||
عكست كلمات النواب في جلسات الثقة بحكومة نادر الذهبي تنامي ثقافة “المحاصصة” وبخاصة لدى فئة واسعة من النواب الجدد، طالبوا بحصة من “كعكة” الوطن بالتركيز على الحقوق مع تجاهل الواجبات. مصدر هذا المناخ، كما يؤكد باحثون، هو الاختلال في توزيع عوائد التنمية بشكل عام، وإشغال المناصب القيادية في الدولة. فهناك عشائر ومناطق وأصول وأقليات وعائلات تأخذ أكثر من غيرها على غير قواعد العدالة وتكافؤ الفرص، ما يثير انتقادات واسعة لدى سائر طبقات المجتمع. ويطالب أصحاب نظرية المحاصصة بحصتهم، أو على الأقل حصة ما، من “الكعكة”، ما يضعف نسبياً استقلاليتهم أمام الحكومة. وقد تركزت مطالبات نواب على بناء جامعات جديدة في مناطق غير مخدومة: حسن صافي (عمان الأولى) طالب في كلمته “بإنشاء جامعة رسمية شرق عمان لمحدودي الدخل”. وأعربت آمنة الغراغير (دير علا) عن الطموح “بمكرمة ملكية سامية لإقامة جامعة أو كلية جامعية في الأغوار”. بموازاة ذلك، دعا أحمد العتوم (جرش) إلى “إقامة جامعة حكومية في المحافظة أسوة بالمحافظات الأخرى”. ودعا ناجح المومني وأيمن شويات (عجلون) من جهتهما إلى إنشاء جامعة حكومية أسوة بباقي محافظات المملكة، في حين اقترح رضا حداد ومحمد القضاة من الدائرة نفسها “تحويل كلية مجتمع عجلون إلى جامعة مستقلة”. وأدرج وصفي الرواشدة (الشوبك) ضمن مطالب دائرته “إنشاء كلية جامعية زراعية تابعة لجامعة الحسين”. وذكر مجحم الخريشا أن من مطالب دائرته (بدو الوسط) إنشاء جامعة تخدم ألوية الموقر والقويسمة وسحاب وشرق عمان”. علّق أكاديمي على هذه المطالب بأنها غير واقعية، لأنه حتى في أرقى دول العالم لا توجد جامعة في كل دائرة انتخابية، ولا حتى في عز اشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق. وذكر أن انتقال الناس إلى الدراسة خارج مناطقهم بل وخارج بلدانهم هو أحد أسباب التفاعل الحضاري والتقدم. وذكر أن أحد أسباب التطور السريع لليابان في القرن التاسع عشر أنها أوفدت أعداداً كبيرة من طلبتها للتعلم في جامعات الغرب. نواب آخرون ركزوا من جهتهم على مطالب خاصة بإشغال وظائف عليا في الدولة: فقد طالب نواب جرش: محمد زريقات وسليمان السعد وأحمد العتوم في كلماتهم “بإنصاف المحافظة لتكون ممثلة في التشكيلات الوزارية”. وذكر زريقات أن جرش لم تمثل في الوزارة على امتداد تاريخ المملكة سوى خمس مرات، لكن السعد قال إنها ست مرات، وأضاف السعد: “ولا يعين من أبناء جرش في الوظائف العليا إلا القليل القليل الذين لو أحصيناهم جميعاً لكانت عشيرة واحدة من العشائر في غير محافظة جرش فيها من أصحاب الوظائف العليا أكثر منهم”. وقال خالد البكار (لواء الوسطية-إربد) ليس هناك من أبناء دائرته “من يشغل موقعاً في مناصب الدولة العليا”. ودعا حابس الشبيب (البادية الشمالية) إلى منح أبناء دائرته “حقهم الطبيعي في ممارسة دورهم في أجهزة الدولة المختلفة، وذلك من حملة الدرجات العلمية العليا”. وفي الاتجاه ذاته، ذهب محمد الشرعة (بدو الوسط) الذي طالب بتحقيق “العدالة والمساواة بين المواطنين في توزيع الوظائف العليا في الدولة”، كما طالب بفتح “أبواب التعيينات في وزارة الخارجية أمام أبناء البادية الأردنية- فهم دبلوماسيون بالفطرة”. من جهته، شكا حمد أبو زيد (عمان الرابعة) من أن “منطقة سحاب مظلومة من حيث الوظائف العليا”، وطالب “بإنصافها”. ومن لواء بصيرا بالطفيلة، حاجج محمد السعودي بأن العشرات من أبناء اللواء حصلوا على درجات الدكتوراة والماجستير والبكالوريوس، و”يعمل معظمهم في أجهزة الدولة والمؤسسات العامة والخاصة، إلا أنه لم يعين أحد منهم حتى الآن في أي من المناصب العليا في الدولة حتى إن بعض الوزارات والمؤسسات مغلقة أمامهم... فلماذا؟”. مقابل ذلك، أعرب نواب عن موقف مناهض للمحاصصة. فالنائب محمد أبو هديب يرى أن “الإرادة السياسية تتعزز بفهم عميق للتنمية السياسية بعيداً عن مفاهيم المحاصصة الديمغرافية والجغرافية والعرقية في كافة مؤسسات الدولة”، فيما أكد عبد الكريم الدغمي قائلاً “أنا ضد المحاصصة، وضد تركيز الخدمات ومكاسب التنمية في منطقة واحدة”. لكن رب قائل إن هناك من يقف ضد المحاصصة لأنه من أصحاب الحظوة. منطق المحاصصة الذي يأخذ به عدد من النواب غير صحي رغم كونه رد فعل على واقع مشوّه. ولئن كان هذا مقبولاً بلغة ومنطق المواطن العادي، فإنه ليس مقبولاً من نائب يمتلك الحق في الرقابة والمساءلة، فالأصل أن ينشأ نوع من التوازن في اختيار من يشغل منصب الوزارة والوظائف العليا في الدولة مع الاحتكام في الوقت نفسه لمعايير الكفاءة وتكافؤ الفرص. وحينما يرى نائب أن منطقته مغبونة لأسباب تتعلق بالمحسوبية والواسطة، فالحل ليس باستجداء حصة من “الكعكة”، بل بممارسة دوره في الرقابة والمساءلة للسلطة التنفيذية حتى يحتكم الأداء إلى معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص ونصبح فعلاً لا قولاً دولة قانون ومؤسسات، وليس دولة “السرايا والقرايا”. لقاء رئيس الحكومة نادر الذهبى قبل جلسة الثقة مع النواب حسب تقسيمات دوائرهم الانتخابية عزز مناخ “المحاصصة” لأنه فرض على النواب أن يتصرفوا وفق انتماءاتهم الجغرافية، وهكذا تبددت فرصة لقاء الرئيس مع نواب جبهة العمل الإسلامي بصفتهم الحزبية، حيث التقاهم ضمن توزيعات مناطقهم الجغرافية. |
|
|||||||||||||