العدد 41 - كتاب | ||||||||||||||
نشرت مواقع الكترونية عديدة وصية الروائي السوري حنا مينة (84 عاماً). الوصية تتحدث على الخصوص عن رغبته بأن يرحل بهدوء، وأن لا تقام له أي حفلات تأبين ولا أن تنشر عنه أخبار نعي بارزة. صاحب "الشراع والعاصفة" لم يكتم السبب وراء رغبته هذه، فهو لا يريد لأحد أن يستثمر نبأ رحيل "الروائي الكبير". ويخص أهله بذلك!. لا يود المرء هنا التطرق من قريب أو بعيد لأمور عائلية. غير أن ما يثير الانتباه هنا، هو ما تزخر به الوصية المنشورة من شعور بالعزلة وقع الكاتب تحت وطأتها. عزلة حتى عن أقرب الناس إليه، باستثناء زوجته كما تفيد وصيته. وهو شعور ضاغط، دفع الكاتب للمطالبة الصريحة بأن لا يعمد أحد الى محاولة كسر هذه الوحدة، حتى بعد رحيله عن هذه الدنيا. مبدعون كثر بلا عدد في الشرق والغرب كابدوا ما كابده صاحب "المصابيح الزرق". تفسير ذلك يكمن في الحساسية المفرطة لدى المبدع، وافتقاده للغة تواصل مع محيطه التقليدي، والنظرة إليه كشخص يلتمس تلبية مزاجه الخاص.. يبحث عن التعاسة ولا يسعى للنجاح! كما ينظر له. الروائي السوري خاض في قضايا اجتماعية وسياسية في رواياته، وهو احد أبرز ممثلي ما كان يسمى "الواقعية الاشتراكية". المقصود بهذه الإشارة أن الرجل لم يكن نرجسياً ولم تستغرقه شواغل ذاتية وهواجس ميتافيزيقية. مع ذلك ومع موضوعيته وانشغاله الشديد بقضايا عامة تتجاوز ذاته، فقد انتهى أمره الى ما انتهى اليه.. وليس بعيداً عما انتهى إليه، قبل أعوام مواطنه الشاعر الراحل محمد الماغوط، الذي كان يحترف الحزن والطرافة معاً (له ديوان بعنوان : الحزن مهنتي). لا يلتمس حنا مينة شيئاً لنفسه، باستثناء أن يخلد للراحة التامة، وأن لا يعترف به بعد وفاته من أنكر موهبته طيلة حياته الخصبة. وهو مطلب قلّما سعى إليه وجهر به كاتب ومبدع عربي من قبل. لقد بلغ به الضيق قبل نحو عامين أن تمنى لو احداً يتبرع ويضع حداً لحياته! عبر عن ذلك بصورة علنية على صفحات "الشرق الأوسط" اللندنية. وهي دعوة لا شك على جانب من الغرابة، ومن حسن الطالع أن أحداً لم يتقدم لتلبية طلبه. في وصيته الأخيرة تخلى عن هذا المطلب، واكتفى بالدعوة لأن يرحل بهدوء دون "طنة ورنة" كما هو حاله حالياً ومنذ سنوات، دون أي تأبين رسمي أو شعبي (صدر عنه كتاب تكريمي في دمشق قبل أيام بمناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية). يتمنى المرء للروائي السوري عمراً مديداً، ولعل أصدقاءه وتلامذته ومريديه، يتنبهون لواجب الاهتمام به دون إيذاء مشاعره. حتى لا ينتهي الأمر، كما انتهى بالشاعر عبدالوهاب البياتي، الذي مات وحيداً في الفيحاء على كرسي في ساعة ضحى دون أن يكون أحد برفقته في جلسته الأخيرة. |
|
|||||||||||||