العدد 41 - أردني
 

خليل الخطيب

غور الأردن، أو وادي الأردن، كما يسمى، هو سهل ممتد من شمال الأردن إلى جنوبه على امتداد نهر الأردن بمساحة إجمالية تقدر بـ400 ألف دونم، وهو يعتبر، جغرافيا، امتداداً للانخفاض القاري، ويتراوح مستوى انخفاضه عن سطح البحر من 200 إلى 400 م، وبذلك فهو يشكل أخفض بقعة مأهولة على سطح الأرض.

يتميز مناخه بالدفء شتاء وشدة الحرارة صيفاً، ومع توافر مصادر المياه السطحية فيه؛ نهرا الأردن واليرموك والينابيع والسيول إضافة إلى البحر الميت، فإنه يتميز برطوبة نسبية عالية تراوح بين 60 بالمئة صيفاً و95 بالمئة شتاء، ما يجعله أقرب إلى الدفيئة الطبيعية التي توفر ظروفاً ملائمة لنمو كثير من أنواع النباتات.

هذه الميزة النسبية لإنتاج الغذاء في الغور جعلته سلة غذاء الأردن الرئيسية، ومصدراً للخضراوات والفاكهة بالنسبة لدول الخليج، ولبعض الدول الأوروبية تالياً.

لكن صعوبات طرأت في السنوات الماضية، أدت إلى تراجع دوره وتهديده بمزيد من التراجع إذا بقيت السياسات الرسمية تتجاهل هذه الصعوبات ولا تقوم بدورها في تذليلها، كما يرى أصحاب استثمارات زراعية هناك.

بدأ التفكير الجدي في تطوير وادي الأردن في منتصف الخمسينيات عندما طرحت خطة جونسون المتعلقة بتقاسم المياه بين الدول الواقعة على نهري الأردن واليرموك، والخطة العربية التي طرحت للغرض نفسه، بحسب أمين عام سلطة وادي الأردن السابق دريد محاسنة. لكن محاسنة يرى أن عملية تطوير وادي الأردن "أخذت زخمها الحقيقي بعد حرب 1967، وما تبعها من محاولات لتثبيت سكان المنطقة في أراضيهم حيث بدأ بعضهم بالنزوح خوفا من حروب جديدة".

ويضيف محاسنة" نزوح مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين نحو شرق الأردن بعد الحرب أدى إلى زيادة الطلب على المنتجات الغذائية، ما أوجب استثمار الميزة النسبية لوادي الأردن ليصبح سلة غذاء الأردن الرئيسية".

واقع أن غور الأردن يشكل دفيئة طبيعية جعله قادراً على أن يكون "منطقة زراعية عابرة للمواسم، وأعطاه ميزة تنافسية من الناحية التصديرية، على المناطق المجاورة عربياً وإقليمياً، ومن ثم على المستوى الدولي"، بحسب عدنان عبد النور، مساعد الأمين العام للإنتاج النباتي في وزارة الزراعة.

ويدلل عبد النور على مدى أهمية الميزة النسبية للإنتاج الزراعي في الغور من واقع أن "الأردن يصدر بعض المنتجات الزراعية لبلدان مشهورة بإنتاج هذه الأنواع أصلاً، كما في حالة تصدير بعض أنواع العنب التي تشتهر بها تركيا إلى تركيا نفسها، لكون الإنتاج الأردني يسبق التركي في النزول إلى الأسواق بعدة أسابيع مع احتفاظه بمستوى عال من الجودة".

وعن طبيعة إسهام الوزارة في تطوير وإدامة الإنتاج الزراعي في الأغوار يشرح عبد النور بأن الوزارة "تسهم في بناء وتطوير بنية تحتية جيدة، وتقدم مديرياتها خدمات للمزارعين كالتنسيب بأعداد الأيدي العاملة المطلوبة؛ الرش والحراثة بأسعار رمزية، الإرشاد الزراعي، مكافحة الآفات الزراعية، وتعويض المزارعين في بعض الحالات كالصقيع".

ويستطرد عبد النور منبها إلى أن للوزارة "دوراً رقابياً صارماً على تداول مدخلات الإنتاج من أسمدة، ومبيدات، وبذور لضمان أعلى درجات الجودة الممكنة".

ويتفق رئيس الجمعية الأردنية لمصدري ومنتجي الخضار والفواكه، باسل الديك، وعدد من المنتجين والمصدرين مع ما ذهب إليه عبد النور حول الدور الفاعل الذي تقوم به الوزارة في تلك المجالات. ويذهبون إلى أبعد من ذلك، إذ يؤكدون أن لجان الرقابة لدى وزارة الزراعة هي من "أشد اللجان دقة وصرامة في عملها، وهو أمر يصب في مصلحة الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً".

ويلفت المنتج الزراعي، مازن الحمارنة، إلى أن "الدور الرقابي للوزارة علاوة على دقته وصرامته، يتوسع ليشمل التعاون العلمي والتقني مع المزارعين".

يؤكد أمين عام سلطة وادي الأردن السابق، دريد محاسنة، أن "الإنتاج الزراعي، والصادرات الأردنية من المنتجات الزراعية قد بدأت في التراجع منذ بداية التسعينيات".

ويعيد محاسنة هذا التراجع إلى جملة من العوامل من أهمها: "برامج البنك الدولي التي لا تشجع الأردن على تخصيص مياه للزراعة، وتحول سورية إلى زراعة الخضراوات في وادي اليرموك بدلاً من القمح، ما أثر على حصة الأردن من مياه اليرموك، كذلك قلة الأمطار ونقص الأيدي العاملة المدربة، والتلوث الناجم عن الخربة السمرا الذي تمت معالجته مؤخراً".

ويضيف محاسنة أن ثمة مشكلات إدارية وفنية تساهم في هذا التراجع من أهمها: "عدم وجود آلية للتسويق الزراعي تكفل الوصول إلى أسواق العالم على نحو كفء، وسوء اختيار المنتجات التصديرية، إذ يغلب على الصادرات الأردنية منتجات قليلة الربحية تسهل منافستها كالبندورة والكوسا وغيرهما، بينما تزرع في الدول المجاورة منتجات عالية الربحية تصعب منافستها مثل الأفوكادو".

المنتجون الذين حاورتهم «السّجل»، رغم اتفاقهم مع الجمعاني، فيما ذهب إليه، فإنهم يطالبون الحكومة بالنظر في إمكانية منح تراخيص لحفر آبار ارتوازية خاصة مع توافر المياه الجوفية في وادي الأردن، وهو ما أكد الجمعاني أن الحكومة جادة في النظر فيه.

نقص الأيدي العاملة في القطاع الزراعي يشكل معضلة تعصي على الحل، كما يرى مزارعون، إذ يرى رئيس جمعية المصدرين والمنتجين أن هذه المشكلة "توَلد عدة مشاكل أخرى؛ فنقص العمالة يؤدي إلى ارتفاع كلفة الإنتاج بحكم ارتفاع أجور العمال، وهذا يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات في السوق المحلية، ويضعف المنافسة في الأسواق الخارجية".

ويضيء إسحاق مدانات، جانباً آخر من المشكلة، فيؤكد: "نقص العمالة بات يفرض نمطاً زراعياً؛ فقد أصبح المزارعون يلجأون لزراعة المحاصيل التي لا تحتاج إلى الكثير من الأيدي العاملة كالموز الذي يستهلك الكثير من المياه". وهو يرى أن هذا النقص "يسيء إلى المنافسة في التصدير لجهة عملية تصنيف المنتجات إلى نخب أول وثان، ما يؤدي إلى تصدير منتجات غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها مع المستورد". كما أن هذا النقص يؤدي إلى "التأخر في القطاف ما يتسبب بتلف جزء من المنتج وخسارة بعض عقود التصدير" يعقب عضو إدارة جمعية المصدرين والمنتجين زهير جويحان.

ويتفق المنتجون والمصدرون على أن أساس هذه المشكلة يكمن في عدم وجود أيد عاملة محلية، باستثناء النساء اللواتي لا يمكن الاعتماد على عملهن بصورة دائمة، كونهن ملتزمات بواجبات اجتماعية وأسرية، علاوة على عدم كفاية أعدادهن، وفي الوقت نفسه، فإن العمالة الوافدة الموجودة غير كافية لأن معظم من يدخلون البلاد بتصاريح زراعية يتسربون للعمل في قطاعات أخرى كالإنشاءات.

ويحمّل المنتجون وزارة العمل المسؤولية عن هذا الوضع، إذ رغم قناعتهم بأن الوزارة تعطي عددا كافيا من التصاريح للعمال الوافدين في القطاع الزراعي إلاّ أنها عاجزة عن ضبط التزام هؤلاء العمال بالعمل وفق تصاريحهم.

ويرى المنتجون أن الحل الأمثل لهذه المشكلة يكمن في قيام وزارة العمل بدورها الرقابي بشكل كفء، وأن يفتح باب الاستقدام للعمالة الآسيوية لخلق منافسة حقيقية على فرص العمل في القطاع الزراعي بين العمال.

الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل، رجا طلب، أبدى تفهمه لما يطرحه المنتجون، وأوضح أن "الوزارة بصدد تعيين 70 مفتشاً جديداً، جرى بالفعل تعيين 30 منهم ليصبح عدد المفتشين العاملين في الميدان 160 مفتشاً".

ومن أجل تفعيل الدور الرقابي للوزارة، يناشد طلب أصحاب العمل من المنتجين الزراعيين "أن يبلغوا عن العمال الوافدين الذين لا يلتزمون بأعمالهم ويذهبون للعمل في قطاعات أخرى لكي تقوم الوزارة باتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".

وعبّر منتجون ومصدرون ومسؤولون في وزارة الزراعة، أن بعض التحقيقات والتعليقات الصحفية أساءت للمنتج الزراعي الأردني عبر مقالات غير دقيقة فخسَرت الزراعة الأردنية أسواقاً هامة كالسوق السعودية.

ويعتقد عدنان عبد النور، أن "الخسائر المترتبة على تحقيقات كهذه لا يمكن تعويضها وأنه لا يمكن استعادة أي سوق تتم خسارته إلا بعد سنوات طويلة من الجهد، كون الفكرة عندما ترسخ في أذهان المستهلكين، فإنه يصعب محوها".

ويؤكد إسحاق مدانات ما ذهب إليه عبد النور، ويدلل على ذلك بأن" بعض الدول تستورد المنتجات الزراعية الأردنية ويقوم بعض تجارها بإعادة تصديرها إلى السعودية على أنها من إنتاج بلادهم وتقوم السلطات السعودية بفحصها فتجدها خالية من المتبقيات فتطرحها في الأسواق".

ويعبر الديك عن استيائه مما أسماه بالتناول السلبي للصحافة الأردنية لقضايا الإنتاج الزراعي منبها إلى "خطورة ذلك على الإنتاج الزراعي الأردني والصادرات الأردنية من هذا القطاع حيث أن هناك الكثير من المنافسين الذين يزاحمون المنتج الأردني على الأسواق".

لكن صحفيا رفض الإفصاح عن اسمه "حتى لا يتحول الأمر إلى اتهام ودفاع" كما قال، طالب بقراءة أكثر موضوعية للقضية، مشيراً إلى أن من حق الصحافة ممارسة دورها الرقابي، وهو ما قامت به في التسعينيات، عندما أثيرت مشكلات التلوث في الخربة السمرا، وتلوث للمنتجات الزراعية بالمبيدات الزراعية، مؤكدا أن هذا كان دافعا للوزارة لحل مشاكل التلوث وتفعيل دورها الرقابي حيث أنشأت فيما بعد واحداً من أكثر المختبرات تطورا لفحص المنتجات الزراعية للتأكد من خلوها من التلوث. ويعلق الصحفي "صحيح أننا خسرنا سوقاً مهمة كالسوق السعودية، لكن التطورات التي تحققت قد فتحت الأسواق الأوروبية أمام المنتج الزراعي الأردني، وهو ما يفتح آفاقاً أرحب أمام هذا المنتج وهذا ما تؤكده تصريحات المنتجين والمصدرين."

ويشدد على أن ذلك كان أيضاً دافعاً للقطاع الخاص الزراعي على تطوير أدواته، بما في ذلك رقابة ذاتية مكنته خلال عقد من تجاوز العقبات واستعادة الأسواق التي فقدت، ودخول أسواق جديدة في أوروبا"، وأعرب عن اعتقاده بأنه، بعد هذه النجاحات، سوف يكون من السهل استرجاع السوق السعودية، فالسعودية اتخذت قرارها لأسباب ظرفية، وحين تنتهي فمن المنطقي أن تعود السعودية سوقاً للصادرات المحلية.

الميزة النسبية للإنتاج الزراعي في وادي الأردن معرضة للتراجع بسبب صعوبات بات على الحكومة أن تعمل بجدية على حلها، فإن كان شح المياه أمراً خارجاً عن السيطرة، فإن نجاح سلطة وادي الأردن في تنظيم عمليات الري على نحو كفء يقدم مثالاً يحتذى، وحافزاً قوياً للجهات المعنية في حل الصعوبات الأخرى التي يواجهها القطاع الزراعي في غور الأردن.

المشكلة المائية ونقص الأيدي العاملة تحدّيان أمام زراعة ناجحة
 
28-Aug-2008
 
العدد 41